(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 09 آذار/مارس 2019 09:55

هبة باب الرحمة، انتصار مقدسيّ جديد

كتبه  الأستاذ محمد سبرطعي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

شهدت ساحات المسجد الأقصى المبارك في الأيام الأخيرة حلقة من حلقات الصراع الطويل المرير بين من يدافع عن أرضه و عرضه و بين من يريد سرقة التاريخ و الجغرافيا و حتى الأمل من قلوب البشر.

عنوان هذه المعركة و ميدان احتدامها هي منطقة باب الرحمة، و قبل أن ألج الموضوع الحالي أحب أن أوطئ بملاحظات في غاية الأهمية و المنهجية.

أولا : أن الذي نعنيه بالمسجد الأقصى المبارك هو تلك المساحة المسوّرة ذات الشكل شبه المنحرف و التي تتربع على مساحة قدرها 144 ألف متر مربع، يزيّنها أكثر من 200 معلم من المعالم المختلفة الأشكال و الأعمار و الاستعمالات، و للمسجد الأقصى خمس عشر بابا من جهاته الأربع، من بينها عشرة مفتوحة و خمسة مغلقة، و من بين هذه الأخيرة باب الرحمة.

ثانيا: منطقة باب الرحمة تقع في الجهة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، و هي منطقة منخفضة عن مستوى الساحات المعروف حيث يُنزل إليها عن طريق سلالم، تحتوي المنطقة على مصلى و مكاتب تابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، كما نجد الباب المذكور و هو مغلق من عهد الفتح الصلاحي، أغلقه صلاح الدين لأسباب عسكرية و تجارية، يعدّ باب الرحمة بابا مشتركا بين المسجد الأقصى و مدينة القدس القديمة، حيث نجد خلف ذاك الباب المقبرة الأثرية ʺ مقبرة باب الرحمة ʺ التي ضمت رفات عدد لا يُحصى من المجاهدين و الصلحاء و التابعين و في مقدمتهم صحابيين جليلين هما شداد بن أوس و عبادة بن الصامت رضي الله عنهما.

ثالثا: ما حدث في هذه الأيام ليس أول الانتهاكات في هذه المنطقة المباركة، حيث سبق و أن كانت منطقة باب الرحمة هي المحطة المقصودة من الزيارة المشؤومة التي قام بها شارون في 28 سبتمبر 2000 و التي اندلعت على إثرها انتفاضة الثانية، و بعدها بثلاث سنوات أي في سنة 2003 قام جنود الاحتلال بإغلاق مصلى و مكاتب باب الرحمة بشكل نهائي في وجه المصلين و المعتكفين و العاملين، بل توصل الأمر قبل سنتين تقريبا إلى تنصيب نقطة مراقبة صهيونية في تلك المنطقة مقابل نقطة المراقبة التابعة للأوقاف الأردنية، من جهة أخرى تعدّ هذه المنطقة محطة انتهاك يومية إذ يحرص الصهاينة الوافدون على المسجد الأقصى المبارك على الوقوف في تلك المنطقة المعزولة نسبيا عن أعين الحراس و الاختباء خلف أشجار الزيتون الكثيفة ليقوموا بصلوات تلمودية مقابل مسجد قبة الصخرة الذي يعد أقدس مكان في الهيكل المفترض.

رابعا: سبب هذا التدنيس و هذه الانتهاكات هي تلك الاعتقادات الخرافية التي يعتقدها الصهاينة و التي تقول أن باب الرحمة هو الباب الرئيسي لهيكلهم الثاني المزعوم و أنه الباب الذي سيدخل منه مخلّصهم بعد أن يتم هدم المسجد الأقصى و بناء الهيكل الثالث مكانه، و من أجل تجسيد خطوة على طريق السيطرة الكامل، سطر الإستراتيجيون الصهاينة مشروعا منذ أكثر من عشرين سنة لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا و مكانيا، حيث يكون التقسيم الزماني بتقسيم أوقات الدخول بين المسلمين و الصهاينة، و التقسيم المكاني باقتطاع جزء من ساحات المسجد الأقصى و بناء كنيس يهودي عليه، و لن يكون ذاك الجزء إلا منطقتنا هذه محلّ الكلام و التحليل، و هذا اقتداء بما أحرزوه في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.

