(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 26 آذار/مارس 2017 18:56

رؤية نقدية في مسيرة الإعلام الإسلامي

كتبه  الأستاذ محمد الأمين المقراوي الوغليسي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

النقد وفق ضوابطه و أطره و أدبياته، و من أهله؛ ضرورة حضارية، و فريضة شرعية، لا تُضَيِّق من مساحتها الظروف و الأحوال الصعبة، و لا تلغيها مكانة شخصية عامة أو خاصة، فهو مطلوب في أوقات الحرب كما في أوقات السلم، و يخطئ من يعتقد أن النقد يجب أن يختفي عند الأزمات باعتباره مشغلة و مضيعة للوقت، و هذه نظرة سطحية تخالف حقائق ثابتة في نصوص الوحي، من وجوب ممارسة الإصلاح و التغيير و النقد الذاتي، و التمسك بالمراجعة الذاتية لا يمكن أن نقفز عليه بحجة أننا نكشف عوارنا أمام خصوم شرسين يتربصون بنا الدوائر، بل إن شفافيتنا و صراحتنا مجلبة لرضا الله، و خطوة لنيل القبول بين المخاطبين، فالتعامل أولاً و أخيراً مع الله تعالى، و لا يمكن أن نلغي فريضة شرعية و حضارية بحجة عدم إعطاء الآخر فرصة للتشفي، مع أن هذا الآخر سيوجه سهامه في كل الأحوال، كما أن تغييب النقد و المراجعة سيعلم الأمة الخنوع و الرؤية الأحادية، و في كلا الأمرين شر، فالجيل الذي يربى على أن يغمض عينيه عن أخطاء رفقته و قادته في المسيرة لا يرتجى منه خير غداً.

واقع الوعي الإسلامي بعد الربيع العربي

من إيجابيات الربيع العربي أنه كان فاضحاً لشخصيات، و هيئات، و دول، و منظمات، لطالما قدمت نفسها على أنها طليعة الأمة العربية و الإسلامية في مسيرتها نحو التغيير و الرجوع إلى ريادة العالم، بعد أن أحسنت دغدغة مشاعر الأمة بشعارات المقاومة و الممانعة و القومية و غيرها، حيث أسقطت الموجة الأولى للربيع العربي أقنعة الكثير من العملاء و المنافقين، ما جعل الأمة الإسلامية تختصر مسافات زمنية هائلة في مسيرة الإصلاح و المواجهة من جهة، و من جهة ثانية نجت الأمة من الدوران في الحلقة نفسها، بعد أن ثبت اليوم أن العمل الصحوي ثم النهضوي في بعض أولوياته، كان ضحية مسارات رسمتها الأنظمة و معها أيادي النظام العالمي الحاكم، و لولا هذا اللطف الرباني، لطوت مسيرة العودة و الإصلاح عقوداً طويلة دون أن تصل إلى أهدافها، و لرحلت أجيال و أجيال قبل أن تكتشف حقيقة المشار إليهم.

غير أن الربيع العربي و ما تلاه من ثورات مضادة، ثم ظهور فكرة تقسيم العالم الإسلامي من جديد، بعد أن ألهمت الثورات المضادة الغرب المتيقظ و المتربص، و شجعته على المضي قدماً في إحياء خطة الشرق الأوسط الكبير، كشف قصور الوعي الإسلامي عن الإحاطة بآليات المجابهة، برغم مكانته المهمة؛ بسبب احتلاله مقدمة المواجهة، باعتباره العنصر الأقوى و الفعال في مواجهة المشاريع الغربية و الشرقية خلال العقود الماضية و اليوم، خاصة بعد أن جعل تحرير الشعوب الإسلامية من الاستبداد و الظلم، و الخروج بها من التبعية المهينة أبرز أولوياته، و قد تجلى القصور على الوعي الإسلامي في تسيير المواجهة الخطيرة ضد خطط التفتيت و التقسيم، على عدة مستويات، غير أن أخطرها ظهر جلياً في العمل الإعلامي، الذي بقي يراوح نفسه بين محاولة إثبات وجوده، و بين مقارعة المخططات العدوانية ضد المسلمين بعقلية التهوين، و نفسية التهويل، و لا شك أن العمل الإعلامي داخل الحقل الإسلامي راح ضحية تراكمات كثيرة لم تنل حقها من المعالجة في مرحلة الصحوة عندما دخلت الأمة مسيرة الانتهاض و النهضة بتلك الأخطاء و الإشكالات دون أن تعطيها حقها من الاهتمام و المعالجة، و هو ما ندفع ثمنه اليوم، فالتدين الأجوف، و القصور في التنظير على المستوى المتوسط و القريب، و الانهماك في قضايا فرعية رفعها أصحابها إلى قضايا مفصلية كبرى، و الغرق في اعتبار الوعظ الحادي الأول في مشوار استئناف مسيرة الحضارة الإسلامية الغائبة منذ قرون، و إهمال التمييز بين أفراد العمل الإسلامي عموماً، و عدم احترام التخصصات، و الخلط بين الممارسة السياسية و الدعوية، و تقديم العمل الخيري على العمل على بناء اقتصاد حقيقي، من خلال الاهتمام باقتصاد المعرفة و تهيئة رجاله لدخول معترك عالم المال و الأسواق، و الذي يعد عصب الحياة، من سيطر عليه تحكم في صناعة القرارات.

