(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 23 حزيران/يونيو 2019 15:29

لا تجعلوا من محاربة الفساد وسيلة للإفساد…

كتبه  الأستاذ محمد العلمي السائحي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لا خلاف على أنه لا بد من محاربة الفساد بدون هوادة، و لا أحد يجادل في ضرورة ذلك، كما أنه من المجمع عليه أن صلاح البلاد و العباد يتطلب تطهير البلاد من الفساد و المفسدين، تلك قضية مسلم بها و متفق عليها، لكن ما لا يتفق عليه و يختلف حوله هو: أنه ينبغي أن لا تتحول محاربة الفساد إلى مطاردة للسحرة، و أن تتخذ ذريعة لتصفية الحسابات، أو أداة للتهديد بغية ثني إرادة من لا يوافقنا الرأي و دفعه إلى الاصطفاف إلى جانبنا و لو كان كارها لذلك، و الأدهى من ذلك و الأمر أن تتسبب في تشويه سمعة إطارات و رجال أبرياء، و دفعهم إلى هجرة البلاد و إيثار مغادرة الأوطان، و مفارقة الإخوان، مما ينجر عنه حرمان البلد من خبرات و كفاءات و قدرات فكرية و مالية هامة بمقدورها أن تسهم فعلا في التكفل بمساعدة الوطن على تجاوز مشاكله، و التغلب على مصاعبه الاقتصادية و أوضاعه الاجتماعية.

إذن لنضمن أن لا تنحرف محاربة الفساد عن مسارها الصحيح، ينبغي أن تكون لنا منظومة قانونية قادرة على التعامل مع كل أنواع المخالفات. و تكون  نصوصها الردعية تتناسب في تنوعها و اختلافها مع تنوع و تفاوت جسامة المخالفات.

و إذا أخذنا هذه الجزئية بعين الاعتبار نكتشف أننا لا زلنا غير مهيئين لمحاربة الفساد، لأن ترسانتنا القانونية بها الكثير من الثغرات التي تتيح للمفسدين الإفلات من العقاب، أي أننا علينا أولا أن نبادر ببناء ترسانة قانونية تتضمن عقوبات ردعية مساعدة على محاربة الفساد فعلا.

كما تتطلب محاربة الفساد قضاة شرفاء يتمتعون بالشجاعة التي تجعلهم قادرين على التصدي لكل الضغوط التي قد تمارس عليهم لتحملهم على تكيف أحكامهم بما يسمح لبعض المفسدين الإفلات من العقوبة التي يستحقونها.

و هذا النوع من القضاة لا يتوفر لدينا بعد، بدليل أن ملفات فساد كثيرة قد فتحت في الماضي و تم إغلاقها و السكوت عنها بأوامر فوقية و لم يستطع القضاة آنذاك الفصل فيها.

و الأهم من هذا و ذاك في هذا الصدد هو أن محاربة الفساد تتطلب منع أسبابه، و هذا يقتضي بناء نظام سياسي يتكفل ببسط العدالة الاجتماعية التي تضمن حسن توزيع الثروة بين المواطنين و أن يحصل كل مواطن على الدخل الذي يتناسب مع جهده و يتوافق مع حاجته، إذ أن من أهم الأسباب الممكنة للفساد هو: عدم حصول الموظف على ما يتناسب من راتب مع جهده مما يدفعه إلى قبول الرشوة مبررا لنفسه ذلك بأنه لا يتقاضى من  المال ما يوافق جهده المبذول في العمل.

بل إن محاربة الفساد تقتضينا مراجعة منظومتنا التربوية  و الثقافية على وجه الخصوص، حيث أنه يفترض في المنظومة التربوية أن تسهم في إحياء الضمائر، و التمكين لفضائل الأخلاق و دفع الفرد إلى الترفع عن الدنايا، فإذا عجزت عن توفير ذلك وجب العمل على استبدالها بغيرها، لكونها لم تعد تعمل لصالح المجتمع بل باتت تعمل ضده.

كما أن منظومتنا الثقافية يفترض فيها أن تروج للسلوك الحضاري الذي يحمل الفرد على حسن معايشة الآخرين و النزوع إلى السلم و تجنب العدوانية و احترام ملكية الغير، فإذا انحرفت عن ذلك و راحت تروج للعنف عن طريق الترويج لأفلام العنف و العنصرية و التهجم على الدين، بات من الضروري مراجعتها و إعمال النظر فيها حتى  لا تتحول إلى آلة هادمة للمجتمع، مقوضة لجهود البناء و التشييد بذلك يمكن لنا أن نضمن عدم انحراف محاربة الفساد عن مسارها و عدم تحولها إلى وسيلة للتمكين للفساد و الترويج له…

الرابط : http://elbassair.org/5389/

قراءة 1032 مرات آخر تعديل على الخميس, 27 حزيران/يونيو 2019 09:50