- لا ريب أن القرون المفضلة هي القرون الي عاش فيها الصحابة، و هم أبلغ الناس في حياة القلوب، و محبة الخير، و تحقيق العلوم النافعة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) و هذه الخيرية تعم فضلهم في كل ما يقرب إلى الله من قول و عمل و اعتقاد.
لن يتحقق الأمن إلا بتحقيق التوحيد و نفي الشرك بجميع صوره قال تعالى: (الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون) و تصلح أحوال الأمة بصلاح أمر دينها، و يفوتها صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها.
لا يتحقق الأمن إلا بتحقيق التوحيد و نفي الشرك و المعاصي، لأنّ الأمن نعمة البارئ عز و جل يمنّ بها على عباده الموحدين قال تعالى :( السلام المؤمن المهيمن)الحشر 23.
الله تعالى هو المؤمن الذي أمّن كل الخليقة من جوره في الأولى و العقبى، فأمّن أولياءه من ظلمه فلا ينقص من حسناتهم شيئا، و لا يبطل ما عملوا من الصالحات شيئا أمّن أعداءه من جوره فلا يزيد على ما اجتروا من السيئات مثقال ذرة و لا أدنى، و أمّن من عذابه من لا يستحقه، و أمّن من آمن به من عقابه. و هو تعالى الذي يؤمن الخائفين، فينشر الأمان و الاطمئنان لمن يشاء من الأنام ، قال تعالى:( الذي أطعمهم من جوع. و آمنهم من خوف) سورة قريش، و أخص من ذلك أنه يؤمن أولياءه و عباده المؤمنين فيهب لهم الاطمئنان في قلوبهم في الدنيا و الآخرة، و هو عز و جل الذي يؤمّن المظلوم من الظالم فيجيره و ينصره عليه.
لقد دلّت أنه على قدر التوحيد و طاعة الله يكون الأمن و السلام، و على قدر الشرك و المعصية يكون الخوف و الظلم و الشر، قال الله عز و جل (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) النحل 45-46.
لقد ضرب الله عزّ و جل لنا مثلا عن قرية آمنة مطمئنّة لا يهاج فيها أحد، و هذه القرية هي مكة المكرمة، حتى أن أحدهم يجد فيها قاتل أبيه فلا يهيّجه مع شدّة الحمية التي فيهم و النعرة العربية، فحصل لمكة من الأمن التام ما لم يحصل في سواها، كذلك الرزق الواسع، كانت بلدة ليس فيها زرع و لا شجر، و لكن يسّر لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته و صدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، فكذبوه، و كفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله عزّ و جل ضد ما كانوا فيه، ألبسهم لباس الجوع و الخوف، الجوع الذي هو ضد الرغد، و الخوف الذي هو ضد الأمن، و ذلك بسبب صنيعهم و عدم شكرهم، قال تعالى (و ضرب الله مثلا قرية كانت مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يفسقون. و لقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب و هم ظالمون) 112-113 النحل.