قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 08 تشرين1/أكتوير 2014 08:54

عائد إلى حيفا

كتبه  الأستاذ غسان كنفاني
قيم الموضوع
(0 أصوات)


"حين وصل"سعيد س إلى مشارف حيفا، قادما إليها بسيارته عن طريق القدس، أحس أن شيئا ما ربط لسانه، فالتزم الصمت، و شعر بالأسى يتسلقه من الداخل. و للحظة واحدة راودته فكرة أن يرجع، و دون أن ينظر إليها كان يعرف أنها آخذة بالبكاء الصامت، و فجأة جاء صوت البحر، تماما كما كان. كلا، لم تعد إليه الذاكرة شيئا فشيئا. بل انهالت في داخل رأسه، كما يتساقط جدار من الحجارة و يتراكم بعضه فوق بعض. لقد جاءت الأمور و الأحداث فجأة، و أخذت تتساقط فوق بعضها و تملأ جسده. و قال لنفسه أن"صفية"زوجته، تحس الشيء ذاته، و أنها لذلك تبكي.

منذ أن غادر رام الله في الصباح لم يكف عن الكلام، ول ا هي كفت، كانت الحقول تتسرب تحت نظرة عبر زجاج سيارته، و كان الحر لا يطاق، فقد أحس بجبهته تلتهب، تماما كما الإسفلت يشتعل تحت عجلات سيارته، و فوقه كانت الشمس، شمس حزيران الرهيب، تصب قار غضبها على الأرض، طوال الطريق كان يتكلم و يتكلم و يتكلم، تحدث إلى زوجته عن كل شيء، عن الحرب و عن الهزيمة و عن بوابة مندلبوم التي هدمتها الجرارات. و عن العدو الذي وصل إلى النهر و القناة و مشارف دمشق خلال ساعات. و عن وقف إطلاق النار و الراديو و نهب الجنود للأشياء و الأثاث، و منع التجول، و ابن العم الذي في الكويت يأكله القلق، و الجار الذي لم أغراضه و هرب، و الجنود الثلاثة الذين قاتلوا وحدهم يومين على تله تقع قرب مستشفى أوغستا فكتوريا، و الرجال الذين خلعوا بزاتهم و قاتلوا في شوارع القدس، و الفلاح الذي أعدموه لحظة رأوه قرب أكبر فنادق رام الله. و تحدثت زوجته عن أمور كثيرة أخرى، طوال الطريق لم يكفا عن الحديث. و الآن، حين وصلا إلى مدخل حيفا، صمتا معا، و اكتشفا في تلك اللحظة أنهما لم يتحدثا حرفا واحدا عن الأمر الذي جاءا من أجله!
هذه هي حيفا إذن، بعد عشرين سنة. ظهر يوم الثلاثين من حزيران 1967، كانت سيارة"الفيات"الرماية التي تحمل رقما اردنيا أبيض تشق طريقها نحو الشمال، عبر المرج الذي كان اسمه مرج بن عامر قبل عشرين سنة، و تتسلق الطريق الساحلي نحو مدخل حيفا الجنوبي. و حين عبر الشارع و دخل إلى الطريق الرئيسي انهار الجدار كله، و ضاعت الطريق وراء ستار من الدموع، و وجد نفسه يقول لزوجته صفية
هذه هي حيفا يا صفية"!

