(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 18 آذار/مارس 2018 10:38

(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ)

كتبه  فضيلة الشيخ مفتي الديار الليبية الدكتور الصادق بن عبد الرحمان الغرياني
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بسم الله الرحمن الرحيم

-                                          رَأَى نبي الله موسَى ما عملَه فرعونُ بالمالِ الفاسدِ، في الصدِّ عن سبيلِ الله، و إفسادِ الرعية،  و المكرِ بعبادِ الله، فتوجَّهَ إلى ربِّه بثلاثةِ نداءاتٍ.

الأول
(رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلأَهُ زِينَةً وَ أَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
أعطيتَه و ملأه زينة ظاهرة و أموالًا طائلة، أعطيته من الزينة كلَّ ما يعجب الناظر، مِن الملك العريض و السلطان الكبير، و القصور و الكنوز و الجنود و الخدم و الحشم، حتى قال متكبرًا متمردًا: أَلَيسَ لي ملك 
مصرَ؟

كفرَ فرعونُ بإحسانِ الله إليه، و أعلنَ عداءَه للدينِ الذي جاءَ به موسَى عليه السلام، و استخدم أموالَهُ - كما هي عادةُ الحكامِ الظلمةِ و الملوك - في استعبادِ الناسِ، و ملاحقةِ الدعاةِ إلى اللهِ و المصطفين من الأنبياء و المصلحينَ، و في شراءِ ولاءاتِ أهلِ السوءِ و النفاقِ، و ضعافِ الإيمانِ من الرعيةِ؛ لإخضاعِ العامةِ، و تثبيتِ أركانِ الحكمِ
فَسامَ بني إسرائيلَ سوءَ العذابِ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

-                                          و هذا ما جعل موسى عليه السلام ينادي ربه النداء الثاني:
(رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ).
ربنا تعلمُ أنّ ما أعطيتَ فرعونَ و ملأهُ مِن الزينة و الأموالِ، لم يستعملوهُ في طاعتكَ، و نصرةِ دينكَ، و الولاءِ للمؤمنينَ، و إنما استعملوهُ في الكفرانِ و النكرانِ، و العداءِ للمؤمنينِ، ربّنا إنكَ أعطيتَهم الأموالَ لإصلاحِ حالِهم، و إصلاح رعيتِهِم، لكن مَا آلَ إليه أمرُهم أنَّ المالَ أغواهَم و أغراهم، أَضلَّهم في أنفسِهم بالترفِ و المجونِ و العصيانِ و الفسوقِ، و أضلُّوا به غيرَهم، فحارَبوا الدينَ و أفسَدُوا الرعيةَ، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ).
ربَّنا و مَن كانَ كذلكَ في العداءِ للفطرةِ، و تمكُّنِ الشرِّ منهُ، فإنكَ تعلمُ أنّه لن ينصلحَ بالإحسانِ، و إمدادِهِ بالكنوزِ و الأموالِ، بل لا يردَعُه إلّا العقابُ، و طمسُ الأموالِ
فمَن لم تصلحْهُ النعمةُ، تردُّه إلى صوابِهِ النقمةُ.

-                                          فكانَ النداءُ الثالثُ
(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ و اشدد على قلوبهم فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ
امحقْ أموالَهم، خذْهَا و انزعْها مِن أيدِيهم، و خلِّهَا صِفرًا خاليةً، فإنّها أفسدتْهُم، و صرَفوها في الحرامِ، و استعملُوها في الصدِّ عن سبيلكَ، و ملاحقةِ الصالحينَ و المُصلحينَ و أهلِ الدين
اشدد على قلوبهم، عسِّر عليهم أمرَهم، اجعلْ قلوبَهم في كربٍ و غمٍ و شدةٍ، فلعلّهم إذا اجتمعَ عليهم ضيقُ القلوبِ و طمسُ الأموالِ و الحرمان، يرجعونَ إلى رشدِهِم و يتوبونَ
فإنّ عادةَ الإنسانِ إذا مسّه الضرّ، دَعا ربّه منيبًا إليهِ (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ).

