(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 03 تشرين1/أكتوير 2020 17:03

الملل الدعوي

كتبه  الأستاذ فتحي محمد يكن
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الملل و السأم و الضجر، من الظواهر المرضيَّة التي يمكن أن تصيب العمل الإسلامي و العاملين للإسلام، و قد تدفع بهم في النتيجة الى قعر الإحباط و اليأس!
و إنَّ أيَّ حالة ركودٍ و عدم تحرُّكٍ، و جمودٍ و عدم تطوُّرٍ، و قعودٍ و عدم تجدُّدٍ، ستنتهي حتمًا بالتوقُّف، و هي ستموت، و لن يُكتَب لها الحياة بحالٍ من الأحوال!
  
سبب ذلك أنَّ التجديد و التجدُّد، و التطوير و التطوُّر، سنَّةٌ إلهيَّةٌ لاستمرار الحياة.. و بدونها لا تكون حياةٌ و لا استمرار لهذه الحياة.. حتى الإسلام - و هو منهج الله تعالى و رسالته الخاتمة - تجري عليه هذه السنَّة، التي هي سبب استمراره و حفظه، و التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلِّ مائة سنةٍ مَن يُجدِّد لها دينها" رواه أبو داود، و رجاله ثقات.
 
الفصول الأربعة، هي حالة من حالات التجدُّد المناخيِّ اللازم لاستمرار الإنسان و الحياة.
 
تعاقب الليل و النهار هو حالة تجدُّدٍ عضويٍّ و معنويٍّ للإنسان و الحياة.
 
الحياة الأسريَّة، و العلاقة الزوجيَّة، لابدَّ لها من تجدُّدٍ حتى تستمرَّ متألِّقةً متجانسةً و سعيدة، و عدم حصول ذلك يمكن أن يفسخها و يدمِّرها.
 
إنَّ كلَّ ما في الكون من مخلوقاتٍ لا يمكن إلا و أن يخضع لهذا القانون الإلهيِّ ليتمكَّن من المحافظة على ديمومته و استمراره.
 
الإيمان نفسه - الذي يمثِّل حالة العافية العقديَّة لدى الإنسان - هو يخضع أيضًا لنفس المعادلة، و الحديث النبويُّ يؤكِّد ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم حيث يقول: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" رواه الطبراني بسندٍ حسن، و كان صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم يتنادون لتجديد الإيمان.
  
و الصلاة ما لم تتجدَّد من خلال تنوُّع القراءة، و تحسُّن التلاوة، و تنامي الحضور، يمكن أن تفقد طعمها و أثرها و بالتالي يُعطَّل دورها كأداة للتربيةٍ و وسيلة للتزكية، مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَر).
 
و إذا عدنا الى المشكلة المطروحة، و المتعلِّقة بالملل الذي يشعر به أحدنا إن كان مسئولاً عن إدارة مجموعةٍ و تعهُّدها بالتوعية و التوجيه، لطالعتنا نفس العلَّة، و مَثُلت أمامنا الأسباب.
 
فالشخص الذي لا يتغيَّر، و يبقى هو نفسه الذي يعطي و يتابع و يدير، بالرغم من تغيُّر المراحل و الظروف، سيكون مدعاةً لملل الآخرين منه و ملله منهم.
 
و الموجِّه و الخطيب و الداعية و المرشد الذي لا يقدِّم جديدًا سيكون مملاً في توجيهه و خطبته و إرشاده، و مثل هؤلاء كمثل الطبيب الذي إن لم يسعَ دائمًا و باستمرارٍ إلى زيادة ثقافته الطبيَّة، و متابعة مستجدَّات المهنة سيصبح تقليديًّا بالتالى، و يعيش على هامش الحياة الطبيَّة، و شأنه كذلك كشأن المهندس و المحامي و الصناعي و التاجر و المعلِّم و غيرهم إذا هم رضوا بواقعهم و لم يعملوا على التجديد و التطوير في إمكاناتهم.
 
إنَّه لابدَّ من إعادة النظر في المربِّي، و منهج التربية، و آلية و وسائل التربية، و في تغيُّر المكان و الزمان، فليست كلُّها سواء.
 