الإعلام الإسلامي في فخ الارتدادات

من الثغرات التي لم يتنبه لها العمل الإسلامي باكراً، أن التواجد في ضفة المعارضة، و ضفة بناء رجال الدعوة، أهمل بناء رجال الدولة، و لعل أبرز من نعنيهم هنا هم رجال السياسة و الإعلام، حيث استفاق العمل الإسلامي على قلة مخزونه من السياسيين و الإعلاميين، بسبب طول الفترة الكهفية، التي كانت ترى وجوب اعتزال العمل السياسي و الإعلامي، و الاكتفاء بالمسجد و العمل الخيري، و لعل المسؤول الأول عن الغياب السابق يرجع إلى قراءة وسائل التدافع الحضاري بنفسية الواعظ، بدل عقلية الإداري الفذ و السياسي المحنك، الذي يفترض فيه وعيه بخطورة المعركة، خاصة أن خصمه قد شحذ لها أقوى أسلحته الفتاكة، و نعني بذلك الآلة الإعلامية المحلية و العالمية الضخمة، التي أثبتت أن الإعلام يمكن أن يلعب دور المكابح داخل قطار أي ثورة، إذا لم يجد إعلاماً يساويه في القوة أو يفوقه، و لعل الفشل الذي حصل في إدارة مكتسبات الثورة المصرية خير دليل على ذلك، بعد أن سيّر العمل الإسلامي هذه المكتسبات بعقلية الاستكانة و المسامحة، بدل ذهنية المكايسة و المغالبة.

و من أبرز مظاهر ضعف الإعلام الإسلامي غيابه عن صناعة الفعل، بل إن المتابع له يجده ضحية لاعتبار نفسه مجرد مطارد للأزمات التي تظهر هنا و هناك، حتى صار من المألوف أن تراه يطارد كل ثغرة يفتحها عدوه، فيحسب أنه يخدم قضايا الأمة، و هو في واقع الأمر يسير بخطى ثابتة في مسارات صنعها العدو بإتقان و إحكام، فالعدو يعرف تماماً أن قوة المسلمين في روحهم المعنوية، و أن هزيمة هذه الروح، كفيلة بأن تجعل المسلمين يتخبطون في رسم صورة المشهد الحقيقي للأحداث، و من ثم اتخاذ سلوكات و ردات فعل لا يعرف عواقبها أحلمهم.

الإعلام الإسلامي و ممارسات اللطم

و مع تعدد الأزمة وصل الإعلام الإسلامي إلى مرحلة صار فيها مجرد بوق للأخبار، بدل التركيز على أسباب القضايا و الأزمات التي نعيشها، سار إلى اعتماد نظرية المؤامرة، و اتخاذ اللطميات سبيلاً للمواجهة، فصرنا نلوم الغرب و إيران على خططهما ضد الأمة الإسلامية، و ننفخ في قوتهما، حتى سرى اليأس في شباب الأمة، و تزلزلت معاقد الأمل التي كنا نزرعها في جيل الصحوة و النهضة.

و بدل تسليط الضوء على أسباب الذل و الهوان الذي نعيشه صارت ردات فعل الإعلام الإسلامي توحي للناظر بأن من نسميه عدواً ليس من حقه أن يخطط ضدنا و يحاربنا، و هذا من المبكيات، فالعدو سمي عدواً لعدوانه و طغيانه، و هل ننتظر منه غير المواجهة و الصراع؟!

إن القرآن الكريم و برغم تناوله لخصائص أعداء الإسلام، أثبت أن الهزيمة إن وقعت فإنما مرجعها إلى تفريطنا، و ظلمنا، {وَ مَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى٣٠] {وَ لا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال٤٦و بيّن السبب الرئيس للنصر: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد٧، فإذا كانت الأمة مشتتة ممزقة، تحكمها أنظمة تكيد لبعضها البعض، و تربطها علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني، و تحارب الإسلام السياسي المعتدل، و تنفي عباقرة الشعب، و تفرط في مقدراتها، فكيف نلوم العدو على تسلطه و نحن من أتحنا له الفرص لحربنا؟!

