(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 31 July 2014 10:13

ذات النطاقين

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

سرى الأمر النبوي بين المسلمين في شعاب مكة دروبها، أن رسول الله صلى الله عليه و سلّم قد أذن لهم بالهجرة إلى يثرب، حيث يستعد أهلها الطيبون لاستقبال إخوانهم من المهاجرين الفارّين بدينهم من عنت قريش و ظلم فراعنتها، و قد ضاقت عليهم مكة و صاروا فيها غرباء مضطهدين، و انطلقت الرواحل تحمل من لديه راحلة، و من لم يجد تحمله قدماه و قد احتسبوا أرضهم و مالهم و غربتهم ابتغاء وجه الله الكريم

و يلبث النبي صلى الله عليه و سلم خلفهم في مكة ينتظر أن يأذن الله له بالهجرة إلى أصحابه، و ما لبث الوحي أن تنزّل بالأمر المرتقب، و يتوجه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى صاحبه الصدّيق، يعلمه بالأمر فيسأله الصدّيق الصحبة في هذه الرحلة الشاقّة الخطرة، فيأذن له فلا تسعه الفرحة فيبكي، و هو ما لبث إلى اليوم في مكة إلّا طمعا في صحبة نبيّه صلى الله عليه و سلم، و قد أعد لهذا اليوم راحلتين قويتين، و جمع ماله كلّه ليأخذه معه و ينفقه في سبيل الله.

و تبدأ الليلة الفاصلة و قد اجمعت قريش أمرها على قتل نبيّها الذي أرسله الله اليها بالهدى و الخير و السؤدد، فيدعو اليه عليا كرم الله وجهه، و يطلعه على أمانات كانت لقريش عنده و يكلفه بأداءها اليهم، فيلتف الشاب ببردة النبيّ الشريفة ، و خرج صلى الله عليه و سلم من بين صفوفهم و قد عميت عيونهم عنه بقدرة الله، فيتجه إلى بيت أبي بكر، و يرتحلا من طريق غير مألوف باتجاه غار ثور و يقيما فيه.

و في بيت الصدّيق كانت ابنتيه عائشة الصغيرة و أسماء الصبية الشجاعة و قد أسلمتا منذ بداية الدعوة الاسلامية، و تدرك أسماء بأن عليها واجبات كثيرة تجاه دينها و نبيها، و تطّلع بدور خطير، حيث تحمل الطعام كل يوم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و والدها إلى غار ثور دون خوف على حياتها فجلّ ماتخشاه هو أن يراها أحد المشركين فينكشف مكان المهاجرين العزيزين

و ذات رحلة أعدت أسماء زادا و ماء كثيرا لهما، و لم تجد رباطا لصرة الطعام، فعمدت الى نطاقها فشقته نصفين، ربطت الصرة بأحدهما و تمنطقت بالآخر فبشرها الرسول صلى الله عليه و سلم قائلا: أبلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة.

و في مكة تغلي القلوب قهرا و تنشقّ الصدور غيظا، و قد أفلت منهم محمدا و صاحبه، و يتوجه الزبانية بقيادة أبو جهل إلى بيت الصدّيق، و يطرق الباب طرقا شديدا، و تطل أسماء لترى من الطارق، فإذا بها ترى فراعنة قريش و يسألها أبوجهل :اين أبوك؟فتقول بثبات و قوة :لا أدري أين أبي، و يطيش صواب العتل المهين و يرفع يده لتدوي الصفعة على الوجه الذي ما عرف يوما لطمة و لا مهانة في بيت تربت فيه النساء على الاحترام و الكرامة، و يرتحل الموكب الجهنمي و قد ازمعوا البحث عن النبي و صاحبه و يخيب فأل الشرك و المشركين و يصل البدر الهادي إلى مدينته سالما ليقيم فيها شرع الله و ينشر دينه العادل و ينطلق منها فرسان الحق في مشارق الارض و مغاربها يحملون للبشرية القرآن و السنة العصماء.

كانت أسماء قد نشأت في بيت الصديق، و هو بيت غنى و جاه و جهاد، و قد تزوجت من الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ما يملك إلّا فرسه، فكانت تعلفها و ترعاها، و تخدم زوجها و بيتها بنفسها، و تحتمل الجهد و الحاجة ابتغاء مرضاة الله، و قد التحقت بالمهاجرين إلى المدينة و ولدت ابنها عبد الله بن الزبير بعد أيام من وصولها، فأحسنت تربيته و إخوته، و أعدته ليحمل دعوة الله فكان لا يخاف في الحق لومة لائم.

 مرَّ عمر بعد خلافته بعبد الله و رفاق له يلعبو ،ففر الصبية مهابة من عمر و ظل عبد الله واقفا، فقال له عمر  :ما لك لم تفر معهم؟ فقال عبد الله :لم أجرم فأخافك، و لم يكن الطريق ضيقًا فاوسع لك

و ربته أمه على العبادة الخالصة لله حتى قيل عنه إنه قسم ليله الى ثلاث ليال  فليلة هو قائم حتى الصباح، و ليلة هو راكع حتى الصباح، و ليلة هو ساجد حتى الصباح.

و حين توجه المسلمون للفتوحات خارج المدينة المنورة توجه عبد الله الى الشام و شارك في معركة اليرموك مع أمه و أبليا بلاء حسن و لم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة من العمر و ارتحل مع الجيوش الى شمال افريقيا و كان ممن فتحوا مصر كنانة العرب

و في عهد يزيد بن معاوية حدث مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، و سخط الناس على يزيد، و بعد وفاته بايع ابناء الصحابة عبد الله بن الزبير خليفة عليهم و انتقل الى مكة المكرمة عائذا ببيت الله الحرام، فحاصر الحجاج مكة المكرمة و جوّع أهلها، فتوجه عبد الله إلى أمه يسألها المشورة فقالت : "إن كنت على حقٍّ فامضِ لشأنك، و إن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك و من معك؛ القتل أحسن". فقال: "يا أُمَّتِ، إني أخاف إن قتلوني أن يمثِّلوا بي". قالت: "إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها".

و قتل عبدالله في تلك المعركة و صلبه  الحجاج و أرسل إلى أمه أن تأتيه، فأبت، فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. فلما رأى ذلك أتى إليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، و أفسد عليك آخرتك، و قد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام  رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الحجاج لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، و لكني أم المصلوب على رأس البنية، و ما لي من حاجة، و لكن أحدثك: سمعت رسول اللهيقول: " يخرج في ثقيف كذاب و مبير "فأما الكذاب، فقد رأيناه - تعني المختار بن أبي عبيد - و أما المبير فأنت

و حمل اليها ولدها فغسلته و كفنته، و ماتت بعده بأيام

لقد كانت أسماء مثلا يحتذى لنساء المسلمين، مجاهدة صابرة و زوجة معينة على طاعة الله، و أما محتسبة، و متصدقة لا تدع شيئا يبيت عندها حتى تتصدق به

{ربّنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}

Read 1573 times Last modified on Tuesday, 07 July 2015 21:11