(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 09 أيار 2019 17:23

إعتبار المآل في فقه الدعوة 1/2

كتبه  الدكتورة أم كلثوم بن يحي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تمهيد:
الفقه الإسلامي منظومة دينية دنيوية كاملة متكاملة، تلامس جميع الجوانب الحياتية للمسلم، تتنوع فروعه بتنوع القضايا التي يعالجها، مما يجعله مرنا يتماشى و متطلبات العصر من جهة، و يحقق نهضة الأمة العلمية و العملية من جهة أخرى.
و من أنواعه الدقيقة: فقه المصلحة و المفسدة، و فقه النوازل، و فقه الأولويات، و فقه الموازنات و فقه الواقع، و فقه المقاصد، و فقه السنن، و فقه المآلات.
و اعتبار مآلات الأحكام علم جليل تفطن الفقهاء الأوائل لأهميته، فاعتنوا بإحكام نصوصه، و سرد أدلته، و تَوَقُّعِ النتائج المترتبة على العمل بالحكم الشرعي، و من ثم إعماله أو إهماله.
تعريف فقه المآل:
فقه المآل مصطلح مركب من كلمتين: فقه، و مآل، و الفقه لغة: العلم و الفهم و الإدراك،(1 ) و اصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية،(2 ) أما المآل فهو لغة: الرجوع.(3 )
و قد اعتبره فقهاؤنا الأوائل في العديد من المسائل دون إعطائه تعريفا محددا، و إنما اعتبروه كنوع معاكس للاستصحاب، و قد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا الفقه في تعريفه للمصلحة المرسلة حيث قال: ( و هو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة).(4 )
ثم صنف هذا العلم ضمن أنواع الفقه الدقيقة، و عرفه العديد من الباحثين كالدكتور عمر جدية بأنه: (اعتبار ما يصير إليه الفعل أثناء تنزيل الأحكام الشرعية على محالها، سواء أكان ذلك خيرا أم شرا، و سواء أكان بقصد) الفاعل أم بغير قصده)،( 5) و عرفه فريد الأنصاري بأنه: (أصل كلي يقتضي اعتباره تنزيل الحكم على الفعل بما يناسب عاقبته المتوقعة استقبالا).(6 )
حجيته:
يعد اعتبار المآل الجالب للمصالح المتيقنة الدافع للمفاسد المتيقنة، أصل شرعي معتبر، إذ يتعين على المجتهد مراعاة التطابق بين قصد المكلف في الامتثال و قصد الشارع في وضع التكليف بتحصيل المصالح و دفع المفاسد.(7 )
و هو علم دقيق لا يحسن النظر فيه إلا من كان على قدر راسخ من الفقه و العلم بأحوال الأمة و أحوال المكلفين، و في ذلك يقول الشاطبي: (و هو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة) (8 ) .
أما بالنسبة لحجيته فقد تضافرت النصوص التي أوردها العلماء على اعتبار هذا الأصل، و هم في ذلك يفرقون بين الأدلة العامة و الأدلة الخاصة فيما يتعلق بحجيته:(9 )
– الأدلة العامة:
1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:21).
2- قوله تعالى: {وَ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}( البقرة: 188).
3- قوله تعالى: {وَ لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:179).
4- قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء:165).
– الأدلة الخاصة:
1-قوله تعالى: {وَ لَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } (الأنعام:108).
وجه الدلالة من الآية: أن المولى عز و جل نهى المسلمين عن سب آلهة الكفار مراعاة للمآل الذي سيؤول إليه، و هو سبُّ الله تعالى و جل.
2- قول النبي صلى الله عليه و سلم لسيدنا عمر رضي الله عنه لما أراد قتل المنافق:( دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).(10 )
وجه الدلالة من الحديث: أن رسول الله عليه و سلم لما تعارضت عنده مصلحة التخلص من المنافقين و تطهير صفوف المسلمين منهم، و مفسدة بث الفرقة و الإشاعات بين صفوف المسلمين، و أن محمدا يقتل أصحابه،(11 ) فتبين له أن مفسدة المآل أغلب من مصلحة الحال، قدم اعتبار المآل فامتنع عن قتلهم.(12 )
3- قوله صلى الله عليه و سلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: ( يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم بكفر، لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس و باب يخرجون ).(13 )
فالنبي عزف عن رغبته في هدم الكعبة مراعاة لمآل فعله، هو تشويش المسلمين و هم حديثو عهد بالإسلام.(14 )
و بالاستناد إلى هذا الحديث يقرر النووي أن المصالح إذا تعارضت، أو تعارضت مصلحة و مفسدة و تعذر الجمع بينهما بُدي بالأهم.(15 )
4- و ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قام أعرابي فبال في المسجد, فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم: دعوه و أريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، و لم تبعثوا معسرين).(16 )
و النصوص غير ذلك كثيرة، و آثار السلف في ذلك بيِّنة واضحة الدلالة في اعتبار هذا الأصل، و كذا فتاوى أهل العلم المتقدمين، و أقوال الفقهاء، و يندرج تحت فقه المآل بعض القواعد التي تخدم هذا الباب منها: (17 )
