(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 25 نيسان/أبريل 2020 04:43

عماد عبد الرازق: واقع الأمة يوجب التجديد

كتبه  أجري الحوار الأستاذ السنوسي محمد السنوسي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من المفاهيم التي يكثر حولها الجدل في واقعنا المعاصر مفهوم “التجديد”؛ سواء في بُعده الشرعي و ما يرتبط بالاجتهاد في الدين، أو في بعده الفكري و الفلسفي و ما يرتبط بإحداث نهضة في المجتمع.. بجانب مفهوم “القيم”، و ما يُطرح بشأنها من القابلية للتجديد أو للتغيير..

في هذين الموضوعين الشائكين نطرح أسئلة على الأكاديمي المصري الدكتور عماد الدين إبراهيم عبد الرازق، أستاذ و رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب- جامعة بني سويف، و له العديد من الكتابات و الإسهامات الفلسفية و الفكرية؛ منها: القيم في الفكر الألماني: هابرماس نموذجًا.. فلسفة الدين عند جوناثان إدواردز.. العقل عند أرمسترونج.. مدخل إلى فلسفة الحضارة.. نقد الحضارة الغربية في فكر مالك بن نبي.. مدخل إلى الميتافيزيقا.. فإلى الحوار:

كيف ترون مفهوم “التجديد”؟

“التجديد” سنة كونية، و ضرورة حياتية لاستمرار الحياة و تطورها؛ فالتجديد هو الحياة، لو توقف في أي مجال من مجالات الحياة لتوقفت الحياة؛ لأن سنة الحياة التطور و التقدم و التجديد.

أما إذا حددنا مجال التجديد في الدين، فإنني أرى أنه ضرورة ملحة، و لكن بشروط لعل أهمها أن يكون تجديدًا في فروع الدين، و ليس في أصول الدين و ثوابته؛ فالأصول- مثل العبادات من صلاة و زكاة و حج و صيام- لا نستطيع أن نغير فيها، فهي ثابتة.. هل ممكن مثلاً أن أغير في عدد ركعات الظهر، و أجعلها ثلاثًا أو خمسًا بدعوى التجديد؟!

و التجديد لا يعني إحداث بدع في الدين.. و ليس كل شخص مؤهَّلاً للتجديد، بل يجب أن يقوم به من يكون حافظًا و عالمًا بأحكام كتاب الله، عالمًا و حافظًا للسنة النبوية، ملمًا بما يتعلق من أحكام في اللغة العربية.. و غيرها من الشروط.. فالتجديد ليس كلأً مباحًا لأي أحد دون ضوابط.

لماذا يثأر بين الحين و الآخر جدل حول مفهوم “التجديد” و مشروعيته؟

“التجديد” من المفاهيم التي ثار الجدل حولها في الآونة الأخيرة؛ و إذا أردنا أن نعرف معنى التجديد في اللغة فهو جعل الشيء القديم جديدًا. أما معناه الاصطلاحي فهو إحياء رونق الدين و صفائه و نقائه، و تخليصه من كل البدع و الخرافات التي لحقت به. فالتجديد هو محاولة إحياء ما اندثر من الدين و مبادئه. و لعل أصل مشروعية التجديد هو حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: “يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها” (رواه أبو هريرة و أخرجه أبو داود و الحاكم و الترمذي). فالتجديد سنة كونية، كما أشرنا.. و هو أيضًا من مبادئ الإسلام، و يدعو إليه الإسلام.. و الاجتهاد و التجديد وجهان لعملة واحدة.

و لعلنا نشير في هذا السياق إلى أن التجديد له ثلاثة محاور:

1- أن يكون مرتبطًا بإزالة ما تراكم من انحرافات وقعت على تعاليم الإسلام و مبادئه، بفعل سلوكيات بعض المسلمين، و عدم فهمهم جوهر دينهم.

2- التجديد يكون بمحاولة القضاء على البدع التي ابتدعت في الدين.

3- التجديد يكون بنشر محاسن الإسلام في مجال العقائد و الأخلاق و المعاملات.

و هنا، أشير إلى أن الواقع الحالي للأمة الإسلامية يفرض التجديد و يوجبه أكثر من أي وقت مضى؛ نظرًا للتحديات غير المسبوقة التي تواجه الإسلام و المسلمين.. و السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا كثر الكلام حول التجديد في الآونة الأخيرة، و يتكلم فيه من كان متخصصًا و غير متخصص؟! الإجابة من وجهة نظري تتمثل فيما تمر به الأمة الإسلامية من عوامل ضعف و تخلف و نزاع و شقاق.

