(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 01 كانون2/يناير 2015 12:37

مصطلحات آثمة

كتبه  الأستاذ محمد العلمي السائحي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن للغة تأثير عجيب في سلوك الإنسان فرداً كان أو جماعة، و لعلّ من أهم المذاهب و التيارات الفلسفية التي انتبهت إلى ذلك و عكفت على دراسته، الفلسفة الوضعية المنطقية حيث بينت لنا أنّ الألفاظ و المصطلحات التي ننحتها، تصنع لنا عوالم تأسرنا بداخلها، و إن لم يكن لها وجودا في الواقع الحي المعيش، و ذلك راجع إلى أنّ اللغة تتدخل في تنظيم الفكر و توجيهه فهي متلبسة بالفكر، ملتصقة به، فأنت لا تستطيع أن تفكر بعيداً عن اللغة و بمعزل عنها، فأنت و إن أطبقت شفتيك تجد نفسك تتكلم، و ذلك لأن التفكير هو في حد ذاته ربط بين الألفاظ و معانيها، و وضع للكلمات مقابل ما تعنيه، و تشير إليه، كما أنك تحتاج إلى اللغة لا للتعبير عن أفكارك فحسب، بل لترتيب هذه الأفكار و صياغتها في النسق الذي يجعلها قابلة للفهم من قبل الآخرين، و يعطيها القدرة على التأثير فيهم على النحو الذي تريده و تطمح إليه، من إقبال عليها، أو نفور منها و ارتداد عنها، و ذلك لأنها منبهة للمشاعر، مثيرة للعواطف، و هذا ما جعل رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يقول: "إنّ من البيان لسحرا"، و هو عين ما جعله -صلى الله عليه و سلم- يقول: "إنّ من الكلمة الطيبة لصدقة" و هو نفسه الذي دعاه -صلى الله عليه و سلم- إلى أن يقول: "إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، و إنّ العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" .

و ذلك راجع إلى أن الألفاظ التي نسمعها و الكلمات التي تطرق آذاننا تثير أحاسيسنا و تحرك مشاعرنا و تدفعنا إلى هذا الموقف أو ذاك، أو التصرف على هذا النحو أو ذاك، بمعنى أننا قد نسمع كلمة فتحرك فينا أسباب الغضب و دواعيه، و قد نسمع أخرى فتثير فينا الإحساس بالارتياح بعد الضيق و الهدوء بعد الثورة، يؤكد ذلك أن ابن سنا الطبيب الفيلسوف الوزير اختلف مع أحد الرقاة فقال له: "ما بالكم تكذبون على النّاس و تلبسون عليهم لتأكلوا أموالهم بالباطل فتزعمون لهم أنكم تستطيعون شفاءهم من أمراضهم بألفاظ تخطونها و كلمات تكتبونها، نبذل الجهد في الكشف عن أسباب المرض و التماس العلاج مناسب له و تركيب الدواء المؤثر فيه؟ فرد عليه صاحبه على الفور: و ما أدراك بهذا يا حمار؟ فأغضب ذلك ابن سينا و بلغ به الغضب مداه، عندها قال له صاحبه: هون عليك إنما أردت أن أثبت لك أن الكلمة التي تخرجك عن طورك قادرة على أن تعيدك إليه".

و لا شك أن هذا ما يفسر ذلك التأثير الخطير الذي يقربه الجميع للإعلام في تشكيل الرأي العام و توجيهه الوجهة التي يتفق عليها السياسيون و الإعلاميون، و هو نفسه ما يفسر ما يتعرض له بعض الصحافيين هنا و هناك من تضييق عليهم، أو اضطهاد لهم، أو تخلصا منهم بالموت، من قبل بعض الأنظمة، لأنهم يوظفون اللغة توظيفاً يحمل الناس على الانحياز لهذا الطرف دون ذاك، و تأييد هذا الطرف على ذاك.

و هذا ما جعل السياسيين يدركون أهمية اللغة، فيعمدون إلى توظيفها توظيفاً يخدم مصالحهم، و يحقق أغراضهم، فراحوا ينحتون لنا ألفاظاً، و يصوغون لنا كلمات، بتنا أسرى لها، و لا نملك فكاكا منها، من قبيل يميني يساري، و محافظ و راديكالي، و رجعي و تقدمي، فصارت تلك الألفاظ و الكلمات تحدد مواقفنا من بعضنا البعض، و تفرض نفسها علينا، فتوجهنا إلى سلوك هذا المسلك أو ذاك، يشهد لهذا أنّ الغرب استطاع عن طريق المصطلحات التي نحتها و ألقى بها إلينا أن يجعلنا نتنكر لثقافتنا و حضارتنا و ننقلب على عقيدتنا نفسها، كمصطلح الإسلاموي، و مصطلح الإرهاب، و مصطلح الإسلام المتشدد، و مصطلح الإسلام المعتدل، و ما إلى ذلك من المصطلحات الآثمة، التي ترمي أكثر ما ترمي إلى تشكيل نظرتنا إلى الآخر، و دفعنا إلى أن نتخذ منه موقفا يخدم مصلحة الغرب، أكثر مما يخدم مصلحتنا نحن، و هاهم اليوم يركزون على مصطلح الشيعة و السنة و يكثرون من ترداده و ذلك بغية فرض تشتيت الأمة الإسلامية و تقسيمها إلى معسكرين متنافرين، حتى لا تلتقي لهم كلمة و لا يجتمع لهم صف أبد الدهر، فهلا انتبهنا لهذه المصطلحات الآثمة و عملنا التصدي لها و مقاومتها...    

قراءة 1185 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 11 آب/أغسطس 2015 18:52