(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 02 April 2015 06:57

من أجل هذه الكلمات....

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

تظل الكلمات هي الوجه الأوضح و الأصدق للتعبير عما نحمله من أفكار، و ما نؤمن به من عقائد و قيم بكل دقة، و الأكثر شفافية و إيحاء عما تحتضنه جوانحنا من يقينيات تمتلئ بها نفوسنا و تستيقنها ، و تبقى صدى يتردد بكل ثبات و رتابة و إصرار، معبراً عن مدى إيماننا بمعتقداتنا و استعدادنا للتضحية من أجلها، و حماية أهدافها و الصبر على تكاليفها و متطلباتها .

و بقدر ما نحسه تجاه هذه الكلمات من تقدير و تصديق، و بحسب ما نتوقعه من روعتها و قدرتها على الارتقاء بنا كبشر مكرمين تكون تضحياتنا و ثباتنا على هذه الكلمات.

و الكلمات و الحال هذه لابد و أن تكون ثمينة و عزيزة و  صادقة و آسرة للوجدان، و مطمئنة للأفئدة الوجلى، و النفوس المضطربة و لكي تكون أهلاً للافتداء و الاتباع، لا بد لها أن تكون مقدسة في سويداء القلوب مستقرة بها، لا تستطيع النفس الهمس حتى مجرد الهمس بتركها و التخلي عنها أو استغلاء أي غال في سبيل علوها و امتدادها و بسطها وارف ظلالها على كل مكدود ضانك ملهوف مظلوم .

و تتألق الحقيقة بكل تجلياتها لنخلص إلى أنها لابد و أن تكون كلمات الله التي لا يأتيها الباطل و لا يمر من خلالها و لا يقدر على محوها زمن و لا طاغوت و لا متجبر متكبر، و لا حتى تجرؤ على تجاهلها و الاستخفاف بها نفس سوية عاقلة مدركة متفكرة .

و يحدثنا التاريخ بكل قرونه الممتدة، و طيات صفحاته الممتابعة و عبره المتعاقبة عن أناس دفعوا حياتهم و هم يستقلون بها، و بذلوا أرواحهم و هم يسترخصونها ، ثمناً لهذه الكلمات المقدسة ،التي ارتقت بالإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية و أذاقته حلاوة العدل بعد مرارة الظلم و أخذت بيده عبر المتاهة الظلامية البشرية إلى آفاق النور الرباني المشرق الواضح الفطري الجميل.

يحدثنا التاريخ عن امرأة في مقاييس الجاه أمة مملوكة، و في مقاييس الصور سوداء، و في مقاييس الأملاك و الأطيان معدمة، و لكنها في مقياس الإنسانية النقي الحقيقي إنسانة ممتلئة بإنسانيتها كريمة النفس متفكرة الفؤاد، لامست كلمات الله وجدانها فالتقطتها، و تمسكت بها، و قد أدركت أنها طوق النجاة الذي بحثت عنه طويلا، ليرفعها على أجنحة الوحدانية المكرمة إلى أعلى مراتب السمو و الكرامة، و رددت تلك الكلمات الخالدة خلود الأبد " لا إله إلا الله " .

و استشعرت لذة القرب بعد الفقد، و عزة الجانب بعد الذلة، و خفة التحليق في أفق الحرية بعد ثقل الأغلال، و وجدت في ترداد هذه الكلمات حنين روحها و برد راحتها، فاحتضنتها بكل جوارحها و قد نسيت ما سواها من الكلمات الفارغة الجوفاء.

و حين راودها الطغاة عن دينها و ربها و كلماته المقدسة الغالية، تلفتت حولها فإذا هي أم تحنو على فتاها الذي اختار نفس الاختيار، و اعتنق ذات الدين، و ترنم بذات الكلمات، ثم التفتت مرة أخرى لترى الزوج الحاني، و قد أثقلته السنون و تبعات الجاهلية، و مرهقات الغربة، و ضحكت مشاعرها، و سمت روحها، و امتزجت مشاعر الامومة و الحنو، و المحبة و الود، بمشاعر الفخر و الرضى، و الخوف الطبيعي الأمومي، فطافت بها طائفات شتى ،و وجدت نفسها تقارن بين الأمومة و خالقها، و بين العاطفة و مسخرها، و بين المودة و ملقيها في القلوب.

