(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 03 آذار/مارس 2016 07:04

سجناء الأوهام

كتبه  الأستاذة كريمة عمراوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

" و الناس في أوهامهم سجناء"    فريد شوقي

أوهام ، شكوك وساوس أسرت الإنسان و شتتته، و ألقته في التهلكة ، فكم شتتت الأوهام من عقول ، و عطّلت من أعمال و جهود ، و خرّبت من بيوت ، وهم المال ، وهم البنين، وهم الجاه، قال تعالى( المال و البنون زينة الحياة الدنيا ).

 توهم الجاهل أنه عالم و يتحوّل إلى مفتي فيضل خلقا كثيرا ، الوهم الذي وقع فيه اليهود  قال عزّ و جل: (و قالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا  قل بل ملّة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين)135 البقرة

(و قالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء و يعذّب  من يشاء و لله ملك السموات و الأرض و ما بينهما و إليه المصير)18الأنعام.

إلى من حاد عن اليقين و الصواب ، إلى من أسرته الوساوس و الشكوك ، إلى من أسرته الأوهام.

1- بيان حقيقة الأوهام:

الوهم من خطرات القلب يقال توهم الشيء إذا تخيله و توهمه سواء كان ذلك في الوجود أو لم يكن ، فهو اعتقاد فاسد ناتج من تصور خاطئ.

2- قابلية الخلق للوهم:

أكثر الخلق نفوسهم مطيعة للوهم، و قد يعلمون بكذبها ، و كثير من من إقدام الناس و إحجامهم بسبب الأوهام التي تسيطر عليهم فيقول ابن القيم و من قبله الغزالي :" قد ينفر الرجل من المبيت في بيت فيه ميّ، مع أنه يقطع أن هذا الميت لا يتحرك ، و لكنه يتوهم في كل لحظة أنه قد يتحرك أو يصدر منه شيء يتخوفه "فالواقع شاهد على تأثير الوهم و الإيهام.

الأطباء ينهون صاحب الرعاف أن يديم النظر إلى اللون الأحمر ، فأكثر النفوس مطيعة للوهم ، حتى في الحيوان، فلربما جاء الكلب إلى الحيوان الذي يمشي على الجدار فيضرب ظلّه فيسقط ذلك الحيوان على الأرض ، بل ذكر ابن القيم رحمه الله أن الغزال أسرع من الكلب ، فإذا انطلق الغزال و انطلق في أثره الكلب فإن الغزال يسبقه و لكن الكلب يصيده  لأن الغزال حينما يسرع يتوهم أنه مدرك لا محالة، فليلتفت إلى الكلب فتخار قواه فيتمكن منه الكلب.

فهذه الأوهام علّة عليلة تقع للإنسان و للحيوان على حد سواء.

3- خطر الأوهام:

سلوك الإنسان يبقى مترتبا على ما في نفسه، فما ينطبع في نفس الإنسان يتسلط على سلوكه و مواقفه ، بغض النظر عن صوابه أو خطئه، و هذا كما يقع للأفراد يقع للمجتمعات و الأمم و الشعوب، فهي قد تحمل أفكارا وهمية عن أعدائها أو أصدقائها ، فالعقيدة التي يحملها الإنسان في صدره ذات تأثير كبير في سلوكه و مواقفه، هذه أشياء بديهية لا يخرج عنها إلا منافق الذي يفعل أشياء لا ينطوي عليها فؤاده يتصنّع ، و لهذا أيها الأحبة هذا الوهم قد يجر صاحبه إلى المهالك ، فقد يرديه في الدنيا و قد يذهب ماله و قد يذهب أهله.

4- أسباب التعلق بالأوهام:

منها ما يكون يسبب خداع الحواس، فقد يتوهم الإنسان سماع صوت، أو رؤية أشياء لا حقيقة لها، و يدخل فيه سحر التخييل كما قال تعالى:(فإذا حبالهم و عصيّهم يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى )و قول عز و جل:( سحروا أعين الناس و استر هبوهم)مثل ما يرى الناس في السراب فيتخيلونها ماء ، فالبصر قد يخدع و السمع أيضا.

منها ما يكون بسبب الأمراض و يسمى وهم التخييل عفانا الله ، فيتخيل المرء أن هناك من يكرهه و يكيد له ، و يتآمر عليه ، و يتهم الآخرين بالخيانة ، و عدم الثقة بالنفس ، و قد يقع ذلك بسبب السحر ، و يقع بسبب تعاطي بعض العقاقير المخدّرة ، فهذه تورت أوهاما و تتلف بعض خلايا المخ، أو ربما تورت غيرة زائدة مرضية، و هذا النوع ينبغي التخلص منه بالعلاج بالعقاقير عند الأطباء ، و هناك نوع آخر و هو وهم الإحساس يقول صاحبه أنا أحس أني سأموت، كذلك قد يترك سفرا أو مناسبة يشعر أن مكروها سيقع في هذا المكان ، و هذا المرض ربما كان بسبب القرين ( أي الشيطان المقارن للإنسان)أو بسبب السحر ، أو يقول سيهاتفني فلان الآن أنا أشعر بذلك ، فيدق الهاتف و يكون المتصل كما قال ، من الذي أخبره بهذا ؟ القرين، القرين لا يعلم الغيب لكن  يطلع على من سيتصل به لسرعة تنقل الشياطين و الجن و بسبب الاتصالات التي بينهم، هذا الاحساس قد يكثر عند بعض الناس ، و عند النساء خاصة فتشعر أنها ستموت ، و تتوالى نبضات قلبها ، و تشعر ببرودة في الأطراف ، و كأنها مشرفة على الموت و ليس بها بأس ، و أيضا هناك وهم المرض ، تراه دائما يتلمس صدره و رقبته، يراقب جسده ، يتوهم أنه قد بلي بمرض خطير ، أو تورم أو سرطان في الجلد ، فهو لا يجد طعما لما يأكله ، و لا نوما ، يعاني الغم و الهم لأن هذا الوهم صار يسيطر عليه ، يذهب إلى الأطباء كثيرا ، و لديه تقارير كثيرة و أشعة و أدوية كثيرة ، فيقضي العمر و هو يعيش بين أمراض موهومة لا حقيقة لها، و هو يصر على إجراء عملية ، و هذه تفعل في بعض البلاد ، و هي عملية ليست حقيقية و لكنها سطحية في الجلد ثم يظهرون على ما يعملون عليها من الأشياء اللاصقة و التخدير و يخبرونه أنهم نزعوا منه كيسا أو وجدوا عنده بعض الأورام.

