(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Monday, 15 June 2015 19:04

رمضان…مدرسة و لصوص

Written by  الأستاذ عبد العزيز كحيل
Rate this item
(0 votes)

الشهر المعظم مدرسة يتخرّج منها الربانيون الأتقياء الأبرار ، و يتربص بها لصوص رمضان لإبطال مفعولها.

  مدرسة وثمرات

إذا فقِهَ المسلم دينه، و أمعن النظر في نصوصه، و حاز وعيا كافيا بمقاصد الشريعة، و عاش التجربة الإيمانية بنفسه، عرف أن صيام رمضان ليس موسما بين المواسم و لا مناسبة متميّزة فحسب، بل هو مدرسة متكاملة الأركان و المناهج تُخرّج الربانيّين الذين يَصلُحون و يُصلِحون، يتدرّبون فيها على تزكية أنفسهم و إصلاح غيرهم، لأنهم يكونون قد اكتسبوا رصيدا دسما من مقويّات الإيمان و الأخلاق القلبية و السلوكية الرفيعة التي تؤهلهم لتسنّم مدارج الكمال و تمثّل الاسلام بجميع شُعَبه.

إنه مدرسة تقوية الروح لأنه يحرر المؤمن من سلطان الغرائز و طغيان الشهوات و يرفعه من دركات الحيوانية إلى المرتقى العالي، إلى عالم الملائكة  ليحدث التوازن في حياته الإيمانية و الاجتماعية، لذلك كانت دعوة الصائم مستجابة حين يُفطر أو حتى يُفطر.

كما أنه مدرسة تنمية الإرادة و رفع مستوى الصبر لدى الصائم فيتحمّل ما لا يمكن أن يتحمّله غيره بنفس راضية و معنويات مرتفعة، و ليس الامتناع عن الأمور المعتادة في حياة الانسان بالشيء السهل؛ فكيف بالكفّ عن الطعام و الشراب خاصة في فصل الصيف، حيث يطول النهار و ترتفع الحرارة، و لا تمتدّ يد الصائم إلى الماء البارد و هو في متناوله و لا رقيب عليه إلا ضميره، فيتكوّن له من ذلك رصيد هائل من الإرادة ليواجه به طوال السنة تحديات الحياة، كما يخرج من رمضان و هو قادر على تحمّل الأعباء الجسام في تقرّبه إلى الله و في نشاطه الدنيوي.

و رمضان محطّة تجريبية للتعريف الميداني ـ فضلا عن التأصيل النظري ـ بنعم الله تعالى التي كثيرا ما يغفل عنها الإنسان و هو يرفل فيها و يتقلّب في أعطافها و لا يعرف أهميتها إلا عند حرمانه منها، فهنا يحسّ طيلة أيام الشهر بالجوع و العطش و الحرمان الجنسي، و ذلك حريّ بالتأثير فيه، ليكون على شعور مباشر بحالة المحرومين و المعدمين في هذه الدنيا فتتحرّك فيه نوازع الانسانية، و يخرج من قوقعة الأنانية و الطواف بذاته ليتواصل إيجابيا بمن هم في حاجة إلى لقمة العيش و شربة الماء و التحصين بالزواج و حبّة الدواء، و هذا يعلمه الحنوّ و يحرك نفسه بالبذل و العطاء، و قد تعلم من سنة الرسول صلى الله عليه و سلم هذا الحديث : “عرض عليّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا و لكن أشبع يوما و أجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك و دعوتك، و إذا شبعت شكرتك و حمدتك “رواه الترمذي.

و قد كان نبيّ الله داود عليه السلام – و هو ملك مكّن الله له تمكينا عظيما في الأرض  على رأس حضارة كبيرة و أدوات غير متاحة لغيره – يصوم يوما و يفطر يوما، و ما ذلك إلا سلوك الأتقياء الأبرار الذين يجنحون إلى عيش الضعفاء حتى لا تحدّثهم أنفسهم بشيء من الاستغناء و الصلف.

و قبل كلّ هذا فشهر الصيام موسم الطاعات و القربات و العبادات الكثيرة المتنوّعة إرضاء لله تعالى و حبّا له و رجاء في عفوه و خشية من عقابه و رغبة في جنّته، ذلك الجزاء الأوفى الذي تتوق إليه نفوس المؤمنين و هو أسمى أمانيها و أغلى طموحها.

لصوص رمضان

 يتربص بالصائمين المخلصين و شهرهم المتميّز لصوص لا يستهدفون اختلاس الأموال، و إنما سرقة روحانية الشهر لإفراغه من مقاصده و إهدار الطاقات الكبيرة التي يُفرغها في قلوب المؤمنين، و ذلك بفتح أبواب الوزر بدل الأجر، من خلال تحويله إلى موسم للهو و الماديات و أنواع الانحراف، و يقف على رأس هؤلاء اللصوص أصحاب معظم الفضائيات و من يحتكرون الثقافة و التوجيه الجماهيري، و كأنهم يعلنون الحرب على التديّن عبر الإعلام الفاسد و” السهرات الرمضانية ” و حفلات الغناء و الرقص و اللغو التي تستغرق في أكثر البلاد العربية ليالي الشهر الفضيل كلّها، حتى يُذهبَ لغو الليل بثواب النهار و يُفقِدَ رمضان محتواه الروحي و بُعده الرباني، و للعلمانية العربية المتطرفة دور بارز في هذا المسعى، و كأن فيها نزل قول الله تعالى ” و الله يريد ان يتوب عليكم و يريد الذين يتّبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما “، و هي التي تروّج – بفعل تحكّمها في القطاع الاعلامي – البرامج التي تُفسد البيوت و الأخلاق و الأذواق.

و الجدير بالذكر أن ما يُسمى المسلسلات الدينية و التاريخية التي تُبثّ في هذا الشهر لا تخدم لا الدين و لا الأخلاق، لأن معظم من يمثّلون فيها معروفون بأدوارهم المنحرفة الفاجرة في أعمالهم الفنية المعتادة، فأي مصداقية لهم إذا مثّلوا الصحابة و الفاتحين و الرموز الاسلامية الكبيرة؟ بل هم يُلقون ظلال الريبة على هؤلاء العظماء من غير شكّ.

لا بدّ إذًا من إنقاذ شهر رمضان من هذا العدوان العلماني السافر المغلّف بدعاوى الثقافة و الترفيه، حتى يبقى كما كان مدرسة متميّزة متفرّدة تحفظ الدين و القيم و الأخلاق.

الرابط:

http://islamonline.net/12444

Read 1463 times Last modified on Thursday, 25 June 2015 08:19