(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 06:42

الــغــلــــــو يــفــســد كـــل جــمـيــــل

كتبه  الأستاذ عبد العزيز كحيل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الغلوّ هو الزيادة عن الحدّ و تجاوزه، يشير إلى المبالغة و التطرف، وهو ضد الاعتدال و التوازن، يحدث في كل الفضاءات و الأعمال الإنسانية حتى التديّن، و قد ذمه الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم:
-قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَ ضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ – المائدة77.
-يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ- النساء 171.
-يا أيُّها النَّاسُ إيَّاكم و الغُلوَّ في الدِّينِ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ- ابن ماجة
إذا نظرنا في الدنيا حولنا وجدنا ان الله تعالى خلق كل شيء جميلا، الأشياء المادية و المعنوية (كالمشاعر) جميلة و إنما تفسد و تفقد رونقها بسبب الغلوّ فيها أي بسبب تصرف الانسان.
-السكّر، الملح، الدسم عناصر ضرورية لتغذية جسم الإنسان و منحها الطعم و الذوق، يفقد الطعان نكهتها بدونها، لكن الإكثار منها يسبب أمراضا خطيرة، هكذا يفسد الغلوّ الأشياء الجميلة، فهو يجعل من الشجاعة تهوّرا و من الصراحة وقاحة و من الجُبن La lâcheté حكمة (و ما هو بحكمة إطلاقا)…
– العقل نعمة كبرى و الغلوّ فيه يؤدي إلى الإلحاد أو الاستهانة بالوحي، و هذا الغلوّ خلْف لادينية الحضارة الغربية و كونها عوراء تنظر بعين واحدة، عرجاء تمشي على قدم واحدة، و خلف انحراف مثقفين ينتسبون للإسلام.
– الترفيه ضروري للحياة فإذا دخله الغلوّ فتح باب العبث و عيشة اللغو و التفاهة، و التهم الأموال الطائلة التي من المفروض ان ترفع المستوى المعيشي و توفر البنى التحتية و المرافق الضرورية للحياة.
– للتصوّف السنّي دور فاعل في تهذيب النفوس و تنمية الجانب الروحي و تنقية القلوب وفق منهج التخلية و التحلية لكن الغلوّ فيه يُخرجه عن نسق السنة و الجِدّ و يُحيله إلى رهباية و شطحات فكرية و سلوكية يرفضها الشرع، حيث قصر الدين على الأذكار –الشرعية و البدعية – و التسليم للظلمة و المحتلين، و سحب الاسلام من جنبات الحياة ليبقى فقط على مستوى الضمير و الممارسات الفكلورية، أي يصبح عائقا في طريق تقدم الأمة و مرتعا لما لا يرضي الله تعالى.
– الاشتغال بأمور العقيدة مقصد نبيل لكن الغلوّ فيه يُخرج المسلمين من العمل إلى الجدل، و يصبح التوحيد -و هو ركن الاسلام الركين – مجرد علم كلام يضرّ و لا ينفع، يمزق الصف المؤمن و لا يجمع الكلمة، كما نرى في واقعنا البئيس.
– الحب و البغض: هما من المشاعر الانسانية الأساسية، و قد أُمرنا بأن نجعلهما في الله، نحب محابه و نبغض مباغضه، فإذا خالطهما الغلوّ انقلبا إلى ضدهما، الغلوّ هو الذي جعل النصارى يؤلهون عيسى بن مريم -عليه السلام -، و جعل الشيعة يكادون يؤلهون أهل البيت -رضي الله عنهم -، و جعل اليهود يصفون المسيح بأقبح الأوصاف، و جعل ابن ملجم «يتقرب» إلى الله بقتل رابع الراشدين، لذلك ورد في الأثر: «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، و أبغض بغيضك هوما ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما».
– و قبل كل هذا الغلوّ مرفوض حتى في عبادة الله كما أرشد الرسول صلى الله عليه و سلم الصحابة الثلاثة حين رآهم بالغوا في العبادة إلى درجة الانقطاع عن الدنيا، و قال: «من رغب عن سنتي فليس مني» عَنْ أنسٍ -رَضْيَ اللهُ عنه – قال: جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوتِ أزْواجِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه و سلَّم -، يسْألونَ عن عبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه و سلَّم، فلمَّا أُخبروا كأنَّهم تَقالُّوها، و قالوا: أين نحن من النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه و سلَّم -؛ قد غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذنبِه و ما تأخَّر؟! قال أحدُهم: أمَّا أنا فأصلِّي الليلَ أبدًا، و قال الآخرُ: و أنا أصومُ الدَّهرَ و لا أُفْطرُ، و قال الآخرُ: و أنا أعتزلُ النِّساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه و سلَّم – إليهم فقال: «أنتم الذين قُلتُم كذا و كذا؟! أما و اللهِ إنِّي لأخشاكم للهِ و أتقاكم له، لكنِّي أصومُ و أفطرُ، و أصلي و أرْقدُ، و أتزوَّجُ النساءَ، فمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فليس مِنِّي» – متفق عليه.
و معلوم أن التوازن الميكانيكي -في عالم الفيزيا – يستمر ما لم تخلّ به قوة خارجية، أي النظام قائم في أصله على التوازن، بعيدا عن الغلوّ… فالاعتدال هو الحل.

الرابط : https://elbassair.org/10602/

قراءة 806 مرات آخر تعديل على الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 08:25