فلا ترى فيها سواه فتسكن إليه روحها و تنحاز إليه تعابيرها فتنطلق كلمات التوحيد ردا قاطعا و تبحث في مواثيق ربقة الجاهلية و إصرها، و تقارنها بنور الإسلام و عدله، بين تلك الكلمات الخرقاء التي تمجد حجارة و جمادات و كل فان مهين، و بين هذه العبارة الرحيبة و الصادقة المهيبة، الباعثة للحياة في أرواح ماتت فيها كل إشراقات الحياة.

فلا تأخذها مسيرة المقارنة طويلاً فالاختيار واضح لكل ذي لب لبيب، و الكلمات العظيمة أغلى من كل ماتملك و من تحب، و اسمى من كل المشاعر و الأحاسيس ما تحسه و تلمسه و تعيش في ظله، منذ آمنت بأنه لإله إلا الله، فاختارت الموت الكريم على الحياة المجردة من روح الحياة، موقنة بأنه السبيل إلى الكرامة و الخلود، فخلدت " سمية " ذكرا و بطولة و مثلاً و فازت بسبق الإستشهاد. و يحدثنا التاريخ عن رجل عالم أديب توصلت نفسه غلى اعماق الكلمات الربانية، و تشربتها روحه الطيبة.

و تمثلها سلوكا و فكرا فحورب لأجلها و سجن و حكم عليه بالموت ظلما و عدوانا و فرعنة حتى إذا آن أوان الاستشهاد من عليه الطاغوت بمن يذكره و ياللسخرية أن يذكره بالكلمات التي يحكم عليه بالموت لأجلها، فيلتفت إلى الشيخ المعمم و قد طلب منه النطق بالشهادتين.

يلتفت إليه بكل اطمئنان المؤمن و أدب الأديب و سكينة من يحس بأنه يقف على عتبات الواحد القهار العادل، و بكل ثقة الراضي برضى ربه قائلا :{و هل تراني جئت إلى هنا إلا من أجل هذه الكلمات}.

فخلد سيد قطب مثلا و علما و أدبا و ثباتا و شجاعة و صدقا و خاب الفرعون و استنزل على نفسه اللعنات و أفضى إلى ما قدم.

و يحدثنا التاريخ و آه من حديث التاريخ حين يجنح به الريح إلى منازل العبر و العظات يحدثنا عن فرعون حين أصر على كلماته الخاسرة و صدّق كذبته التي ألقاها في روعه شيطان الكبر و طاغوت الجاه " أنا ربكم الأعلى " فدارت عليه كأس السنن فشربها " فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى " .

و يحدثنا التاريخ عن أمة عاشت في ظل كذبة كبرى مبنية على كلمات مكذوبه فأحرقت البلاد و أهلكت العباد ،و استباحت بيوت الله و حرماته ، و داست القيم و سرقت الأوطان، و زورت التاريخ و علت في الأرض بغير الحق، و أسرفت في ظلمها و علوها، و لم تلق بالاً لتلك الكلمات المقدسة المتوعدة الصادقه الربانية " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم ".

كل هذا و هي تدعي " نحن أبناء الله و أحباؤه " و تظل الكلمات مداراً يسير في مساره يعبر فيه أهل الصدق عن صدقهم، و يتلاعب فيه شيطان الكذب بأوليائه، و تبقى النفوس الرحبة المطمئنة الرجّاعة إلى ربه، ا تدفع راضية مرضية ثمن ولاءها لكلمات الله الخالدة؛ لأنها تستحق التضحية.

كيف لا و هي  النبع الفياض الدائم العصي على النفاد الماضي دون تراجع و لا تغيير و لاتبديل، و كيف يتبدل العدل و بم؟ و كيف تنفد الرحمة و الرزق و العطاء و لم؟

" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا " فتبقى كلمات الله هي الكلمات التي من أجلها تقبل الأرواح على الموت و هي مستبشرة بصدق الوعد و رحمة الواعد و روعة اللقاء " اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ".
 

http://www.denana.com/main/articles.aspx?selected_article_no=11118

Read 1417 times Last modified on Sunday, 26 March 2017 12:17