و فوق هذا و ذاك فمطلوبٌ من المربِّي، أن تكون تربيته بلسان حاله قبل لسان مقاله، ذلك أنَّ لسان الحال أوقع من لسان المقال، و صدق عليُّ بن أبي طالبٍ حيث يقول: "من نصَّب نفسه للناس إمامًا فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، و معلم نفسه و مهذبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس و مهذبهم".
و هذه المشكلة تعكس حالة الجمود و عدم التجدُّد في واقع العمل الإسلامي المعاصر، فضلاً عن التخلُّف عن واقع العصر و عدم الأخذ بالأسباب و الإمكانات المتوافرة فيه.
 
إنَّ السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربويَّة و الدعويَّة، و بذلك تبقى "التربية" استفادةً بدون إفادة، كما تبقى "الدعوة" أخذًا بدون عطاء.
 
أمَّا المنهج الإسلامي - قرآنًا و سنَّةً و سيرةً و تاريخًا - فيَعتبر العطاء ثمرة الأخذ و التلقِّي، مصداقًا لقوله صلى الله عليه و سلم: "بلِّغوا عنِّي و لو آية" رواه البخاري و الترمذي.
 
و هل أدلّ على هذا المعنى من قوله تعالى: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)؟.
 
و في ضوء هذا التصوُّر تصبح "التربية" كما "الدعوة" مفرداتٍ في إطار "المشروع الإسلاميِّ" الذي يهدف إلى إصلاح و تغيير الواقع الاجتماعيِّ، كما يصبح لكلِّ فردٍ دوره في هذا المشروع.
 
النظريَّة التربويَّة:
 
إنَّ هذه الاعتبارات الموضوعيَّة و غيرها تفرض على الحركة الإسلاميَّة أن تعمل على إعادة النظر في نظريَّتها التربويَّة، و تعمد إلى تطويرها بما يتكافأ و الدور الموكول إليها.
 
إنَّ النظريَّة التربويَّة للمشروع الإسلاميِّ يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة تربية الأمَّة، و إلى نظريَّةٍ تصلح لأن تُبنى عليها السياسات التربويَّة في المؤسَّسات الأهليَّة و الرسميَّة على حدٍّ سواء.
 
النظريَّة الدعويَّة:
 
و ما يُقال عن ضرورة إعادة النظر في النظريَّة التربويَّة يجب أن يُقال كذلك في النظريَّة الدعويَّة، تربيةً و خطابًا و أداءً و نهجًا و وسائل و آليات.
 
لم يعد جائزًا بقاء الدور الدعوي محصورًا في خطبة الجمعة و المناسبات التاريخيَّة - على كبير أهمِّيتها و قيمتها - فالمجتمع من حيث المساحة يتعدَّى مساحة المسجد و القاعة أو المنتدى، و الدعوة يجب أن تصل إلى كلِّ موقعٍ و تبلغ كلَّ قطاع، ليتحقَّق الشهود العام على الناس، أفرادًا و مؤسَّسات، (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
 
و النظريَّة الدعويَّة - منهجيَّة و مادَّة - غير محصورةٍ بطبقةٍ معيَّنةٍ من الناس، فهي ليست وظيفة علماء الشريعة وحدهم - على سبيل المثال - و إنَّما هي وظيفة الجميع في كلِّ مواقعهم و اختصاصاتهم و منابرهم.
 
من خلال هذا التصوُّر يبقى المسجد منبرًا دعويًّا رئيسيًّا، مضافًا إليه المنبر التعليميُّ "المدرسيُّ و الجامعيُّ"، و المنبر الإعلاميُّ، و المنبر الاجتماعيُّ الخيريُّ، و المنبر النيابيُّ و السياسيُّ، و سائر المنابر الأخرى.
 
إنَّ النظريَّة التربويَّة و الدور الدعويَّ يجب أن يتجاوزا حدود الشريحة الإسلاميَّة الواحدة ليبلغا آفاق الأمَّة الإسلاميَّة، فضلاً عن آفاق العالم أجمع، تحقيقًا لعالميَّة الخطاب القرآني الدعوي: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَ إِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).

الرابطhttps://eyooon.net/view.aspx?id=340

قراءة 789 مرات آخر تعديل على الأحد, 04 تشرين1/أكتوير 2020 08:21