و إذا انشغلت الأمة السنية بتجريح بعضها البعض، و ضرب رموزها، و التنكيل بمشايخها و مفكريها المصطفين أصلاً مع شعوبهم، فكيف نرتجى الثبات و النصر؟ و قد أفرغنا الساحة من مختلف الطاقات و المواهب.

إن التركيز على العدو الخارجي، و إلصاق كل مآسينا به، عار لا يليق بالمسلم، المسلم الذي يقرأ في حله و ترحاله، و يومه و ليله آيات تبين أسباب الهزيمة و النصر لا يليق به أن يرضى بمجرد إنكاره لخطط أعدائه، و اتخاذ وضعية المندد، بل إن هذه الوضعية أحد أسباب الهزيمة، التي لا ينكرها عاقل.

الهروب من الحقائق ليس حلاً

و مما سبق نجد أن غرق الإعلام الإسلامي في اللطميات و البكائيات، هو هروب إلى الأمام، لن يغير واقعاً، فالتذمر و التسخط لم يكونا يوماً من وسائل التغيير و الإصلاح و المواجهة في حياة بقية الأمم، فكيف نقبل باعتمادهما وسيلة للمواجهة، و فينا نصوص الوحي التي ترسم مشهد النصر و الفوز؟ إن هذه الحيل النفسية، لن تقرب مخرج النفق منا و لو بقينا قروناً على هذه الحالة، و على من نتحايل أصلاً؟ هل نتحايل على خالق الأسباب و من دعانا إلى الأخذ بها و علمنا سبيل النصر و سبل الهزيمة؟ أم نتحايل على شعوب باتت تعرف عدوها الأول، الذي دون التحرر منه و من استبداده، ستظل تعاني تحت سيطرته؟ هل نحتال على العدو الذي يعرف أن ضعفنا هو أقوى سلاح بيده؟

إن الهروب من الحقائق بحجة أن المرحلة صعبة و معقدة، لن يفيدنا أبداً، فسنن الله لا تحابي أحداً، و هنا نذكر ما فعله رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما جمع أفضل من أنجبتهم بريطانيا من خبراء من أجل دراسة أسباب الهزيمة، و اكتشاف أسباب التفوق الألماني عليهم، و قد ظلت هذه النخبة شهوراً تحت الأقبية تدرس مكامن الضعف، و فواعل النصر، أما على المستوى الشعبي فلم يكن تشرشل يضيع وقته في شتم ألمانيا، و لم يبع شعبه الأوهام، بل خاطبه قائلاً: «لا أعدكم بشيء سوى مزيد من الدماء مزيد من الدموع مزيد من التضحيات»، و قد كانت النتيجة انقلاب الهزيمة إلى نصر، بعد أن أخذوا بأسباب النصر، و تجنبوا أسباب الهزيمة، فهل النصارى أولى منا بهذا الفقه؟!

الإعلام الإسلامي و المسؤولية التاريخية

إن العمل الإعلامي الإسلامي مطالب اليوم بتركيز جهوده على صناعة أسباب النصر، و كشف أسباب الهزيمة، بدل إنفاق الجهود في شتم العدو، فالعدو معروف، و خططه معروفة، لن تخرج عن هدم أحد الكليات الخمس، إن الإعلام الإسلامي مطالب أيضاً برفع الروح المعنوية بحق، و ذلك بربط الشعوب المسلمة بموعود الله لها بالنصر، بدل تركها تغرق في الواقع الصعب، مقطوعة عن استمطار المدد الرباني، و مطالب بالتركيز على نشر قيم الحرية التي جاء بها التوحيد، و العدل الذي جاء به الإسلام و التغريد به، و تحصين البناء الداخلي، من خلال التركيز على تربية الرجل المسلم المبدع، الصانع لقيم النصر و القوة و الجمال، الذي يحسن المناورة و المواجهة دوماً.

هذا ما يرجى من العمل الإعلامي الإسلامي، فجهود إعلام معسكر الشر تركز على هدم الإنسان المسلم من الداخل، و تفكيك أعمدة الثبات في حياته، أكثر من تركيزها على حملات قادتها و جنودها، فهل من رجل رشيد يقود العمل الإعلامي إلى مسار البناء، و يخرج به من متاهات ردات الأفعال و رجيع الصدى؟

قراءة 1369 مرات آخر تعديل على الجمعة, 31 آذار/مارس 2017 07:40