(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 15 أيار 2014 06:37

إشكالية الحوار مع الآخر

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يعتبر الحوار البناء الهادف، المليء بالتفهم للآخر، و الاحترام لآداب التداول المعرفي، و التناول الموضوعي للمواضيع المطروحة، يعتبر مقياسا لرقي المتحاورين، و حرصهم الصادق على الوصول إلى الحقيقة المجردة عن الغموض و الزيف، و عليه فإن سمات المتحاورين، و طريقة تفكيرهم، تبدوا اكثر جلاء و وضوحا عند إحتدام النقاش و وصول الطرفين إلى نقطة الخلاف التي يدور الحوار حولها، و هنا تتبلور الشخصيات المتحاورة، ما بين محاور واثق من رأيه، واضح الفكرة، بليغ العبارة حريص على إيصال الفكرة الى الآخر، و مابين داخل الى حلبة صراع، يحسب ان آراءه لابد لها من صوت هادر، و كلمة نابية، و ارِغاء و ازباد و شتم و احتقار للآراء [المعادية] حتى تصل إلى الاسماع و تملأ الاذهان.

و مابين متبنّ لأفكار ليست له، مناد على بضاعة غيره، يتخذ من النفاق و التزيين الخادع و المظهر البراق للكلمات، مدخلا للحوارالاجوف، الذي لا يشعره هو نفسه بصدق فكرته و لا بنبل هدفه، و ما بين محب لفكرة سامية مشفق على مصيرها، ساع لإيصالها لغيره، حريص على إظهارها، و لكنه غير متمكن من أدوات الحوار، و لا من إبداعات البيان المؤثر في الآخر، و هكذا تجد الحوار و قد دخل في أزمة الفوضى، و إشكالية الأنا، و الجمود و التشنج، و انعدام التفهم، فيفقد الهدف الذي قام من أجله، و المصداقية اللازمة لإنجاحه.

ول أن الإنسان هو الناطق الوحيد بين باقي الكائنات، فإن اللغة هي الوسيلة الامثل لديه في التعبير و البيان، و بما أن اللغة مليئة بالمفردات المصنفة مابين لغة راقية إنسانية اللهجة، ندية التعابير، سهلة الاستيعاب، و مابين لغة سوقية المفردات، همجية المعاني، إستبدادية الإقناع، تقول للآخر ما أريك إلا ما أرى و إلا فأنت مخطئ مرفوض الرأي منبوذ الفكر و هكذا يفقد الحوار نكهة الرقي، و إمكانية الإستمرار، و بالتالي تظل المعسكرات الحوارية المتحاربة على شفا الإصطدام المدمر لآخر خيط من خيوط التفاهم و التواصل، و تلاقي الأفكار المبدعة، و تآخي النقاط الجامعة لكل الأطراف على هدف واحد، و هو الوصول إلى الحقيقة.

لقد ذكر القرآن الكريم لنا الكثير من الحوارات التي دارت بين متحاورين مختلفي الأفكار و المعتقدات، و الأهداف و الغايات، و حمل كل حوار روحا خاصة به، فيها معانيه و منطقيته عند هذا الطرف او ذاك، ابتداء من تلك المحاورة بين الخالق العظيم و ملائكته الأبرار [اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة]، لقد جاءت الفكرة واضحة كل الوضوح، و الغاية منها لا لبس فيها ول ا إحتمالات، و جاء السؤال المستفسر عن وجه الحكمة و ليس المستنكر للفكرة [اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك]؟ و يأتي الرد المقرون بالدليل على صلاحية الفكرة، و حكمة الخالق و استحقاق الإنسان للخلافة و قدرته عليها، و توج الحوار بالاستسلام التام لامر الله.

