(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Monday, 18 September 2023 04:28

"ستي"

Written by  الأستاذ ماهر باكير دلاش من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

ستي صبية مفعمة بالحيوية لم تتجاوز الثمانين من عمرها.. وبعكس الصبايا اللاتي في عمرها.. كل جزء فيها يعمل بشكل طبيعي، لكنها تعاني من بعض الأمور التي لا تعتبر مهمة.. باختصار، ستي امرأة جميلة جدا.. بيضاء البشرة ذات عيون واسعة كعيون المها.. وشعر ينساب على كتفيها، سواده كسواد الليل.. أما سمعها فما شاء الله تسمع دبيب النمل.. مشيتها كالرهوان...هكذا وصفوها لي قبل عودتي من غربتي بعد عدة سنوات..

كنت كلي شغف لرؤيتها... وأخيرا، عدت بعد سنوات لأراها...

جلست أمامها، كيف انت يا ستي؟

ماذا تقول؟ كانت تلك الصدمة الأولى.. هي لا تسمع!!

حسنا، رفعت صوتي.. ألم تعرفينني يا ستي؟ انظري إلي...وكانت تلك الصدمة الثانية فهي لا ترى...

وجهها، حفر الزمن عليه أخاديدا.. تعرجات وتجعدات مثيرة للريبة لا تبشر بأخبار سارة ...

حسنا، يا ستي أنا حفيدك...الحمد لله على سلامتك، ولو أنني غاضبة منك.. سنوات لم أرك فيها ...الحمد لله، كل شيء فيها معطل إلا ذاكرتها...وهذه كانت صدمة ثالثة مفرحة...

قصي علي يا ستي أخبارا سارة.. أريد ان اسمع أخبارا مفرحة..

حسنا يا ستي، سأقص عليك أخبار القهر والعهر والطهر، فما رأيك؟

لم أفهم يا ستي ماذا تعنين؟!

يا ستي، جارتنا صبية تطلب مهرها الشهادة، أهذا قهر أم طهر؟

وامرأة حبلى في حارتنا تلد وقت الظهر وتدفن رضيعها بعد العصر!! أليس هذا قهر؟

انهمر الدمع على وجنتيها، والأشد يا ولدي أن طفلا يواجه دبابة بالصدر، ورجل يبيع الأرض بالسر وبالجهر !!أهذا عهر أم قهر؟؟

حدثيني أكثر يا ستي.. حدثيني عن جدي أكثر...

ياستي، جدك دفع حياته ثمنا للنصر،وآخر جالس خانع يسأل عن النصر!!!

وعمك في المقبرة تائه يبحث لجدك عن قبر، وأعمامك ثلاثة يرزحون في الأسر. فهل هذا عهر أم قهر؟؟

خالتك يا ستي ابيضت عينيها بعد أن رأت دماء اولادها تجري كالنهر.. والقتلة يتراقصون بمجون وعهر.. وأبناء جلدتنا يرون موتنا وهم جاثمون على الصدر، أهذا عهر أم قهر؟

حدثيني يا ستي دون دموع عن الطهر..

يا ستي كيف احدثك عن الطهر، والقدس يدنسها بني يهود.. فإلى متى الصبر؟

طردونا منأرضنا وقالوا العودة بعد شهر!!مر أكثر من سبعين عاما ولم ينته الشهر!!

سأحدثك يا ستي عن أقسى انواع القهر أصبح أبوك غريبا مر.. ساقوه الى زنزانة فيها أشد أنواع الضر.. وخالك يا ستي استشهد في معركة الكرامة والطهر.. وابن عمك يقبع في سجن تحت الأرض في الأسر.

سأحدثك يا ستي مرة أخرى عن العهر؛ فالعهر يا ستي أقسى من القهر.. هل تتخيل أن يضع أحدهم خنجرا في خاصرتك ويده الأخرى فيها سلام ومن الزيتون جذر.. العهر يا ستي أن تسمع موسيقى الملاعق في اطباق الأغنياء والأطفال يلتقطون بقايا من الخبز كسر.. هل أحدثك يا ستي أكثر عن العهر؟

وأين أقراني يا ستي.. اين اولاد حارتنا.. ألم يعودوا هنا؟!

أقرانك يا ستي، أكلهم غول الغربة في ليل موحش غر.. مثلك يا ستي ما عادوا هنا، ضاعوا بين بحث عن الحياة وبين العهر.. منهم قضى نحبه في لحظة ما بين عطش الحياة وبين جوع أشر.. صاحبك سليم يا ستي تلقى رصاصة بالصدر.. لم يأبه يوما بشهرة ولا مجد كان يحلم بنصر.. روت دماؤه ثرى أرض مقدسة من الله، أليس هذا هو الطهر؟

اكتفيت يا ستي، ما عاد متسع في الصدر.. حشرجة قد تأتي على ما تبقى من العمر.. والله هذا قهر وصل إلى درجة العهر.. فأين هو الطهر؟!

Read 326 times