و أحس المقود ثقيلا بين قبضتيه اللتين أخذتا تنضحان العرق أكثر من ذي قبل، و خطر له أن يقول لزوجته
"إنني أعرفها، حيفا هذه، و لكنها تنكرني" .. و لكنه غير رأيه، فقبل قليل فقط كانت فكرة قد خطرت له و قالها لزوجته،
أتعرفين ؟ طوال عشرين سنة كنت أتصور أن بوابة مندلبوم ستفتح ذات يوم …و لكن أبدا أبدا لم أتصور أنها ستفتح من الناحية الأخرى. لم يكن ذلك يخطر لي على بال، و لذلك فحين فتحوها هم بدا لي الأمر مرعبا و سخيفا و الى حد كبير مهينا تماما … قد أكون مجنونا لو قلت لك أن كل الأبواب يجب الا تفتح الا من جهة واحدة، و إنها إذا فتحت من الجهة الأخرى فيجب اعتبارها مغلقة لا تزال، و لكن تلك هي الحقيقة.
و التفت إلى زوجته، إلا أنها لم تكن تسمع، كانت منصرمة إلى التحديق نحو الطريق : تارة إلى اليمين حيث كانت المزارع تمتد على مدى البصر و تارة إلى اليسار حيث كان البحر، الذي ظل بعيدا أكثر من عشرين سنة، يهدر على القرب. و قالت فجاءة
"لم أكن أتصور أبدا أنني سأراها مرة أخرى"
و قال
"أنت لا ترينها، إنهم يرونها لك"
و عندها فقدت أعصابها، كان ذلك يحدث للمرة الأولى. و صاحت فجاءة
ما هذه الفلسفة التي لم تكف عنها طوال النهار؟ الأبواب و الرؤيا و أمور أخرى، ماذا حدث لك؟"
ماذا حدث لي؟
قالها لنفسه و هو يرتجف، و لكنه تحكم بأعصابه و عاد يقول لها بهدوء
لقد فتحوا الحدود فور أن أنهوا الاحتلال فجأة و فورا، لم يحدث ذلك في أي حرب في التاريخ، أتعرفين الشيء الفاجع الذي حدث في نيسان 1948، و الآن، بعد لماذا؟ لسواد عينيك و عيني؟. لا. ذلك جزء من الحرب. إنهم يقولون لنا: تفضلوا انظروا كيف أننا أحسن منكم و أكثر رقيا. عليكم أن تقبلوا أن تكونوا خدما لنا، معجبين بنا… و لكن رأيت بنفسك : لم يتغير شيء … كان بوسعنا أن نجعلها أحسن بكثير
إذن لماذا أتيت ؟
و نظر إليها بحنق، فصمتت
كانت تعرف، فلماذا تسأل؟ و هي التي قالت له أن يذهب، فطوال عشرين سنة تجنبت الحديث عن ذلك، عشرين سنة ثم ينبثق الماضي كما يندفع البركان!
و حين كان يقود سيارته وسط شوارع حيفا كانت رائحة الحرب ما تزال هناك، بصورة ما، غامضة و مثيرة و مستفزة، و بدت له الوجوه قاسية و وحشية، و بعد قليل اكتشف أنه يسوق سيارته في حيفا دون أن يشعر بأن شيئا في الشوارع قد تغير. كان يعرفها حجرا حجرا و مفرقا وراء مفرق، فلطالما شق تلك الطرق بسيارته الفورد الخضراء موديل 1946. إنه يعرفها جيدا، و الآن يشعر بأنه لم يتغيب عنها عشرين سنة، و هو يقود سيارته كما كان يفعل، كما لو أنه لم يكن غائبا طوال تلك السنوات المريرة .
و أخذت الأسماء تنهال في رأسه كما لو أنها تنفض عنها طبقة كثيفة من الغبار : وادي النسناس، شارع الملك فيصل، ساحة الحناطير، الحليصة، الهادار، و اختلطت عليه الأمور فجاءة، و لكنه تماسك، و سأل زوجته بصوت خافت
حسنا، من أين نبدأ؟
و لكنها ظلت صامته. و سمع صوتها الخافت يبكي بما يشبه الصمت، و قدر لنفسه العذاب الذي تعانيه، و عرف أنه لا يستطيع معرفة العذاب على وجه الدقة، و لكنه يعرف أنه عذاب كبير، ظل هناك عشرين سنة، و أنه الآن ينتصب عملاقاً لا يصدق في أحشائها، و رأسها، و قلبها، و ذاكرتها، و تصوراتها، و يهيمن على كل مستقبلها. و استغرب كيف أنه لم يفكر أبداً بما يمكن أن يعينه ذلك العذاب، و بمدى ما هو غارق في تجاعيد وجهها و عينيها و عقلها. و كم كان معها في كل لقمة أكلتها، و في كل كوخ عاشت فيه، و في كل نظرة رمتها على أولادها و عليه و على نفسها. و الآن ينبثق ذلك كله من بين الحطام و النسيان و الأسى، و يأتي على ركام الهزيمة المريرة التي ذاقها مرتين على الأقل في حياته. و فجاءة جاء الماضي، حادا مثل سكين : كان ينعطف بسيارته عند نهاية شارع الملك فيصل (فالشوارع بالنسبة له لم تغير أسماءها بعد) ، متجها نحو التقاطع الذي ينزل يسارا إلى الميناء، و يتجه يمينا نحو الطريق المؤدي إلى وادي النسناس، حين لمح مجموعة من الجنود المسلحين يقفزون على المفترق أمام حاجز حديدي. و حين كان يرمقهم بطرف عينيه، صدر صوت انفجار ما من بعيد، و أعقبته طلقات رصاص و فجأة أخذ المقود يرتجف بين يديه، و كاد أن يرطم الرصيف، و تماسك في اللحظة الأخيرة، و شهد صبياً يعدو عبر الطريق، و عندها جاء الماضي الراعب بكل ضجيجه. ول أول مرة منذ عشرين سنة تذكر ما حدث بالتفاصيل، و كأنه يعيش مرة أخرى. "

المصدر:

 

http://www.adab.com/literature/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=83680&r=&rc=7

 

قراءة 2363 مرات آخر تعديل على الإثنين, 13 تموز/يوليو 2015 09:36

أضف تعليق


كود امني
تحديث