(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 09 شباط/فبراير 2019 10:16

"و لا تفرطوا في جنب الله"

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في طيبة الطيبة ترتقب القلوب حديث نبيها و توجيهاته، و ترنو العيون إليه صلى الله عليه و سلم، و هو يتلو كلمات الله و قرآنه العظيم، تلك الكلمات التي لأجلها استشهدوا و لأجلها أوذوا و لأجلها حاربوا الدنيا بأسرها، و بها انتصروا على عدوّهم و نفوسهم، و بها ارتقوا على سفاسف الأمور و بائدات الحياة و فانيات اللوامع. و ها هي أول جمعة بالمدينة يجمّعها النبي صلى الله عليه و سلم و يقف في أصحابه خطيباً قائلاً: «اتقوا الله في عاجل أمركم و آجله في السر و العلانية، فإنه من يتق الله يكفّر عنه سيئاته، و يعظم له أجراً، و من يتّق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، و إن تقوى الله يوقي مقته، و يوقي عقوبته، و يوقي سخطه، و إن تقوى الله يبيّض الوجوه، و يرضي الربّ، و يرفع الدرجة، خذوا بحظكم و لا تفرطوا في جنب الله، قد علّمكم الله كتابه، و نهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا و يعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، و عادوا أعداءه، و جاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم و سمّاكم المسلمين من قبل، ليهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حيّ عن بينة و لا قوة إلا بالله، فأكثروا من ذكر الله، و اعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه و بين الله يكفه الله ما بينه و بين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، و لا يقضون عليه، و يملك من الناس و لا يملكون منه، الله أكبر و لا قوة إلا بالله العظيم». إنّها حقاً بلاغة النبوة، و فصاحة الحق، و قوة المتمسّك بحبل الله المتين، و هي و الله جوامع الكلم الذي لا ينطق عن الهوى، بل هو وحي يوحى، يرسم للأمة نهجها، و يقرّ فيها شرعتها و منهاجها، و يدعها فيه على المحجّة البيضاء، حبل متين و شرع قويم لا يضل من استمسك به و لا يشقى. إنها التقوى ذلك الميزان الذي توزن به مقادير النّاس و مقاماتهم عند الله، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من الآية 13]، و هي التقوى تلك الكلمة التي ألزم بها الربّ الجليل أهل عبادته و خلصاءه من خلقه، فجعلهم أحق بها و أهلها، و النّبي الكريم الحكيم ينتقل من موطن طاعة إلى آخر، و هو يوقظ في النفوس زكاتها و في القلوب رقتها، و في العقول رجاحتها، فالدنيا خلقت للإنسان دار بلاء و امتحان، و عمل بلا حساب، و لكنها أعقبت بالآخرة حيث حساب و لا عمل، و ليأخذ المرء من دنياه ما يحتاجه، و ليستمتع بالطيبات من الرزق الحلال، و ليبتغِ فيما آتاه الله الدار الآخرة و لا يفرط في جنب الله، و لا يعصيه، و لا يجعل من الدنيا التي وهبها له خالقها وسيلة للتنكّر للواهب و عقوقه و عصيانه، و التفريط في جنابه العظيم، و لا تقعدهم زينتها الزائلة، و زهرتها الذابلة، و كينونتها الفانية، عن الدّفاع عن الحق و نصرة المظلوم، و النّفرة في سبيل الله في المنشط و المكره. و لا يدعوهم حبّ الدنيا و كراهة الموت إلى ترك الجهاد في سبيل الله؛ لأن الجهاد في سبيل الله نصرة لله، حياة عن بينة، و تركه هلكة عن بيّنة، و القيام به في سبيل الله، نصرة للمظلومين، من أعلى مراتب الإحسان، و تركه مجلبة للذل و العذاب و المهانة. و الأمة التي تريد الحياة و تسعى لأعلى مراتبها الكريمة، مكلفة بحراسة مكتسباتها و عقيدتها و أبناءها بالقوة، و الذود عن حماها المقدس بالروح و النفس و النفيس، و يحلّق النبي المشفق بصحبه و أمته في ذرى الروح المخبتة و يرفعهم إلى مصافّ الذاكرين، حين يوجّههم إلى الذّكر الدائم للذي يعلم السرّ و أخفى، و هو المطلع على القلوب المنيبة، يسمع نحيب اشتياقها، و أنين لهفتها، و خوفها من عذابه، و يسمع طرقها اللحوح على بابه، و يرى ارتماءها الذليل على أعتابه، فيرحمها، و يرفعها، و يفتح لها بابه المشرق، و ينزّل عليها السكينة، و يمسح بلطفه حزنها، فيصلح ما بينه و بينها، و يكفيها الأذى و أهله و الشر و مصادره، و يبدلها بالصبر ذخراً من الكنوز الربانيّة، لا يعلمها إلا هو، فهو المجير و لا يجار عليه، القاضي و لا يقضى عليه، و المالك المتفرد بملكه و عظمته، مالك الملك ذو الجلال و الإكرام، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معصيتك. 

رابط المادة: http://iswy.co/e14r0h

قراءة 1340 مرات آخر تعديل على الجمعة, 15 شباط/فبراير 2019 09:58