(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الإثنين, 08 تشرين2/نوفمبر 2021 12:16

بين العادة والعبادة

كتبه  الأستاذ محمد عبد العال من مصر الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قال الفضيل بن عياض: لا يقبل من العمل إلا أخلصه و أصوبه، قيل و ما أخلصه و ما أصوبه؟ قال أخلصه أن يكون لله، و أصوبه أن يكون موافقًا لسنة رسول الله، فإن كان العمل خالصًا و لم يكن صوابًا لم يقبل، و إذا كان صوابًا و لم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا.

و تأصيل هذه القاعدة مفهوم من قوله تعالى: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). الزمر : 65. كما من حديث النبي صلى الله عليه و سلم صلوا كما رأيتموني أصلي، و حديثه صلى الله عليه و سلم خذوا عني مناسككم، و قوله صلى الله عليه و سلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، و عمدة أحاديث النية ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنما الأعمال بالنيات، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله، و من كانت هجرتها لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه، و حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار مشهور معروف.

لذا كثيرًا ما كنا نتواصى فيما بيننا باستحضار نية لكل عمل، رغبة في الثواب، و خشية ضياع الأجر، ثم تعلمنا أن كل عمل، سواء عبادة ظاهرة أم عمل دنيوي بحت، تعلمنا أن النية تضفي عليه لون العبادة، فيصير عملًا مأجورًا مثابًا عليه، و ما أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه و سلم كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، و تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، و الكلمة الطيبة صدقة، و كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، و تميط الأذى عن الطريق صدقة.

كنا بناء على هذا الفهم، نجتهد في استحضار نية لكل حركة و سكنة، و كنا نحيي في أنفسنا معنى قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَ بِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163). الأنعام : 162-163. و يذكر أحدنا الآخر كل حين باستحضار و تجديد النية، بل و تعدد النيات رجاء مزيد من الأجر على كل عمل. فكنا دائمًا نعلم الطلاب كيف يحتسبون الدراسة و كل ما يتعلق بها عبادة باستحضار نية أداء فريضة العلم و الفهم و نية خدمة الإسلام و المسلمين بهذا العلم، و كنا نذكر العمال و الفلاحين و الموظفين و غيرهم بأنهم بعملهم و كدهم و تعبهم يكفون أنفسهم و أبناءهم الحاجة و سؤال الناس، و يقفون على الثغور بخدمة أوطانهم و اقتصاد بلادهم، و نذكر الناس عمومًا باستحضار النيات عند الأفراح و الأتراح، و الزيارات و الجلسات، و الإنفاق و الصدقات، و كل عمل في اليوم و الليلة، كبر العمل أم صغر، و كنا نستشهد بقول العلماء أن النية تحول العادة إلى عبادة إذا صحت العادة و صلح العمل.

ثم و إلى جانب استحضار النية و كنتيجة طبيعية لحضور القلب كان الخشوع، كنا نتمرن على الخشوع في الصلاة و حضور القلب في العبادات، بدءًا بسؤال الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول و العمل، ثم نستعين بوسائل أخرى، كل ذلك السعي كان بغية أن تكون العبادة لها حلاوة كحلاوة الإيمان، و لما كنا نتعرض لرحمة الله و كرمه في بعض الليالي بأن يرزقنا حلاوة في القلب أثناء العبادة، أو دموع الخشية و الخشوع في ركيعات معدودات، أو طمأنينة و راحة بال و ثقة في الله أثناء كرب أو محنة، أو ورعًا وزهدًا في مغنم، أو رضًا و صبرًا في مغرم، كنا في تلك الأوقات نستشعر فضل استحضار النية و عظمة مكافأة الله لنا بحلاوة و لذة في بعض عباداتنا، كلٌّ و ما يرزقه الله و يمنُّ عليه به.

ثم جرت السنون، و طال العمر، و كان الأمل أن يكبر الخشوع مع كبر السن، و أن تزداد الحلاوة و الطمأنينة الإيمانية بازدياد التجارب، لكن الواقع كان غير ذلك، لم؟ ربما لانشغال البال بمتغيرات الحياة الدنيا و تقلبات الزمان، ربما لضغوط العمل و مشاكل الأهل و الولد، ربما لتسارع الأحداث و تصارعها، ربما لهموم و غموم خيمت على الجميع بعدم استقرار البلاد طولًا و عرضًا، ربما لتآكل الأجساد و شيبها من هول مصائب الدهر في الأوطان و حتى في الغربة عنها، أو ربما كما قال قائل بأن القيامة فعلًا قد قامت و نحن الآن نحاسب و نعذب في انتظار القول الفصل بالجنة أبدًا أو النار خلدًا، نعوذ بالله من حال أهل النار.

ننظر حولنا، ربما يردعنا عن الانشغال بالدنيا رادع من رؤيا خاشع، أو مخالطة متدبر، أو مجالسة ورع، أو صحبة زاهد، أو غير ذلك، فيزداد همنا همًا، فكل ما حولنا و من حولنا في تيه من هذه الدنيا، إلا من رحم ربنا من مثل هنا و مثل هناك لا غير. صار الوضع معكوسًا، صارت العبادات عادات، تؤدى بنمطية و رتابة، كأن مؤديها يقول أرحنا منها يا بلال، تصلى الركعات و الأعين تعلو و تهبط و تروح يمنة و يسرة، تقضى الصلوات و الأطراف في حركة كأنها تستعجل الإمام أن يسلم، تعطى الصدقات بلا بسمة في وجه الفقير و المسكين، تتلى الآيات حدرًا كأنما القارئ في سباق مع الزمن، يطاف حول البيت بينما الجوالات تصور سيلفي و ترسل فورًا للآخرين لتوثيق تمام العبادة و ربما تصوير الخشوع و الإخلاص، يوقف بعرفة و أطراف الحديث بين الحجاج عن المباريات و آخر المستجدات الفنية أو السياسية، تعقد حلق القرآن حول الشيشة يتبادلها القارئون طوال السهرة.

ليس هذا في كل مكان و لا يشمل الجميع طبعًا، لكنه منتشر واسع الانتشار بشكل يدمي القلب، لو كان يحدث في بعض الأماكن لحق لنا أن ننتفض غاضبين داعين للتغيير، فما البال و كل هذا و أكثر يعم قطاعات واسعة من مجتمعاتنا؟ نحن في حاجة إلى وقفة جادة، نراجع فيها مكاننا من العبادة و مكان العبادة في حياتنا، ما أحوجنا اليوم، فرادى وجماعات، إلى بث روح الحياة في القلوب من جديد، إلى استنهاض الهمم ليقظة القلوب أثناء العبادة بألوانها، إلى استنفار عام لمراجعة إقامة الصلاة لا مجرد أداءها، و إيتاء الزكاة لا مجرد دفعها، و صوم رمضان لا مجرد الإمساك عن شهوتي البطن و الفرج، و حج البيت لا مجرد مناسك خاوية، و قبل كل ذلك، إلى يقين و إيمان و تصديق و تعايش بالشهادتين لا مجرد النطق بهما لسانًا لا وجدانًا.

الرابط : https://www.sasapost.com/opinion/habitworship/

قراءة 757 مرات آخر تعديل على الجمعة, 12 تشرين2/نوفمبر 2021 12:19