(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Sunday, 04 August 2013 09:50

" مدرسة الثلاثين يوما " ( 2 )

Written by  الأستاذ عماد سعد
Rate this item
(0 votes)

و ما إن أفطر الناس من غد حتى غص المسجد برائديه،و قد تسامعوا أن أبا عامر يلقي درسا بالمسجد النبوي،فتراصّوا أمام المنبر صفوفا منتظمة كحبات الذرى في مد البصر. و ما إن جلس الشيخ حتى بادره ذاك الشاب بالقول:لقد وقفت بنا يا إمام عند تشبيه قلوب بعض الأغنياء ببذرة الجوز التي لا تعرف الرحمة و العطف حتى تحطمها الآلام و المعاناة.

قال الشيخ :هو كذلك يا بني، و إن رمضان للنفس كالحظائر التي تروض فيها السباع أو كالفطام للرضيع، فالوليد إن تتركه شب على حبّ الرضاع و إن تفطمه ينفطم، و إن الإنسان ليسوق نفسه إذا عوّدها المنع, و تقوده إذا ألفت التمرّغ في الشهوات، و إن رمضان لخير محضن لتقوية النفس على العادات المستحكمة عند البشر، فإن النفس إذا استحكمت لديها العادة صارت أبية القياد كثيرة الشراد، و لا لجام لها غير الإرادة، و رمضان هو خير معلم، و إن من رحمة الله في هذا الشهر أن صفدت الشياطين، فإن الله لما ابتلى ابن آدم بما ركب فيه من شهوات وأمره ألا يصرفها إلا بشروط وقيود، جعل الشيطان الرجيم عدوا له يأتيه من تلك الشهوات يغويه بها ويزينها له،فأعطاه هذا الشهر حتى يستخلص نفسه منه ويضع لها اللجام ، فإن عصى عاص في هذا الشهر فلا يلومن إلا نفسه... لذا كان علماؤنا يسمّون رياضة النفس "الجهاد الأكبر"،ولقد كانوا يعدون رمضان الغنيمة التي لا ينبغي التكاسل دونها ويسمونه " شهر الآخرة" ،فيقطعون كل علائقهم بالدنيا إلا لقيمات تقيم أودهم وتعينهم على العبادة،حتى إنهم ليتناكر بعضهم من بعض،وينفر كل واحد من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه إلى آخر الشهر،وهم بين ذكر وقراءة قرآن وصلاة وصدقات حتى إن بعضهم ليختم فيه ثلاثين ختمة ! وبعضهم لا يضع جنبه على الفراش ليلا،ويصلي الفجر بوضوء العشاء،ولقد كان المصطفى r أجود من الريح المرسلة فيه... بخلاف ما عليه الناس اليوم حيث يكثر اجتماعهم ولغوهم وتكاسلهم،وينغمسون فيما استحدثوا فيه من الملذات وتفننوا من طرق "قتل الوقت "ولو كانت مباحة،إذ المباح يجرّ إلى المكروه والمكروه يجرّ إلى المحرم وما ذاك إلا من غفلتهم،وإن السلف ليفعلون ذلك وقلوبهم وجلة من تأمينه r على قول جبريل " من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله" .. فإنا لله على عكس الأمور ..وفي الصوم تدريب النفس على الإخلاص الذي هو عمود كل عادة أو عبادة ،فإن من صام تبعا لفعل الناس وعادة وحتى لا تلوكه الألسنة، أو لينال بذلك أمراً دنيوياً فليس بمحمود...فإن من آمن بالله فكأنما قال له " امتحنّي يا ربي"،وإذا الإيمان لم يصدقه العمل لم يكن إيمانا ،بل هو كدعوى الجبان أنه بطل.وإن في الصوم لامتحان لإيمان العبد وإخلاصه ،ففي عرض شتى اللذات عليه مع قدرته على نيلها ،وخصوصا ما كان في غير كلفة من تحصيله ،ثم صبره على ذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لأشد الامتحان والابتلاء،فههنا يبين أثر الإيمان لا في صلاة ركعتين أو في حمل سبحة بين الناس! وماذا تكون العفة والصدق والأمانة والوفاء والإحسان وغيرها إذا كانت فيمن انقطع في مغارة أو تكاسل للنوم إلى الفطور وسهر باللهو إلى السحور؟ وهو بعض فحوى قوله r " المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم "...ومن حكمه التي لا تكاد تخفى أنه شهر " الوحدة" للأمة ،فإن من خصائص هذا الدين أن جعل الاتحاد سمة أتباعه،ففرض الفرائض وسن السنن لبعض ذلك،فهذا الصوم "حرمان" إجباري تفرضه الشريعة على الناس فرضا ليتساوى الجميع في بواطنهم وظواهرهم ،ولو ساعات من نهار أو شهرا من حول،حتى ليكونون كالأطفال وقت لهوهم.

فقال رجل : يا إمام ،ما لنا لا نجد ذاك السرور الذي كنا نجده للشهر ونحن صغار ؟

قال الشيخ : إن الحياة لا تكون على أتمها - في شعور النفس- إلا حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون،وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بأحاسيس الأهواء المتعددة ،وفي المثل"لا أجمع للقلوب من المصائب"وإن الجوع من بعض المصائب،فتوضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة تتلبس بها الأمة من مشرقها إلى مغربها... وهو بعض السر في سرور الأطفال الدائم،إذ لا يعرفون فروقا بينهم حتى في الذكورة والأنوثة .فأي شريعة وأي قانون يوحد أتباعه هذا التوحيد إلا شريعة الإسلام،وفيه أيضا تعويد الأمة النظام والدقة فتمسك وتفطر في وقت واحد،مدة شهر لا تقرب المعاصي في ثورة معلنة على حظوظ النفس وعاداتها،وغيرها من الحكم التي تكثر على الحصر،أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ....وهذا آخر درسي معكم فإني مسافر الغداة .

فقال ذاك الشاب : لو متعتنا بك يا إمام،ولولا علمنا بمشاغلك لما فارقتنا ، فاجمع لنا قولا نحتذيه شهرنا هذا...

فقال أبو عامر:يا بني الزم التقوى فإنها جماع كل خير،واعلم أن خير الناس من فك كفيه بالخير،وكف فكيه عن الشر في هذا الشهر وفي كل شهر.أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم "اهـ.

 

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

Read 1866 times Last modified on Saturday, 17 November 2018 15:07