و قد يقول قائل هذا امر الله، و الملائكة معصومون عن الخطأ، و بديهي ان يستسلموا لامر الله و يصدقوه سبحانه، فنقول إن الملائكة لم تعص الله تعالى بسؤالها، و لم تفكر اصلا بالمعصية، و لكن الله تعالى يضرب الامثال للناس، و يعلمهم و هذا الحوار يعلمنا ان الامور فيها تحاور، و ان الاراء قابلة للاستفسار، فاذا كان الله سبحانه قد قدم الدليل للمتسائل و طالبنا بالبحث عن ادلة وجوده و حكمته سبحانه، و هو العلي العظيم الحكيم، الذي امره كن فيكون، فنحن البشر الضعاف القابلين للخطا و الصواب، و الضعف و التغير، و الجور و قصور الادراك، حري بنا ان نتحاور و نقدم الادلة، و نرتقي باسلوب الطرح، و يعذر بعضنا بعضا في الإختلاف، و ناخذ باسباب نجاح الحوار، و نقبل حجة غيرنا ان كانت اصح، و نرفض بقوة مقنعة و صريحة و واضحة الادلة كل مافيه مساس بثوابتنا العقائدية، و نوسع صدورنا للاراء التي تحتمل اوجه عدة.

و لقد فصل لنا القرآن الكريم الكثير من المحاورات، التي تواجه فيها الفكر السليم و الحجة و البرهان الجلي و العلم الغزير و المنطق السديد، مع الجهل و التحايل و التشنج و العدوانية الفكرية و النظرة المتعالية، لكل مخالف، و الاسلوب المتهم لغير المؤيد، كحوار موسى عليه السلام مع فرعون، و لا تزال الارض ملأى بالفراعنة، و أهل الحجة و البرهان، و حوار رجلي سورة الكهف المؤمن و الملحد، ول ا تزال الدنيا تخجل بالملاحدة و تزهو بالمؤمنين، و مابين الظالم و المظلوم، كابني آدم الشهيد و القاتل، و ما تزال الأرض مخضرة بدماء الشهداء، ضائقة بالقتلة، و مابين المجادلة عن حقها، و ولي الأمر القادر على إنصافها، و لا تزال الأرض تنعم برحمة السميع العليم، و عدل شرع الرسول الرحيم، و جراة المطالبين بحقوقهم دون ان يخشوا على انفسهم حيفا من الله و رسوله، و الأمثلة كثيرة من القران و السنة و السير و المآثر، التي نفتقدها في ايامنا هذه بين المتحاورين حتى من حملة الفكر الواحد و ذوي الغاية السامية نفسها.

إن ما اود قوله لكل من يؤمن بالحوار كوسيلة لاثراء التجربة الانسانية، و كرافد حضاري لمسيرة الأمة الواعدة و كمغيّر إيجابي لوجه البشرية الحزين، و كشراكة إنسانية مخلصة، تسعى لإيصال فكرة طيبة إلى الآخر، أيها المتحاورون الفكرة الواضحة تحتاج الى دليل، و الدليل يحتاج الى منطق، و المنطق يحتاج الى ايمان صادق باحقيته، و تاج هذا كله، الادب المنبثق من انسانيتنا، و الإحترام المتولد عن شعورنا بكرامتنا، و المحبة للإنسان كمخلوق نحرص على ن يلقى الله على الحق و النور، فالاخر لديه راي، و لديه تصور، و عنده مبررات مثلك تماما، فاذا اردت إقناعه برايك فكن مقتنعا انت بما تقول و تعتنق، و احترم فكرك و قدمه باجمل حله، و ابسط مقولة و أدق تعبير، و ليشعر الآخر أنك حقا تحب له ما تحب لنفسك، و تعطيه من الإصغاء و الإنصاف ماتتمنى أن يعطيك، و تحترم شخصه حتى لو لم تعجبك آراؤه و في ديننا منهج للحوار راق وبناء و مقنع، و محرر لآدمية الانسان، و لنرجع الى قرآننا و نرى اشراقة الحرية، و انطلاقة الرأي و تعايش الافكار، و مساحة التداول و التبادل الثقافي المنسجم مع الشرع الالهي، و لهفة النداء المشفق في الحوار، و الذي كثيرا ما إنتهى بالرافضين للحق، الى اعتناقه بكل رضى و قناعة و اعتزاز.

[و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل]

 

قراءة 1432 مرات آخر تعديل على السبت, 08 آب/أغسطس 2015 15:51