(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 26 حزيران/يونيو 2021 11:26

موسى و الخضر: الشرع و القدر (العقل في مواجهة الغيب)

كتبه  الدكتور سلمان بن فهد العودة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

صور الأطفال و هم يموتون أو يختنقون بالغاز، أو يعانون الأمراض المستعصية كثيراً ما هزّت وجدان قلب، و حيّرت إيمان عقل، لماذا يحدث هذا؟ أين الحكمة؟ أين الرحمة؟ هل من حق الإنسان أن يسأل؟ و يسأل مَنْ؟   في قصة موسى و الخضر مفتاح الجواب! في قلوب الكثير منَّا فرعون صغير؛ يصيح كلما واتته فرصة: { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (24:النازعات).. و يظن أنه بكل شيء عليم، و على كل شيء قدير! و يحتاج إلى موسى ليهتف به: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَ أَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (18،19:النازعات)، الخشية تواضع العبودية لكبرياء الربوبية!   و لذا كان السجود قمة التواضع، و ذروة العبادة. عزف موسى عن أبهة القصر، و عاهد الله على البُعد عنها، و قرر أن يقف مع الضعيف المغلوب، ليُحارب عنصرية الفراعنة ضد بني إسرائيل المستضعفين، بدل الاقتصار على طرح الأسئلة و التذمر والإحباط  و أدرك بفطرته طبيعة مجتمع ذكوري لا يلتفت لمعاناة امرأةٍ ضعيفةٍ فوقف في صف الفتاتين بجهده المقدور، و سقى لهما غير آبه بالعيون التي ترمقه باستغراب و تشكك..  

و خاض المعركة الكبرى ضد الطغيان إلى جوار القوم المستضعفين، و كان القائد المنقذ، كما خاض معركة الإصلاح للمستضعفين ضد نقائصهم و حماقاتهم و قابليتهم للظلم. و هو في كل مرة يبرز أن العمل الإيجابي هو الحل حتى حين تكون الكوارث واسعة النطاق. المرَّة الوحيدة التي أُثر أن موسى قال فيها (أنا)، هي حينما سأله رجل و هو على المنبر: مَنْ أعلم أهل الأرض؟ قال: أنا! و هذه الـ(أنا) لم تكن من شأن موسى؛ لأنه لا يجزم بذلك، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ و كان جديراً به أن يقول: لا أدري الله أعلم.   فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.. و هو الخَضِر. موسى كان أفضل، فهو رسول من أولي العزم، و الخَضِر نبي عنده علمٌ بالقدر من عند الله لم يطَّلع عليه موسى في قراءة الأحداث، و كأن القصة أمثال ضُربت لموسى، و في طيَّاتها إشارة لسرعته في الجواب عن سؤال: مَنْ أعلم الناس.  

موسى يمثل (الشريعة) الواجبة الاتباع، و الخَضِر يمثل (القدر) الخفي؛ الذي يفسر ما وراء الأحداث من الحكم و الأسرار الربانية بما يجعل قارئ الحدث يتلمّس أبعاداً غير مرئية لما يجري في الكون من المحن و المصائب و قتل الأطفال و تسلط الظالمين، إنه السؤال عن (الشر) الواقع في حياة البشر، و الذي طالما كان سبباً في شك الناس و تساؤلهم عما وراء الحدث.  

قصة حياة موسى، و قصته مع الخَضِر تلهم المرء أن يفتش في حياته التي عاشها أو فيما حوله عن نظائر تشبه و لو بوجه ما.. بعض الأحداث الكبرى العالمية و الكونية؛ ليطمئن قلبه إلى عظمة الحكمة الإلهية حتى فيما يجهل تفصيله، دون أن يعفيه هذا من مدافعة القدر بالقدر؛ كما يعبّر الفاروق الملهم عمر. و يأتي تعريف الخَضِر بأنه عبد من عباد الله؛ إشارة إلى نمط من الأولياء رُزقوا كمال الرضا و التسليم، و أدركوا بعض أبعاد الحكمة الإلهية فيما تجري به المقادير.  

