(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 24 تشرين1/أكتوير 2020 09:58

نعيما لا ينفد

كتبه  الأستاذة كريمة عمراوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و بارك على عبده و رسوله و على آله و صحبه و من اهتدى بهديه إلى يوم الدين و بعد:

هذه فقرة من دعاء النبي صلى الله عليه  و سلم " أسألك نعيما لا ينفد" من حديث عمار بن ياسر، من الأدعية العظيمة المشتملة على النعيم الباقي الذي لا نفاد له و لا انقضاء، و النعيم هو كل لذة يتنعم بها الإنسان مع انشراح النفس. و لكل عضو لذة، للعين لذة، و للأذن لذة، و للجوارح لذة، و أعظم لذة هي لذة القلب و هي تغلب غيرها، و لهذا قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه :" ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد رسولا" رواه مسلم. فأخبر أنه يجد لذة و ذوقا. اللذة بالقلب هو ما يجد القلب من الانشراح و الطمأنينة، و من هذا ذكر الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، و من ذلك تلذذ القلب بالمباح، و هذه اللذة لا يؤجر عليها الإنسان و لايعاقب، و هناك تلذذ بالمعصية، لكنها ما تلبث حتى تصبح حسرة و ندامة، و لهذا أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الإيمان كالظلة فوق الرجل، إذا عصى ارتفع، و إذا أقلع عن الذنب عاوده، و هذا مما يدل على أن الإيمان إذا رجع إلى القلب زاد، و إذا زاد ندم العاصي على معصيته، و لهذا يلوم نفسه بعد المعصية لوما عظيما، و يقسم الأقسام المغلظة على أن لا يعود إليها، و ليس هناك لذة أسرع زوالا من لذة المعصية، فما يلبث العاصي بعد المعصية حتى يجد حسرتها، و يجد ندامتها. و أما المباح فإن الإنسان يتلذذ به،  و لكن ما من شيء يفرح به و يتلذذ به في الدنيا إلاّ و له انقضاء، أما اللذة الباقية فهي لذة المؤمن بالإيمان، كونه يجد حلاوة الإيمان، و حلاوة العبادة، و لذة المناجاة لربه عزّ و جل، و هذه اللذة المذكورة تحصل في الدنيا، أما اللذة التي تحصل في الجنة للمؤمنين فهي مما أعد الله لهم من النعيم المقيم، و تلذذهم بأنواع الملذات التي خلقها الله لهم في الجنة، و هي دون اللذة الأخرى و هي لذة النظر إلى وجه خالقهم عزّ و جل، فهي لذة ليس فوقها لذة، و لهذا أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنه ما أعطي أهل الجنة أقر لأعينهم من النظر لله عزّ و جل، قال تعالى : [ للذين أحسنوا الحسنى و زيادة] و الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم عزّ و جل، و هذه اللذة تقابل لذة العبادة في الدنيا، فإنها من جنسها، فالعباد لهم تلذذ بخالقهم مرتين، مرة بعبادته في الدنيا، و بمناجاته، و بالعلم به، و بالفرح بما أنعم عليهم من الإيمان، و مرة يوم القيامة عندما ينظرون إليه و يتلذذون بالنظر إلى وجهه عزّ و جل، و النعيم الذي لا ينفد هو الذي من جنس الطاعة، فكل لذة كان مرجعها إلى طاعة الله فهي لا تنفد، و لا تنتهي، و لا تذهب، فمعنى نفد الشيء انتهى، و انقطع، و النعيم الذي لا ينفد هو نعيم الآخرة قال تعالى :[ ما عندكم ينفد و ما عند الله باق] فنعيم الجنة باق، و ما عند الله من الأرزاق باقية و ما عند الناس ينفد و ينتهي، و قال تعالى:[ و هذا رزقنا ماله من نفاد] و هو ما يرزقهم به في الجنة.

[أكلها دائم و ظلها] بخلاف ظلال الدنيا تذهب بحركة الشمس، حتى إذا زالت الشمس ذهبت الظلال، و لكن أيضا ما ينبغي أن ينبه إليه أن من النعيم الذي لا ينفد نعيم العبادة و الطاعة، فإنه لا ينفد يبقى مع الإنسان حتى يموت، و لهذا هو يجد حلاوته في الدنيا، و إذا وضع في قبره وجد ما أعدّ الله له، و يرى منزله من الجنة، و يتلذذ بما قدم، و إذا حشر فإن له لذة و سرور بعبادته، و لهذا ينادي :[ فأما من أوتي كتابه بيمنيه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه. إنّي ظننت أني ملاقي حسابيه. فهو في عيشة راضية] 19.20.21 الحاقة.

فهذه العبادة لا تنقضي لذتها حتى في القبر، حتى في المحشر، إلا أن يدخل المؤمن الجنة فيتلذذ بأنواع الملذات الأخرى التي لم تكن معلومة لديه، و ما لم يخطر له ببال قال تعالى:[ فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ].

فلذة العبادة لا تنقضي، و لا تنقطع، و لا تمل، فالملاحظ أن ما من لذة إلاّ و لها انقضاء، إلاّ لذة العبادة، فأنواع اللذات يأتي على الناس زمن يملّون اللذات الشهوانية المتعلقة بالأكل، و الجماع، كما يعلم ذلك الكثير من الناس.

سمع النبي صلى الله عليه و سلم ابن مسعود ليلة و هو يقول :" اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد و نعيما لا ينفد، و رفقة محمد في أعلى جنة الخلد " لأن الإيمان الحقيقي هو ما مات عليه الإنسان، المؤمن الحقيقي هو من عاش على الإيمان، و لقي الله بالإيمان، و لهذا من دعاء يوسف عليه السلام : [ توفني مسلما و ألحقني بالصالحين] يوسف 101

فهذا هو الإيمان الذي لا يرتد، و نعيما لا ينفد، و هو نعيم الجنة، و كذلك ما يحصل للمؤمن بعبادة الله في الدنيا، و مرافقة النبي صلى الله عليه و سلم في أعلى جنة الخلد، و كل أهل الجنة يخلدون فيها، لكن النبي صلى الله عليه و سلم في درجة عالية و هي الوسيلة، و هي مرتبة لا تكون إلاّ لعبد واحد صالح و هو النبي صلى الله عليه و سلم، فكما أن أقرب الناس من الله في الدنيا بالعبادة، فإن الجزاء من جنس العمل، فهم أقرب من الله في الجنة، فإن سقف الفردوس الأعلى هو عرش الرحمان، و النبي صلى الله عليه و سلم أقرب الناس منزلة يوم القيامة.

قال النبي صلى الله عليه و سلم لابن مسعود رضي الله عنه:" سل تعط" يعطيك الله عزّ و جل ما سألت نسأل الله تعالى أن يعطينا ما سأل النبي صلى الله عليه و سلم، و ما سأل ابن مسعود رضي الله عنه.

 

قراءة 774 مرات آخر تعديل على الأحد, 25 تشرين1/أكتوير 2020 09:59