(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الجمعة, 31 أيار 2019 17:31

متى نعود إلى الله تائبين ؟

كتبه  الأستاذ عبد العزيز كحيل
قيم الموضوع
(0 أصوات)
لا أتحدث عن الآخرين، عن أولئك الذين نسمّيهم المفسدين والعصاة والفاسقين، لا، إني أتحدث عني وعنك وعنكِ، متى نعود إلى الله ؟ نحن لا نشرب الخمر لكن لعلّ خمر تزكية النفس والمناداة عليها بالبراءة قد أسكرتنا و نحن لا ندري، و هي من غير شكّ أخطر من عصير العنب.
هل فعلا أنا أفضل من السياسيين الكذبة ؟ و هل أنت أحسن حالا من التجار الغشاشين ؟ و هل أنتِ أقوم قيلا من المنحرفات ؟ لقد عصمنا الله تعالى من الكبائر و المعاصي الحسية و الحمد لله، فكيف حال قلوبنا ؟ تركنا ظاهر الإثم فهل تركنا باطنه ؟ تُرى هل نحن متاحبّون في الله ؟ هل أحيينا معاني الأخوة في نفوسنا و عملنا بها في حياتنا ؟ هل نحسن الظن ببعضنا كما أُمرنا ؟ هل نحبّ لبعضنا من الخير و التوفيق و السموّ مثل ما نحبّ لأنفسنا ؟ هل تركنا التقاطع و التدابر و الحسد فيما بيننا ؟ هل نحن أذلة على المؤمنين نعاملهم بالمسامحة و العفو و التنازل، و لا شدّة عندنا إلا على الكافرين المعتدين و الظَلمة المستبدين ؟
هل نُشفق على العاصي حتى يتوب أم أننا نلعنُه و نحن لا ندري لعلّه يبيت يبكي على ذنبه بينما نبيت مُدلّين فرحين بعبادتنا و كأننا ضمنا لأنفسنا القبول ؟
إني لا أتكلم عن الدروس المسجدية و الخطب المنبرية و المواعظ الجميلة، لا، أقصد سلوكي أنا و أنت و أنتِ، سلوكنا مع أزواجنا و أبنائنا بعيدا عن أعين الناس، سلوكنا مع الجيران و الزملاء و الأقارب خاصة في حال التنازع و أوقات الانفعال، سلوكنا إذا مارسنا النشاط السياسي و التجاري و النقابي، سلوكنا في أماكن العمل مع ضغط الواقع و متطلبات الحضور الفاعل و الإتقان في كل أداء عضلي أو ذهني أو تنظيمي، هل كانت الأخلاق الرفيعة معنا هناك ؟ هل التزمنا أحكام الشرع و خصال الأتقياء و آداب المؤمنين فيما بينهم ؟
نظرت في قلبي فخشيت أن ييبس إذا خلا من ذكر الله و أصابته حظوظ النفس و أصبح ملاذا للشهوات، إذ هناك تمتنع الأركان عن الطاعة، مثل الشجرة التي مُنعت الماء فيبست أعضاؤها، فما أقبح هذا الوضع، و هل من معنى لحياتي إذا فسد القلب ؟ فهل تعاني  مثل معاناتي أيها الأخ المسلم ؟ و صحة القلب ليست في الادعاء – و لو كانت الأمور بالمزاعم لادعى الخليّ حرقة الشجيّ – و لكن في الصلة الدائمة المتجددة بالله تعالى، ذكرا و أخلاقا و امتثالا للأمر و ابتعادا عن النهي و إقبالا بعد إدبار و استغفارا و تضرعا و توبة نصوحا، و الله تعالى لا يغترّ بمظهر أو شكل أو طقوس، لذلك " قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير " كما أوصى العارف بالله.
ما بال عيني جافة لا تتغرغر بدمع و ما بال قلبي لا يتألم إلا قليلا رغم تقصيري في جنب الله و رغم قلة الزاد و طول السفر ؟ أجل، المدرسة الحديثة أعطتني معلومات نافعة لكنها لم تعلّم قلبي الخشوع و لا عيني الدموع، فيسّر ذلك سطو الدنيا عليّ و استسلامي لتبرّجها و زخرفها، و إني لأنظر يمنة و يسرة أتحسس أصحاب القلوب الرقيقة و المُقَل الدامعة فأجدني غريبا غربة صالح في ثمود، فهل تحسّ بذلك مثلي ؟  و ما بال الدموع تسيل في غير محلّها على مطرب مات أو فريق فاز في مباراة أو أخفق ؟ إذا لم يخشع القلب لذكر الله و لم تنزل عَبرة من خشية الله، و لا باتت عين ساهرة في سبيل الله فماذا بقي للدنيا من حلاوة ؟ إذا غاب القلب الخاشع و الطرف الدامع فقد انتصرت العولمة و استعلى شأن المادة و لم يبق للدنيا المذمومة معارض.
فمتى العودة إلى الله تعالى ؟ المحراب بارد من حرارة الإيمان و الصلاة لم تعدْ تنهى عن الفحشاء و المنكر إلا قليلا، غلبت عليها الحركات و الآلية بينما خمدت جذوة الاخلاص، فمن أين يأتي التوفيق و كيف نثبت على طريق الاستقامة و كيف نستكمل السير إلى الله؟
كعْبتنا لا تتغير و الطواف حولها لا ينقطع، و ما أكثر الحجيج و المعتمرين لكن البرودة أدركت الشعائر، و التلبية يخالجها ريب و الذكر تنحرف به الشهوات، و كادت البقاع تفقد قداستها بما كسبت الأيدي ... و ماذا أقول عن الصيام الذي طاش في أودية التقاليد و التلاوة المنمقة التي لا يقشعر لها بدن و لا ترفع الإيمان و الصدقة الضعيفة و السير المتهاون ؟ هذا ما أشكوه إخوتي و لا أتخلص منه إلا بالعودة الصادقة.
إن العودة إلى الله تعني الانخراط في سلك الصابرين و الشاكرين  و الظفَر بذخيرة هؤلاء و عُدة أولئك، و تُحيي في النفوس المتعبة معاني الخوف و الرجاء، و تُخلّص المؤمنين من أسر الدنيا حتى تغدو في الأيادي لا في القلوب و حتى يتحكم فيها الربانيون و لا تتحكم فيهم، و تغمرهم بأمداد من محبة الله و الشوق إليه و الأنس به و التقلب في أعطاف الرضا و التوكل و اليقين.
ما أيسر الرجوع إلى الله تعالى بعد الشرود و الاهتداء إلى صراطه بعد الضلال، و ما أصعب العقبة الكؤود التي يخوّفنا منها الشيطان لندبر و لا نقبل، و السعيد من اقتحم العقبة و الشقي من تهيّب و ضعُف و تراجع، الباب مفتوح بالليل و النهار فهل  نبادر بالإقبال عليه و الارتماء على أعتابه متضرعين نادمين ؟
رابط المقالة :

قراءة 1297 مرات آخر تعديل على الخميس, 06 حزيران/يونيو 2019 12:50