لم يصبر موسى على التعلُّم من الخَضِر كما وعد، فعاتبه على خرق السفينة؛ خيفة أن يغرق أهلها، و كأن هذا تذكير له بإلقائه في اليَمِّ و هو رضيع؛ لا ليغرق، و لكن ليسلِّم بإرادة الله و تدبيره من بطش الطاغية فرعون.. على أن موسى قاوم طغيان فرعون حتى انتصر عليه، و الخَضِر اكتفى بحماية السفينة و الحفاظ على مال المساكين، الشرع ليس نقيضاً للقدر، و محرَّم أن نحتجّ بالقدر في وجه الدعوة إلى الإصلاح و التدارك.  

لم يصبر موسى على قتل الغلام الفاسد فأنكر على الخَضِر قتله، و كأن هذا تنبيه على أن قتل فرعون لأولاد بني إسرائيل و إن كان جرماً إلا أنه قَدَرٌ إلهي له أسراره و أبعاده التي لا يُحيط بها إلا من آتاه الله من لدنه علماً، و من رحم المعاناة ينبثق النور.   و لعله تنبيه لموسى على قتل القبطي؛ الذي لم يؤمر بقتله، و أن من ورائه سراً إلهياً لا يعلمه موسى، و ربما لو عاش لأرهق من حوله طغياناً و كفراً أو كان عائقاً عن دعوة الحق، و هذا يُخفف من لوعة موسى من تلك الفعلة، و ربما يَحدُث العكس فيسبق الأجل إلى إنسان رحمةً به و لطفاً: «وَ إِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» (رواه الترمذي).  

لم يصبر موسى على إقامة الجدار بغير أجرة لغلامين يتيمين من أهل قرية أبوا أن يضيفوهما، و هذا نظير ما فعله موسى للفتاتين الضعيفتين في أرض مدين و كان أبوهما (مِنَ الصَّالِحِينَ)، حيث كان موسى غريباً طارئاً لم يجد الحفاوة، و لذا دعا ربه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24:القصص).. و كان خاتمة اللقاء بينهما هذا الموقف الذي يختلف عن سابقيه بأن للنفس فيه بعض الحظ، و لذا أعلن الخضر أنه ختام الرحلة و آية الفراق!   تنجو سفينة من ظلم ظالم لعطبٍ مفتعل في طرفها، و يموت غلام بقدرٍ و هو بريء زكي في نظر العين، و يحفظ كنز لآخرين بتسخير قدري، و يظل العقل قادراً على استيعاب وجود أسرار و مقاصد لا تبدو لأول وهلة، و ربما يتأخر الإفصاح عنها لجيل كامل، و يظل العقل عاجزاً عن فهم بعض التفصيلات الخفية وراء الأحداث المؤلمة وقت حدوثها.

  تميز موسى بقدرة عالية على التوفيق بين الشرع و القدر، فحين رأى قومه صرعى قد أخذتهم الرجفة قال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}؟ (155:الأعراف). فهم طلاقة المشيئة الإلهية، ثم لهج بالدعاء و التضرع و الاسترحام.. و هو ما يحتاجه كل مؤمن؛ ليحافظ على سكينة روحه في حلو الحياة و مرّها. حينما يحضر موسى في عقلك بأسئلته عليك أن تبحث عن الخضر في قلبك كأجوبة له.. و حينما يحضر الخضر بغيبه و تسليمه في منهجك عليك أن تبحث عن موسى في بحثه و استقصائه في حياتك.. و يوم أن تغلق الطرق في عينيك ابحث عن الآفاق بقلبك.. السجود و الدعاء و التأمل مرايا الحياة الواسعة..
الرابط : https://ar.islamway.net/article/72442/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B6%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%8A%D8%A8

قراءة 646 مرات آخر تعديل على الإثنين, 28 حزيران/يونيو 2021 17:56