و إن كانوا قد نجحوا نسبيا في تقسيمهم الأول عن طريق عدة إجراءات و على مدار عدة سنوات ، فإن تقسيمهم الثاني لا يزال محل رفض قاطع من جمهور المقدسيين عبر عدة محطات، بدأت بالانتفاضة الثانية و مرت بهبة باب الأسباط منتصف سنة 2017 و اختتمت بهبة باب الرحمة قبل أسبوعين.

حيث كان أهم حدث صباح 17-02-2019 أن وضع الصهاينة قفلا حديديا على باب حديدي صغير يفصل ساحات المسجد الأقصى عن السلالم المؤدية إلى منطقة باب الرحمة، فما كان من عدد من الشباب المقدسيين إلا أن أزالوا القفل مع الباب، و اندلعت بذلك صراعات بين أهل مدينة القدس و بين جنود الاحتلال تمثلت في إبعاد عدد من المرابطين و مسؤولي الأوقاف و حراس المسجد الأقصى و الدخول في اشتباكات جسدية أسفرت عن سقوط جرحى و مصابين، و كل هذا لم يفتّ في عضد المقدسيين و استمروا في نضالهم و حققوا ما كانوا يصبون إليه و انتصروا نصرهم الباهر بعمارة تلك المنطقة محل النظر و التخطيط الصهيوني بل و تم فتح مصلى باب الرحمة لأول مرة بعد ست عشرة سنة من الغلق و إقامة الصلوات الخمس في حماه بداية من يوم 22-02-2019.

كل هده المقدمات و النتائج تتركنا نستخلص عددا من الخلاصات الجوهرية.

أولا: أراد الاحتلال تسجيل هدف جديد في مرمى السيادة على المسجد الأقصى، فما كان إلا أن باء مشروعه التقسيمي كاملا بالخسارة و الاندحار.

ثانيا: الضعف المتناهي لهذا الاحتلال الذي ما قوّاه إلا ترهلنا و انقسامنا، و إن لم يكن ذلك كذلك، كيف لدولة تدّعي القوة اللامتناهية أن لا تسيطر على عاصمتها و لا تفرض قوتها على أقدس مقدساتها الدينية و السياسية ؟

ثالثا: الضغط الجماهيري و الردع الشعبي هما أداة صناعة الفارق في هذه المواجهات المصيرية مع كيان مغتصب لا يعرف إلا لغة القوة و أسلوب الحزم و تعامل النديّة الشرس.

رابعا: على القيادات و الجهات الوصية إداريا أن تكون في مستوى تطلعات الجماهير و مواكبة لموجاتها التحررية، لأن التخلف في مثل هذه المفاصل الحساسة يؤدي إلى الدهس الأبدي لا محالة.

خامسا: هبة باب الرحمة هي انكسار من انكسارات كثيرة مُنِي بها الاحتلال في الفترة الأخيرة على عدة أصعدة و مجالات، و هذا ما يفتح باب الأمل واسعا في أن هذا السرطان العفن و الخنجر المسموم المغروس في خاصرة أمتنا، شمسه إلى أفول و قوته إلى ذبول و القادم لا يبشر إلا بخير لنا، و قد أتت البشرى من ألسنتهم النتنة حيث نشر أحد أهم أعضاء الجماعات المتطرفة على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي إثر هبة النصر هذه عبارة ʺ جبل المعبد ليس بأيدينا ʺ و الحمد لله أولا و آخرا و المجد للردع المقدسي ذو الوعي الدقيق و الهمة الوقادة و الإنجازات الميدانية المباركة.

قراءة 1192 مرات آخر تعديل على الجمعة, 15 آذار/مارس 2019 14:29