كذلك هناك من  يتوهم أن جنّا صرعه ، أو ابتلي بسحر ، فيذهب إلى هذا الراقي أو ذاك أو يذهب إلى السحرة، و يركز على هذه القضايا و ينزعج كثيرا إذا قيل له ليس بك بأس و أنت تتوهم، ينفر من ذلك تماما، لذلك تجدهم يحبون العزلة، و الناس لا يحبون مجالستهم لأنهم يتحدثون عن عللهم و أوهامهم و لا يتحدثون عن قضايا اجتماعية ، و قضايا أخرى ينتفع بها المجالس. هذه علل عليلة قد تقعد الإنسان فلا يستطيع أن يقوم على رجليه.

هناك نوع آخر من الأوهام المرضية و هو وهم العظمة ، فيشعر هذا الفرد المصاب بأنه فوق العالم ، فيتكبر و يترفع و قد يكون هؤلاء الذين يحتقرهم هم أبوه و أمه و إخوته.

مقارنة المكروه: لربما ينفر الإنسان من آلة قد قضى فيها أعواما يصنعها و يركبها، لكن قد دخلت فيها يده أو يد ولده ففرمتها و سالت دماؤه عليا ، منظر كريه ، فهو لا يريد أن يلمسها بعد ذلك و لا يقترب منها و يأمر أن تخرج من بيته، و هكذا إذا وقع للإنسان حادث في هذا المكان أو في تلك القرية فيتشأم منها و لا يريد سماع اسمها و لا يريد ذكرها، و هكذا مسألة الاقتران.

الشعور بالكمال الزائف :

هذا قد يكون على مستوى أمة ، مثل من يقول أن الأمة  قوية و لا تحتاج إلى علاج ، و ليس بها أدواء ، و هكذا العنصرية قامت على أوهام ، مثل النازية التي قامت على خلوص الجنس الآري و نقائه ، و الفاشية التي قامت على نقاء العرق الروماني في إيطاليا ، و هكذا عندما توهم اليابانيون نقاء العرق الياباني و هكذا اليهود حينما قالوا :(نحن أبناء الله و أحباؤه)و أسرفوا على أنفسهم بالذنوب بناءا على وهم اعتقدوه ، و هكذا الأوهام لربما توهم الجاهل أنه عالم و يتحول إلى مفتي يجتمع حوله بعض الجهلة و يصدقونهم و يفتيهم ، فيضل خلقا كثيرا ، و هكذا ما وقع للخوارج حينما تركوا الصحابة ؤ شيّخوا جهلة من بينهم فصاروا يفتونهم فضلوا و أضلوا  و هكذا ما يفعله بعض الشباب في عصرنا ، يتركون العلماء و يسقطونهم ، و يجتمعون على جهال يتبعونهم ، و يعملون بتوجيهاتهم ، فيخسرون الدنيا و الآخرة كذلك قد يتوهم الإنسان أنه كمّل الإيمان ، و أنه محقق للصبر و التوكل و الرضا ، و قوة القلب ، و إذا جدّ الجد تجده اقل الناس صبرا و توكلا ، و من أعظم الناس خوفا من المخلوقين ، و لذلك الصحابة في غزوة الخندق لما قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم :( من يأتيني بخبر القوم و أضمن له الجنة)و فيهم أبوا بكر و عمر ، و لا يقوم فيهم أحد ، و الواحد من الذين يتوهمون لطار من يحقق هذا المطلب.

و ربما يتوهم أحدهم أنه مستغن عن حضور مجالس العلم ، لأن عنده من المعارف و الثقافة ما يكفيه ، و هو ليس بحاجة أن يثني ركبه عند أحد ، و لذلك تجده لا يحضر مجلسا من مجالس العلم العلم إطلاقا و مستغن عن هذا كله.

كما قد يتوهم أحدهم أنه مشغول ، فيذهب و يجيء و أولاده لا يجلسون معه ، و إذا رأيت أشغاله لوجدتها تقضى بقليل من الوقت ، و لكنه يعيش في حالة تربكه، فهو يجيء و يذهب و يمشي، و لربما يحمل معه حزمة من المفاتيح، و لا يفيق، فهو يعيش في وهم كبير، و الواقع أنّه يبدد أوقاته في أمور يمكن أن تقضى في أقل من ذلك بكثير، أو يستطيع أن يقضيها الآخرون.....يتبع.

قراءة 1687 مرات آخر تعديل على الجمعة, 04 آذار/مارس 2016 05:13