(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 07 آذار/مارس 2020 15:58

الأخلاق الإسلامية بين المسؤولية و الجزاء

كتبه  الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله
قيم الموضوع
(0 أصوات)
 

في التشريعات الوضعية تستطيع أن تتجنب كل أعمال الخير، و أن ترتكب كل المحرمات التي يبيحها القانون الوضعي كالزنا و شرب الخمر و القمار؛ دون أن تشعر بمسؤولية ما دمت لا تعرف الله و لا الدين، و دون أن تخشى الجزاء؛ لكن الأمر على العكس من ذلك في الإسلام؛ فالأخلاق ترتبط ارتباطاً عضوياً في المنظور الإسلامي بقاعدة أساسية هي:

لا أخلاق بدون التزام... ليس بالمعنى الإلزامي القانوني الظاهري فحسب، و لكن بالمعنى (الإلزامي الداخلي) الذي يواجه بقوة داخلية الانحراف العشوائي نحو الشهوات، أو نحو التقصير في الواجبات الأخلاقية، قال تعالى: ﴿ وَ لاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ﴾ [ص: 26]، ﴿ فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا ﴾ [النساء: 135].

و القوة الباطنية الملزمة، و هي تلك القوة الموجهة الفطرية، التي تستطيع أن تميز بين طريقي الخير و الشر ﴿ وَ هَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ ﴾ [البلد: 8]، و تضغط لترجيح كفة الخير ﴿ وَ أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40-41].

إن هذه القوة الباطنية تعتمد على أن في نفس كل إنسان طاقة نورانية يمكن له بالعقل الواعي البصير أن يشعلها (بأن يقرأ في كتاب فطرته النقية - ما سبق أن فطرها الله عليه -) و بعبارة أخرى فإنه عندما يرجع أشد الناس إلحاداً إلى سلطة العقل فإنه لا يفعل سوى الإنصات إلى ذلكم الصوت الإلهي الذي يتكلم في داخل كل منا، دون أن يذكر اسمه، و هو ينطق صراحة، عندما يتحدث إلى المؤمن) [1].

و يتصل بهذه الفكرة الأساسية الفطرية في التصور الأخلاقي في الإسلام و هي فكرة (الإلزام) فكرتان أساسيتان ناتجتان عنها، تستلزم إحداهما الأخرى، و هما:

أ) فكرة المسؤولية.

ب) و فكرة الجزاء.

فأما المسؤولية، أي التكليف بمعناه الإنساني العام، فتحدده تلك الآية القرآنية الكريمة: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72].

و يرى الدكتور (محمد عبد الله دراز) أن هذه المسؤولية تتفرع عنها ثلاثة أنواع من المسؤولية: مسؤولية دينية، و مسؤولية اجتماعية، و مسؤولية أخلاقية محضة، و يجمع هذه المسئوليات الثلاث تلك الآية القرآنية الكريمة التي تقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، و أما فكرة الجزاء، فتأتي كرد فعل طبيعي على الموقف الأخلاقي الذي التزمنا به و تحملنا مسؤوليته؛ بأعبائها الشخصية و الاجتماعية.

و أنواع الجزاء التي يقول بها باحثو الأخلاق الإسلامية ثلاثة:

1- جزاء أخلاقي يغلب عليه الشعور النفسي، كما أنه قد يساعد النفس على الاستزادة من الالتزامات الأخلاقية؛ فيكون هذا أيضاً نوعاً من الجزاء، و كما يقولون: (فإن الحسنة تلد حسنة)؛ كما أن المعصية تلد معصية. هذا بالإضافة إلى تلك السعادة الروحية التي تغمر النفس، حين تشعر بأنها أدت واجباً أخلاقياً، و لعل في حديث الرسول - عليه الصلاة و السلام - ما يؤكد هذا المعنى: (إذا ساءتك سيئتك و سرتك حسنتك فأنت مؤمن)[2].

2- جزاء قانوني: و هو جزاء يتمثل في الحدود التي جاءت بها الشريعة من قصاص و رجم وجلد و غيرها.

3- جزاء إلهي: و يتمثل في نوعين من الجزاء.

أ) جزاء دنيوي عاجل، و إن كان غير كامل؛ لأن الدنيا بطبيعتها غير كاملة: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97].

ب) و جزاء أخروي آجل، يمتاز بالوفاء و الكمال: ﴿ إِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 185]، ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 111].

و يقف وراء هذا البناء الأخلاقي الإسلامي ركنان أساسيان؛ يفرقان بينه و بين سائر النظريات الأخلاقية الوضعية، و هذان الركنان هما:

أ- النية، أي الباعث الداخلي.

ب- الدافع، أي الهدف و الغاية: (و نلاحظ ضمناً ارتباطهما بالجزاء الأخروي و بمراقبة الله).

فمهما تكن مادة العمل جميلة و طيبة المظهر، فإن افتقاد أي عمل، عبادة، كان أو معاملة، للنية السليمة الخيرة، و للهدف السامي العلوي، يجعلان أي عمل - مهما كان (أخلاقيّاً) - عملا نفعيّاً أو تجاريّاً، لا يمت إلى بناء الأخلاق الإسلامية بصلة. و عن الركن الأول: النية قال - عليه الصلاة و السلام -: "إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى"[3]، و عن الركن الثاني: الدافع قال صلى الله عليه و سلم عندما سأله رجل من الأعراب: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، و الرجل يقاتل ليُذكر، و الرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[4].



[1] محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، ترجمة: عبد الصبور شاهين، طبع دار الرسالة، ص36.

[2] المرجع السابق: فصل (الجزاء).

[3] رواه البخاري.

[4] (متفق عليه).

الرابط : https://www.alukah.net/web/aweys/11392/119157/

قراءة 967 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 11 آذار/مارس 2020 12:48