(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 10 تموز/يوليو 2021 10:12

وصفة لذوي القلوب الحيّة

كتبه  الأستاذ عبد العزيز كحيل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 "جدّد السفينة فإن البحر عميق،و خذ الزاد كاملا فإن السفر طويل، و خفّف الحمل فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير."

أربعة أدوية نافعة أوصى بها أحد أطباء القلوب المهرة العارفين، تأملوا كلماتها المؤثرة : عميق، طويل، كؤود، بصير... ألفاظ قوية تقرع الأسماع و تلامس شغاف القلوب لأنها تناسب المقام، مقام التذكير بالسير إلى الله و ما فيه من امتحانات الدنيا و فتنة العمل الصالح و القبيح و شناعة الذنوب و مراقبة الله المستمرة للعبد في غدوّه و رواحه و جميع أحواله.
1.   جدّد السفينة فإن البحر عميق : لقطع المحيط بين أروبا و أمريكا – مثلا – تحتاج السفينة إلى تجديد révision أي التأكد من سلامة المحرك و مختلف الآلات و الزيوت و توفير الوقود اللازم لأن لجّة البحر لا تتسامح مع العطب، و الرحلة طويلة شاقة مضنية.
فكيف بمن يقطع الأشواط في سفره إلى الآخرة حيث الجنة و النار، أليس عليه أن يجدّد الإيمان الذي يحمله إلى الضفة الأخرى بأمان في خضمّ دنيا غلابة كثيرة التقلبات ؟ لا بدّ من تجديد إيمانٍ يزيد و ينقص و يرتفع و ينخفض و يقوى و يضعف، و وسائل التجديد هي تحسين العلاقة بالله و مراقبة حال القلب و العقل و الحواسّ، و الإكثار من التوبة و الاحتكام العملي إلى القرآن و السنة في الحياة الأسرية و الاجتماعية و دوام ذكر الله و الاستعداد للقائه، هذا الذي يمكّن المسلم من العبور بأقلّ التكاليف و الوصول بأمان.
2.   و خذ الزاد كاملا فإن السفر طويل : " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " – سورة الانشقاق 6، ليست رحلة الحياة نزهة ممتعة و لا نهاية أسبوع سهلة العبور، إنها العمر الذي مهما طال أو قصر فيه تكاليف ترهق الانسان، فلا بدّ له من مؤونة مناسبة للرحلة الطويلة الشاقة، و هي ليست هنا المأكل و المشرب و المال و لكنها العمل الصالح الذي يدرّ الثواب و الحسنات لأنها وحدها العملة السارية يوم القيامة، و ربّ حسنة واحدة ترجح الكفة فينجو صاحبها و ربما تنقصه حسنة واحدة فيهلك، كما قال الأول " لا تسأل عمّن هلك كيف هلك و لكن اسأل عمّن نجا كيف نجا "، لذلك قال ربنا عز و جلّ " و تزوّدوا فإن خير الزاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب " – سورة البقرة 197
فيا فرحة من تزوّد من الفرائض و النوافل و أنواع الخيرات، و يا حسرة من اشتغل بالفانية و تناسى أمر الباقية حتى يباغته الموت فيُعرَض على ربه خاوي الوفاض.
3.   و خفّف الحمل فإن العقبة كؤؤد : كيف يكون حال راحلة – ناقة، حصان، سيارة، حافلة – تقتحم عقبة صاعدة صعبة و هي تحمل أكثر من طاقتها ؟ إنه الهلاك من غير شكّ، و العاقل يخفّف حملها حتى يقدر على تجاوز العقبة، و كذلك الحال بالإنسان الذي يتحتّم عليه مكابدة إكراهات الحياة الدنيا و مصاعبها " فلا اقتحم العقبة " – سورة البلد 11، و المقصود بالحمل هنا الذنوب و المعاصي و المخالفات الشرعية، هي التي تُعرقل السير و تقصم الظهور و تحول دون الوصول الآمن، و أما المسلم المتيقظ فيغتنم الفرص المتعددة ليمحو ذنوبه و يبدّل سيئاته حسنات بالتوبة و الاستغفار و فعل الخيرات و إرضاء الله و اتّباع رسوله صلى الله عليه و سلم : " إن الحسنات يذهبن السيئات " – سورة هود  114 - " و أتبع السيئة الحسنة تمحُها " – حديث رواه الترمذي.
بهذا يخفّف الحمل فيقطع أشواط الرحلة بيُسر و يكون حسابه بين يدي الله يسيرا، أما من فوّت الفرص و تغافل عن التخفّف أفضى به المسير إلى سوء المنقلب : " و أما من خفّت موازينه فأمّه هاوية و ما أدراك ماهيه نار حامية " – سورة القارعة 11.
4.   و أخلص العمل فإن الناقد بصير : هذا بيت القصيد و قطب الرحى في صلة الانسان بربّه، الخطوة الأولى هي تحرير النية و الصدق مع الله، و العبرة ليست بكثرة الأعمال و إنما بنوعيتها " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا "، و الإخلاص سرّ في قلب من رضي بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا و رسولا، يُنمّي العمل القليل و يحبّبه إلى الله تعالى الذي لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا و صوابا، و النية الحسنة تصاحب المؤمن في حركاته و سكناته فتجنّبه الرياء و تقرّبه إلى ربّه زلفى، و العبرة إذًا ليست بعين الرئيس على مرؤوسه و لا المفتش و لا المراقب إنما العبرة بعين الله التي لا تنام، إذا استشعرها المؤمن و هو في عمل أخروي او دنيوي كان أدنى إلى الصدق و الإحسان عاطفةَ و أداءَ، و هنا مرضاة الله تعالى.
فهل من مقبل بجدّ على تناول هذه الوصفة ليستوي على منهاج القاصدين و يرتقي في مدارج السالكين ؟
قراءة 860 مرات آخر تعديل على السبت, 10 تموز/يوليو 2021 12:05