1- درء المفاسد أولى من جلب المصالح أو المنافع.
2- عند تعارض مصلحتين يعمل بأعلاهما و إن فات أدناهما.
3- إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
تطبيق قاعدة اعتبار المآل في فقه الدعوة:
تعددت القضايا المعاصرة التي يندرج بحثها تحت هذه القاعدة، و التي تفطن العلماء إلى أهميتها و خطورة استبعادها على الحياة الإسلامية و آثار ذلك على المجتمع الإسلامي الذي يعاني من جمود حضاري خطير في وقت صار فيه العالم قرية صغيرة.
و لعل أخطر المجالات التي أهمل فيها اعتبار المآل مجال الدعوة إلى الله، أين كثرت الفتاوى و الفتاوى المضادة، و تعمقت الفجوة بين الدعاة و العامة، بعد أن تعمقت الخلافات بين الدعاة أنفسهم، و صار شغلهم الشاغل إقناع بعضهم البعض بدل إقناع الناس، فأحاطت بالعمل الإسلامي أدخنة الفتن، و أمواج شطت به ذات اليمين و ذات الشمال، فكثر المتساقطون من صفه فكرا و ممارسة، و انحرف السير كلية ببعض أجنحته، و جماعاته بسبب ما اعتراه من مرض الاستصنام، و هو داء عضال يصيب الجسد كله، و إنما المحفوظ من حفظه الله. (18 )
و بناءً على ما تقدم يجب على الداعي أن يدرك خطورة عمله، و خطورة أن يُهمل قواعد الدين الكلية، و مقاصد التشريع العامة التي يتوقف فهم الأحكام عليها، و كذا أحوال الناس و أعرافهم و عاداتهم و واقعهم، و هو ما يصطلح عليه بفقه الدعوة.
و يُعًرف فقه الدعوة بأنه:( العلم بالأحكام الشرعية العملية المتعلقة بمقاصد و وسائل تبليغ الإسلام للناس، و تعليمهم إياه و الإنكار على من خالفه منهم بأيسر طريق و أقوم حجة).(19 )
و المقصود من هذا التعريف أن يتحرى الفقيه خير الخيرين فيقدمه، و شر الشرين فيتجنبه،(20 ) و يبين لنا الدكتور القرضاوي ذلك بقوله:(المفسدة الصغيرة تغتفر من أجل المصلحة الكبيرة، و تغتفر المفسدة العارضة من أجل المصلحة الدائمة، و لا تترك مصلحة محققة من أجل مفسدة متوهمة).(21 )
و في إغفال اعتبار هذا الأصل خطر عظيم على الأمة الإسلامية والأمم المجاورة لها، و أمثلة ذلك لا تخفى على أحد؛ أخطرها التطرف و الانغلاق الذي مس شريحة واسعة من شباب الأمة فتحول من مقوم بناء إلى وسيلة هدم؛ و من ذلك أعمال العنف و التفجيرات التي هزت البلاد الإسلامية و غيرها بدعوى الجهاد.
فهذه الأعمال حينما نزنها بميزان المصالح و المفاسد، نجد المصلحة المرجوة منها هي إقامة حدود الله في الأرض، و هو ما لا يتحقق مع هكذا وسيلة، و التاريخ خير شاهد على ذلك.
و نجد بدل المفسدة المحققة منها مفاسد متعددة بين محققة و متوقعة، و بين داخلية و خارجية لعل أهمها:
– تشويه صورة الإسلام لدى العامة من الغرب، و إعطاء الذريعة لأعدائه بضرب البنى التحتية للأمة بدعوى الضربات الاستباقية أو الوقائية، و وضع اليد على ثرواتها بدعوى إعادة الاعمار، و استعباد أبنائها بدعوى التحرير، و تقويض الشرع بدعوى أن الدين أفيون الشعوب.
و قد كان الإسلام في ما مضى ينتشر في البلاد البعيدة على أيدي التجار الذين كانوا مثالا للقدوة الحسنة، و الخلق الطيب، و لين الجانب، فالأحرى لنا أن نتتبع خطاهم فننبذ الشدة و القسوة في التعامل مع الآخر.
– تشتيت صفوف المسلمين في زمن هم أحوج فيه إلى الوحدة، بسبب فتاوى التحزب و تكفير المخالف لمجرد المخالفة، فبدلا من الاجتماع لمواجهة العدو نفترق لتسهيل مهمته، و أحيانا كثيرة ننفذها نيابة عنه.
– بث الذعر في صفوف الآمنين، و سفك الدماء المعصومة، و قد قال صلى الله عليه و سلم: (من أصبح آمناً في سِرْبه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزتْ له الدنيا بحذافيرها).(22 )
– ضرب اقتصاد الدول الإسلامية، و يتجلى ذلك في استنزاف ثرواتها في إعادة بناء ما خربه التدمير بدل إنفاقها في مجالات التقدم و التطور.
مثل هذه الممارسات و الأساليب تخدم العلمـانيين الذين ديدنهم التكالب على الإسـلام بتصيد العثرات و الأخطاء لجعل الدعاة تحت مطحنة النقد و التقريع و التشويه، و ما يحدث عبر الفضائيات من مناظرات هي أقرب إلى صراع الديوك منه إلى الجلسات العلمية خير شاهد على ذلك.
أسباب الفوضى في الدعوة:
– الاعتماد على العاطفة و الارتجال بدل الفهم و التأصيل :
و معنى ذلك أن بعض الدعاة تحكمت فيهم الحماسة و العواطف في خطاباتهم و فتاواهم أكثر من المعرفة بأصول الدين و قواعده، متناسين أن التأصيل إذا كان صحيحاً، ثبت أصحابه في الملمات، و نجوا في الفتن، و آتى ثماره، و انتفع الناس به؛ و أما إذا ساد في المواقف الدعوية الارتجال و التعجل، و تحكمت العواطف و الحماسة، اضطربت الدعوة، و ماج أصحابها، فسقطوا في حمئة الفتن، و لم يثبتوا في أعاصير المحن، فلم ينفعوا و لم ينتفعوا. (23 )

الرابط : https://diae.net/17124/

قراءة 3009 مرات آخر تعديل على الخميس, 16 أيار 2019 09:16