(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الإثنين, 17 حزيران/يونيو 2019 10:15

امتحان القلوب

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 بوابة الشام تفتح لجيش النبي صلى الله عليه و سلم، وهو يدلف إليها عبر الصحراء الممتدة ما بين المدينة المنوّرة إلى تبوك، و ذلك في مستهل شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة النبوية الشريفة، والنبيّ يدرك بعد الشقّة و طول السفر و شدّة الحرّ، فيبيّن وجهته للنّاس ليستعدّوا بما يستطيعونه من قوّة و متاع و ركوب، و يأتي عثمان بن عفان رضي الله عنه بما يمتلكه ليضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، ليجهز به جيش العسرة، و في مدينة النبيّ قلوب كسيرة وعيون تفيض من الدمع، يحزنهم ألّا يجد رسولهم ما يحملهم عليه، و هم لم يعتادوا التخلّف عنه في غزوة غزاها، يتولّون من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وأعينهم تفيض من الدّمع ألّا يكونوا في طليعة جيش النبي مع أصحابهم و إخوانهم، يحبسهم الفقر، و قلوبهم ترافق الحبيب في مقصده، و قلبه معهم يشهد لهم بصدق الإيمان و صدق النفرة و صدق الولاء لله و لرسوله 
و في المدينة منافقون تخلّفوا بالأعذار الكاذبة، و يتعللون بالخوف من الفتنة و قد سقطوا فيها، و ياذن لهم النبيّ بالتخلّف عنه و قد أدرك كذبهم و عرف نفاقهم، فلم يحزنه إركاسهم، و لم يفتّ في عضده تخاذلهم 
و في المدينة ثلاثة نفر تخلّفوا كسلا و ركونا إلى الدعة، وهم هلال بن أمية، و مرارة بن الرّبيع، و كعب بن مالك، و ما في قلوبهم نفاق و لا ريبة، ولا استخفافا بأمر نبيّهم و لكنها الدنيا حين تستميل القلوب، و تعدها بالراحة و الدعة، ويحدّث كعب بن مالك نفسه ساعة بعد ساعة باللحاق برسول الله صلى الله عليه و سلّم ثم يقعد عن ذلك حتى أبتعد الجيش أميالا، وأغرب في ارتياد الصحراء اللاهبة، وطوى البيداء قاصدا وجه الله، داعيا إلى الحقّ، و مستبقا خطوات العدو المتربص في بلاد الشام وغيرها من القوى المحيطة بدولة الإسلام التي بدأت ترسم على وجه الكون ملامحها و تنشر عليه رايتها العادلة. 
و أظلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا من غزوة تبوك، و بدأ بالمسجد مصليّا كعادته كلما عاد من سفر، و أقبل المخلّفون على النبي يحلفون و يعتذرون، فقبل منهم و وكل سرائرهم إلى الله، و جاء كعب بن مالك، الصحابيّ الشاعر الصّادق الذي لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الا يوم بدر، و قد كثر فيه المتخلفون لعدم معرفتهم بأن هناك حربا ستقع، امّا هذه الغزوة فقد عرف كعب بامرها، و أدرك مشقتها و وعى أهميتها، و قلّب الشاعر الصّادق وجوه الأعذار، فإذا بها كّلها تمر من بوابة الكذب القبيحة، فآلى ان ّلا يكذب نبيه القول، فأتاه و جلس بين يديه، فتبسّم له الّنبي المحب المشفق تبسم المغضب قائلا:ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ و تنطلق كلمات الصدق من اللسان الصادق و قد أيقن القلب المرهف ان الصدق منجاة فقال : و الله ما كان لي عذر، و ما كنت أيسر مني حين تخلفت عنك. 
و تنطلق الكلمات المنصفة العادلة، أمّا هذا فقد صدق، فقم حتّى يقضي الله فيك، و تسري الأوامر النبوية المطاعة في المدينة بمقاطعة الثلاثة الذين خلّفوا دون عذر، و كعب يصلّي في المسجد الصلوات الخمس، و يردّ السلام على الحبيب فلا يدري أتحركت شفتا النبي بالردّ أم لا. 
خمسين ليلة مرّت على كعب و صاحبيه، و قد وجفت قلوبهم، و ذابت أكبادهم شوقا لمحادثة رسول الله، و الأصحاب الأحبّة، و ترد على كعب الدعوة من ملك الغساسنة، يدعوه فيها إلى القدوم عليه معزّزا مكرما، و كان له مقدّرا و لشعره ذوّاقا، فلا يجد كعب في هذه الدعوة إلّا امتحانا جديدا و بلاء ثقيلا، فيحرق الرسالة رافضا أن يترك مدينة فيها حبيبه و صفيّه و نبيّه و يطلع فجر الليلة الخمسين و كعب يصلّي على سطح منزله، وإذا الفجر يطلع ببراءة القلب التقيّ من النفاق، و بالتوبة الخالصة على الرّوح الصافية، و يخفق القلب الحزين برنّة الفرح في صوت البشير الصارخ : يا كعب بن مالك أبشر} 
و يتامّم كعب مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناس له مهنئين بتوبة الله عليه و على صاحبيه، و ينظر كعب إلى وجه الرسول صلى الله عليه و سلم، و قد أضاء بالفرح، يبرق من السرور، و يقول:{أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك{
و ينسلخ كعب بن مالك من ماله إلى الله و رسوله، فرحا بتوبة الله عليه فيأمره النّبي ان يمسك عليه بعض ماله، فيقول كعب :يارسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، و إنّ من توبتي ألّا أحدّث إلا بصدق ما بقيت، والله ما علمت أن أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن مما أبلاني و الله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومي هذا، و إنّي لأرجوالله تعالى أن يحفظني فيما بقي} {ربنا هب لنا لسان صدق و مقعد صدق عندك يارب العالمين).

رابط المقالة :

https://www.sarayanews.com/article/478641

 

قراءة 1040 مرات آخر تعديل على الخميس, 20 حزيران/يونيو 2019 16:42