إن المتتبع لأحوال الجامعات الجزائرية و أحوال الطالب الجامعي و الدراسات العليا، و ما آلت إليه الجامعة الجزائرية اليوم من انخفاض تام في المستوى الدراسي و العطاء العلمي و الإسهام الحضاري المطلوب، قد يحمله ذلك على أن ينحو باللائمة على الجامعة و يعتبرها وحدها المسؤولة عن هذا التردي الذي جعلها تأتي في ذيل الترتيب الدولي للجامعات بل رتبت بعد بعض الجامعات الإفريقية التي لا تتوفر على ما تتمتع به الجزائر من إمكانيات في شتى المجالات، و هذا الحكم فيه الكثير من التعسف و التحامل على الجامعة، لأن صاحبه نسي أو تناسى أن الجامعة و التكوين الجامعي على أهميته لا يمثل إلا حلقة واحدة من حلقات التعليم و التكوين العام في المجتمع، و لو أخذ ذلك بعين الاعتبار لتبين أن الخلل الذي يلاحظ في مجال التكوين الجامعي و البحث العلمي مرده أساسا إلى اختلالات عديدة شابت التعليم الابتدائي و التعليم المتوسط و الثانوي، و هي التي أثرت سلبا على التقصير و القصور الملاحظ على التكوين الجامعي و البحث العلمي، فمن حيث المناهج المعتمدة في التعليم بأطواره الثلاث، تعتمد على الحشو و التلقين، و ذلك لا يسهم في شيء مساعدة التلميذ على تطوير قدراته على الملاحظة و التحليل و النقد، و هي قاعدة أساسية للتكوين الجامعي و ركيزة هامة لاكتساب ملكة البحث العلمي، كما أن استبعاد مادة المطالعة في المدرسة الابتدائية حال دون تطوير و تمتين علاقة التلميذ بالكتاب، و كذلك استبعاد حصة المطالعة الموجهة من التعليم المتوسط و الثانوي، منع التلميذ من التمرس بأساليب و طرق تحليل النصوص و استخراج الأفكار و نقدها إما بمقارنتها مع غيرها، أو بمقابلتها بالواقع المعيش ليكتشف الصحيح منها من السقيم، كما أن نقص تكوين الإطار التربوي حيث اعتمد في السنوات الأخيرة على خريجي الجامعات، و الذين كانوا يفتقرون إلى الانفتاح على العلوم النفسية و التربوية، مما انعكس سلبا على علاقة الأستاذ بالتلميذ، و جعل التوتر يغلب عليها مما أثر على عملية الاتصال و التواصل بينهما، أضف إلى ذلك الاكتظاظ الذي تعرفه المدارس حال هو الآخر دون تمكن الأستاذ من تتبع و مراقبة عمل التلاميذ، و هي عملية جد مهمة لاكتشاف نقاط الضعف و ثغرات التكوين لدى التلميذ و توظيفها في تصويب و تصحيح مسار العملية التعليمية و التربوية في آن، و إذا أخذنا بعين الاعتبار نقص بل انعدام عملية التحفيز على مستوى المؤسسة المدرسية، و المؤسسة الاجتماعية، فلا نعجب من فتور الإقبال على التعلم من قبل التلاميذ، و قد كان لعمليات الإصلاح الارتجالية قسطا من المسؤولية في تدني المستوى المدرسي و المردود التعليمي بالنسبة الأطوار الثلاث، ثم أن عدم تعريب التعليم الجامعي خاصة في المجال العلمي جعل الطالب يصطدم في سنواته الأولى بعقبة اللغة، فيضيع سنة أو يزيد لاكتساب تقنيات اللغة التي يتم بها التكوين الجامعي في مجال تخصصه العلمي.
و هكذا يتبين أن الضعف في التكوين الجامعي و البحث العلمي، هو ضعف موروث لأن مسبباته ترجع إلى كيفيات التعليم في الأطوار الثلاث و ظروفه و ملابساته، و هذا يعني بصريح العبارة أن إصلاح الجامعة يتطلب إعادة النظر في هذا التعليم بأطواره المختلفة، لأن الجامعة إنما تتعامل مع مخرجات هذا التعليم، فإذا كانت مخرجاته ضعيفة و غير مؤسسة فكيف لنا أن ننتظر من الجامعة أن تصنع لنا من أصحابها أساتذة أكفاء، و باحثين نابهين...؟
كشف منصور صالح واعلي، عضو الأمانة الوصية لإتحاد الشبيبة الجزائرية، بأن واقع الجامعة قد تغير كثيرا مقارنة بالسنوات الماضية، في مختلف الميادين و الجوانب الثقافية و التكوينية. و أضاف منصور صالح، في اتصال هاتفي لجريدة "الحياة العربية"، بأن الجامعة أصبحت تمثل، اليوم، ثانوية كبيرة لا أكثر و لا أقل، موضحا بأن الجامعة في السبعينات لعبت دورها في المهام الوطنية و الثقافية، من خلال مساهمة الطلبة في الثورة الزراعية النوعية و غيرها، حيث أنها كانت منارة حقيقية، أما اليوم فقد تغيرت كثيرا، و لابد على السلطات الوصية بأن تعيد النظر في المنظومة الجامعية في الوقت الراهن إلا بمشاكله التعليمية و الاجتماعية داخل الجامعة.
من جانب آخر، و بخصوص تراجع المستوى الجامعي بمختلف الجامعات الجزائرية، فأكد منصور بأنه راجع لعدة أسباب أخرى متعلقة بمدى تحصيله العلمي بالتخصص الذي يختاره، مضيفا بأن الواقع يختلف عن كل ما عايشه.