-                                          هذا ما دعا به موسَى، و أمَّنَ عليه هارونُ عليهما السلام، على فرعونِ الأمسِ و مَلئِهِ؛ لأنّه ظَلَمَ الرعيةَ، و بَغَى في الأرضِ الفسادَ، و استخدمَ المالَ الفاسدَ في ملاحقةِ الصالحينَ مِن بني إسرائيلَ
فماذا عساهُ يقولُ نبيُّ اللهِ، لو رأَى ما يفعلُهُ المالُ الفاسدُ في أيدِي فراعنةِ العصرِ.
أعطاهمُ اللهُ أضعافَ ما أعطَى فرعون الأمسِ!
البروج المشيدة، و القصور المُنيفة، تحتَ البحرِ و فوقَ الأرضِ، و في عواصمِ العالمِ و مُنتجعاتِهِ أينَما توَجّهت، مراكبُ فارهةٌ في البرِّ و البحرِ و الجوِّ، طائرات كالقصورِ، و سفنٌ كالمدنِ (يخوتٌ) الواحدُ منها بمئاتِ الملايينَ.
مالُ الحكامِ الفاسدُ في أيامنا، تضاعفَتْ وجوهُ إفسادِهِ على مالِ فرعونَ أضعافًا كثيرةً
لا ينفقونَه في النهضةِ و العمرانِ، و تطويرِ مشاريعِ التنميةِ الحقيقيةِ و البحثِ العِلمي، و الصناعةِ و الإدارةِ و التجارةِ
و لا في تنميةِ المواهبِ و تحفيزِ القدراتِ، و استقطابِ الخبراءِ و تكريمِ العلماءِ، و دعمِ مشاريعِهم، بل على المؤسساتِ المخابراتية القمعيةِ، لتُخيّر عديد النفس منهم بينَ أمرين لا ثالث لهما؛ السجونِ أو الفرار
لا ينفقونه على العاطلينَ و المحرومينَ في بلدانِهم
و لا على فقراءِ المسلمينَ في أفريقيا، الذين تشتريهم الجمعياتُ التنصيرية بالمالِ، فيتنَصَّرُونَ
و لا على المضطّهدينَ الروهنجَا، الذينَ يواجهونَ تطهيرًا عرقيًّا، و يُهجَّرونَ مِن وطنِهم في ميانَمار
بل على شهواتِهم و أهوائِهم، و التآمُرِ على المسلمينَ
لا ينفقونَه على المحاصرينَ المجاهدِينَ في غزة، و القدسِ و فلسطين، بل يتعاونونَ مع الصهاينةِ على حصارِهم، و وضعِ المجاهدينَ مِن فصائِلِهم في قوائمِ الإرهابِ، فخانُوا القضيةَ، و وَالوا العدوَّ و ناصروهُ على المسلمينَ (وَ مَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).

-                                          لا ينفقونَ أموالَهم على هذا و نحوهِ، ممَّا أوجبَه اللهُ عليهمْ، بل يضعونَ أموالًا كالجبالِ في أرصدةِ أعدائِهم بسخاءٍ، تودُّدًا إليهم، لشراءِ سلاحِ، تزدهرُ به مصانعُهم، و ترتفع به أسهم موازين تجارتهم.
سلاحٌ يشترونَه لا لقتالِ عدوِّهم، الذي يغتصبُ منهم بيتَ المقدسِ، قبلتهم الأولَى، بلْ ليُقتلَ به الليبيونَ و اليمنيون، و لتقمعَ به الثورات في البلادِ العربيةِ، و تقمعَ به شعوبهم عند الحاجةِ، كما فعلَ القذافي، و يفعلُ حاكمُ سوريا الآن بشعبهِ، قتلَ منهُم أكثرَ مِن مليون، و لا يزالُ محتفظًا بالكرسِيّ.

-                                          السلاحُ الذي يُشترَى بالمالِ الإماراتي، هو الذي قتلَ به حفتر أكثرَ مِن 15 ألفًا في بنغازي، و تركَ أكثرَ مِن عشرينَ ألف معاقٍ، و هَجَّرَ أزيدَ مِن مائةِ ألفٍ مِن أهلِها، بعدَ أنْ دمَّرها
المال الفاسد هو الذي تُجيش به المرتزقة الأفارقة هذه الأيام لاحتلال الجنوب، و تُحاك به مؤامرة قذرة قد تنتهي بتدميره، أو تقسيم ليبيا إن لم يُتدارك الأمر.

-                                          المالُ السعوديُّ و الإماراتيُّ الفاسدُ، هو الذي موَّلَ الانقلابَ على الشرعيةِ في مصرَ، و مَكَّن فيها للظلمِ و القهرِ، و زادَ المصريينَ فقرًا على بؤْسِهِم و فقرِهِم، و أمَّنَ ديارَ العدوِّ و ذادَ عنها، فنامَ العدو قريرَ العينِ.

-                                          المالُ الإماراتي و السعوديُّ، هو الذي يُقتلُ به اليمنيونَ، في حربٍ ضروسٍ، على مدى ثلاثِ سنوات، و مَن لم تقتلْهُ قنابلُهم، تفتكُ بهِ الأمراضُ و الأوبئةُ المنتشرةُ، و المجاعاتُ و الحصارُ القاتلُ.

-                                          و أخيرًا؛ إنّها أوامرُ العدوِّ الصادرة إليهم بالمواجهةِ غيرِ المعلَنَةِ، و التضييقِ الشديدِ على كلِّ مَن يُعادِي المشروع الصهيوني ، أو يتعاطفُ مع قضيةِ فلسطينَ، أو لا يرضَى مع العدوِّ بالتطبيعِ.

-                                          و هي الأوامر نفسها بتمويلِ الدسائِسِ و مشاريعِ الفسادِ، التي تُحاكُ في بقاعِ الأرض، فأينَما اكتشفتْ وجدتَ وراءها المالَ الإماراتي الفاسدَ، دسائس لا تعملُ إلّا على تفريقِ الأمةِ، و خدمةِ المحتل، فسلبَ العدوُّ منهم القرارَ، بعدَ أنْ سلبَ الأموالَ.
فيا شقاء حاكم سعد به العدو و شقي به الصديق، و بلغت به المذلة و الهوان أن سُلِب منه المال و القرار
هذا بعض ما ظهر، و ما خفي أعظم.

-                                          و قدْ رضيَ اللهُ في عُلاه دعاء موسى و هارونَ، و استجابَ لهما، فقال: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَ لا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).

-                                          الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

 

 


24 جمادى الآخرة 1439 هـ
الموافق 12 مارس 2018 م

االر

قراءة 1894 مرات آخر تعديل على الأحد, 25 آذار/مارس 2018 16:10