(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 18 أيلول/سبتمبر 2019 07:48

أحيوا الأوقات الميتة ..

كتبه  الأستاذة صباح غموشي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة " حكايا الانتظار "

في قاعات الانتظار قد تختم قراءة رواية كاملة .. ثمّ تستمع لحكايات من حولك فتلهمك بكتابة ألف رواية ..

 

من مفارقات الأمور في حياتنا أن تكون أكثر أوقاتنا اتساعا تلك التي نقضيها في انتظار الدور عند الطبيب .. لذلك تعودنا على حكايا الانتظار كثيرا في تلك السويعات المملة و المفلتة للأعصاب في كثير من الأحيان .. كانت في بدايات حياتي تتعبني كثيرا وأكثر ما أكرهه حالات الانتظار المقيتة تلك .. لكن مع الأيام ومر السنين وكثرة الترداد على تلك الأماكن لأنفسنا أو مع أولادنا و والدينا و أقاربنا غدت شيئا مألوفا يستدعي ذكاء في استغلاله و حسب.

رافقت والدتي العزيزة في إحدى الأيام إلى الطبيب بعدما أخذت لها موعدا مسبقا طبعا، و لأن الموعد كان مساء تناولنا لقيمات الغذاء على عجل و يممنا وجهتنا نحو عيادة الطبيب لنحجز مكانا للجلوس و آخر للدور لعل أحدا يأخذه قبلنا بقوة القرابة أو بقوة المرض أو حتى بقوة التحايل من يدري كل شيء في بلدي غدى مباحا و لا تأمن على شيء من حقك في أي شيء .. و هناك طال انتظارنا و طال انتظار الآخرين معنا ..

و الغريب أن بعض الأطباء - و لا أقول كلهم - يفكرون في كل شيء حين يستأجرون أماكن عياداتهم إلا شيئا واحد لا أدري هل ينسونه صدفة أم يتناسونه عمدا أم أنه ليس في قائمة أولياتهم أصلا .. ألا و هو راحة المريض و هو ينتظر .. و بقينا فترة معتبرة في سلالم المكان و أروقته و على حافة الرصيف و تحت أشعة الشمس الحارقة .. و الجميع بما فيهم المرضى و مرافقيهم كل منهم أخذ موقعه كمتسول ينتظر معروفا من الممرضات بفتح الباب و من ثم يلقي بنفسه المتعبة و جسده الذي أنهكه المرض إلى كرسي متهالك ليرتاح قليلا فلتوها ستبدأ رحلة الانتظار المملة ..

أجلست والدتي و أخذت أنا مكاني في كرسي قريب ثم اضطررت للوقوف مرات عديدة لكل من تدخل من المرضى كبار السن فأخجل أن أجلس و مريضة تتلوى واقفة تصارع آلامها أو عجوز تتكئ على وهن ركبتيها و وهن مرضها و وهن التجاعيد التي رسمتها خطوب السنين على وجنتيها .. فأقف لهم جميعا و أخجل من أولئك الذين لا يقفون لأمثالهم.

تجولت بنظراتي المشفقة في وجوههم المنهكة مرضا و تذمرا و شكرت الله في سري على نعمة الصحة و نعمة الرضا .. ثم أخذت مصحفي و أوقفت عليه نظراتي و نبضات قلبي و تركيزي .. و انغمست في صفحاته أحفظ و أكرر حتى ذهلت عمن حولي فلم أعد أسمع أحاديثهم و لا أهتم لأمرهم .. و كأن ساعات الانتظار تقلصت فلم أعد أحس بمللها و لا طولها .. ثم فرغ مكان فجلست و واصلت رحلتي الساحرة مع مصحفي و أنا جالسة .. و التفتت إليّ امرأة مبتسمة و قد أعجبت بانشغالي بقرآني فسألتني إن كنت أقرأ أم أحفظ فقلت لها أحفظ .. قالت لي أنها لا تستطيع الحفظ مثلي هكذا لكنها تستغل وقت الانتظار في الذكر فهي تذكر الله في سرها دائما.. فالتفت لها بإعجاب و تذكرت قصة النبي صلى الله عليه و سلم مع الأعرابي الذي قال له لا أجيد دندنتك و لا دندنة معاذ فرد عليه صلى الله عليه و سلم، بعدما علم أنه يدعو الله الجنة و يستعيذه من النار : " حولهما ندندن ".. و كدت أقول لها حول نفس الشيء ندندن سويا ..

و الجميل في الأمر أن كلانا وجدت ضالتها في استغلال هذا الوقت الثمين الذي يضيع عادة سدى في أحاديث فارغة أو حتى في التذمر و الملل .. بينما لدينا أشياء نافعة يمكن استغلالها فيه و الاستفادة منه ايما استفادة. و بدل أن تكون أوقاتا ميتة كما يطلق عليها نحييها بما هو خير لنا في ديننا و دنيانا.

قراءة 935 مرات آخر تعديل على الخميس, 26 أيلول/سبتمبر 2019 05:59