(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 07 April 2016 06:40

الثبات زمن الفتن، قراءة في منهج النورسي(2)

Written by  الدكتورة أم كلثوم بن يحي
Rate this item
(0 votes)

الدرس الثاني: استثمار النص القرآني و السِيَّر لنشر اليقين و الثبات على المبدأ

إن علاقة النورسي بالقرآن الكريم علاقة فريدة من نوعها، يغلفها الحب و اللهفة و الرغبة الشديدة في النصرة، علاقة دامت عقودا من الزمن، لكن بدايتها الفعلية المثمرة كانت في سنة 1897م عندما كان النورسي في مدينة "وان"  و قرأ خبرا هز مشاعره، و أجبره على إعادة قراءة الواقع و ترتيب أولوياته، و ذلك أن وزير المستعمرات البريطاني غلادستون خطب في مجلس العموم ببلاده و بيده نسخة من القرآن الكريم قائلا: "ما دام هذا القرآن بيد المسلمين، فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به"، لقد اتخذ النورسي عقب ما قرأه على الفور قرارا مفصليا غير توجه الدعوي، فنذر نفسه لخدمة القرآن الكريم، و قال عبارته المشهورة:" لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية، لا يخبو سناها، و لا يمكن اطفاء نورها".

لقد قرر بديع الزمان النورسي حينذاك أن الجهاد الأول هو: إظهار إعجاز القرآن الكريم، و ربط المسلمين به، و صمم على تكريس حياته لذلك، فقرر إنشاء جامعة إسلامية في شرق الأناضول، و أراد تسميتها: "مدرسة الزهراء"، فرحل إلى إستنبول أول مرة، و بقي بها سنة و نصفا محاولا جهده إقناع المسئولين بذلك، و لكن بدون جدوى، فرجع إلى "وان" مدرسا و دارسا.

إن خيبة الأمل هذه لم تزد النورسي إلا إصرارا على المضي قدما في طريق الحق مهما تورمت قدماه و هما أدمتها أشواك العقبات، لقد أدرك النورسي أن الحرب الدائرة على الإسلام لم تعد فقط حربا عسكرية بل هي إلى جانب ذلك حرب فكرية تستهدف الإسلام في عقر داره و بمعاول هدم يحملها أبناءه، فبادر بكتابة رسائل النور التي شكلت حدثا فريدا متميزا قل ما شهد التاريخ مثله، ذلك أنها استغرقت منه ما يقرب من الخمسة و العشرين عاما كان يملي فيها خواطره على طلابه الذين خطوها بأيديهم حرفا حرفا.

إن فهم النورسي لمخطط التقسيم الجغرافي و التغريب الديني الذي كانت الدولة الإسلامية مسرحا لأحداثه، جعله يركز على بناء العقيدة السليمة للفرد المسلم، مستندا في ذلك إلى آيات القرآن الكريم و تفسيرها في رسائله، يقول النورسي رحمه الله في هذا الصدد:" إن رسائل النور برهان باهر للقرآن الكريم، و تفسير قيم له، و هي لمعة براقة من لمعات إعجازه المعنوي، و رشحة من من رشحات ذلك البحر، و شعاع من تلك الشمس، و حقيقة ملهمة من كنز علم الحقيقة و ترجمة معنوية نابعة من فيوضاته".

لقد وفق النورسي إلى جانب استثمار النص القرآني في مواجهة المد العلماني في توظيف السير في بيان قدرة الإنسان المسلم في بلوغ درجة الكمال الإيماني الذي يحقق للأمة الخيرية الكونية و يحصن شبابها من الانسياق وراء وهم العالم المادي و ما يحمله من خراب للأمة، لقد كان النورسي يعرض نماذج بشرية متحققة في واقعنا المُعَاش، و هم بعد الأنبياء “الصحابة الكرام” هم كُمّل الأولياء، من حيث إنهم فرّغوا كل طاقاتهم لله الواحد الأحد، و كانوا بذلك أعلم الخلق -بعد الأنبياء- بالله عز و جل، و كانوا نماذج الإنسان الكامل.
         و ينتقل النورسي بطلبته بين العصور المزهرة للأمة الإسلامية واقفا بهم عند قامات دينية و نوابغ فكرية حفلت بها كتب التاريخ مسطرة بطولات جهادية، و موسوعات علمية و مدارس فكرية حوت رجالا يوزن الواحد بهم بألف و يزيد، موقظا بذلك حماستهم و مستنهضا هممهم، و صارفا إياهم عن سفاسف الأمور و الاشتغال بالخلافات الداخلية، و موجها طاقاتهم للبناء الروحي و العقدي لذواتهم قبل شروعهم في تبني مشروع التغيير الذي استوطن عقولهم، لقد حمل أبناء النورسي الأمانة و هم أهل لها و توارثت الأجيال من بعده فكره الوسطي الذي شكل لهم سفينة النجاة من الشقاق و النفاق التي حمت تركيا مما ابتلت به كثير من البلاد الإسلامية من تطرف بغيض، أو انحلال مقيت.

Read 1435 times Last modified on Friday, 08 April 2016 05:49