لقد أصبحت الأمة الإسلامية متخلفة عن ركب الحضارة، و بعض الناس ينسبون هذا التخلف إلى الدين. و هذا غير صحيح لذا وجب أن نظهر الوجه الإسلامي الحقيقي، بما فيه من دعوة إلى التقدم و الأخذ بالعلم و أساليبه، و الحث على التطور و التقدم. من هنا، يجب على المتخصصين أن يضطلعوا بهذه المسؤولية و القيام بها على خير وجه؛ لأن التجديد علاج لما يحدث من انحرافات في حياة البشر و المجتمعات.

“التجديد” في بُعده الشرعي يكاد يستحوذ على الاهتمام، بينما غاب- أو لم يحضر بالقدر الكافي- التجديد في بعده الفكري و الفلسفي؟

مما لاشك فيه أن الفلسفة تمثل قوة معرفية و فكرية هائلة، و هي إحدى القوى العقلية المؤثرة في حياة المجتمعات، أو هي عصرها معبرًا عنه بالأفكار كما قال الفيلسوف الألماني (هيجل)؛ فالفلاسفة هم ضمير الأمة، هم الذين يحللون الأزمات و المشاكل في عصرهم، هم مرآة العصر. و الفلسفة، على عكس الانطباع الشائع، لا تنعزل في برج عاجي، بل الفلاسفة يتفاعلون مع أزمات و مشاكل عصرهم. و كما قال ديكارت: إذا أردت أن تعرف تقدم و نهضة أمة، فابحث فيها عن عدد الفلاسفة.

و إذا كان التجديد سنة الحياة في أي مجال من المجالات، كذلك هناك تجديد في المجالات الفلسفية، و لم يغب التجديد في هذه المجالات، و لم يتوقف.. لماذا؟ لأن كل مذهب فلسفي يقوم على السابق و يضيف إليه و يتطور و يأخذ منه اللاحق و هكذا.. فهناك تجدد باستمرار، بل إن الحضارات أيضًا فيها تجدد و تطور، كل حضارة تأخذ من السابقة، و تضيف من رصيدها ثم تأتي اللاحقة و تضيف و هكذا، في عملية تفاعل و تبادل حضاري، كما قال بذلك المؤرخ و فيلسوف الحضارة (أرنولد توينبي)؛ الذي أوضح أن الحضارات في عملية استجابة و أخذ و ردٍّ دائمًا.

و من هنا نشير إلى أنه قد ظهرت عمليات إصلاح و تجديد في الفكر الفلسفي بوجه عام و الإسلامي بوجه خاص. فابن رشد مثلاً كان صاحب مشروع حاول فيه أن يوفق بين الفلسفة و الدين أو الشريعة، و مازال نموذجًا مؤثرًا في الغرب إلى الآن. و في الفكر الفلسفي الإسلامي في العصر الحديث ثمة مشاريع تنويرية نهضوية فلسفية كثيرة.. و قد يتوقف التجديد في الفكر الفلسفي، مثله مثل أي تجديد في مجال آخر؛ نظرًا لظروف و واقع المجتمعات من ضعف حضاري، و تخلف و أمية و فقر و استعمار و غيرها.. لكن في النهاية تستمر عجلة الحياة إلى الإمام.

و لقد نجحت المشاريع التجديدية في الفلسفة في إلحاق الهزيمة بالمستعمِر و أعوانه، و يجب أن نشير إلى حقيقة مهمة، و هي أن أفكار و مذاهب الفلاسفة أدت دورًا تنويريًّا و إصلاحيًّا.. فعلى صعيد الفكر الفلسفي الغربي، كانت أفكار روسو و فولتير و مونتسيكو من العوامل المحفزة لقيام الثورة الفرنسية.. و على مستوى العالم الإسلامي، كانت المشاريع التجديدية و الإصلاحية عند جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و غيرهما، مؤثرةً في حياة الشعوب.

مسيرة التجديد الفلسفي في العصر الحديث.. كيف تنظرون إليها؟

أنظر إليها على أنها مسيرة جزئية غير متكاملة.. أنها جهود فردية هنا و هناك، لا يجمعها رابط أو منظومة متكاملة.. أنها تمثل عزفًا على لحن منفرد.. و مع ذلك هناك محاولات للتجديد لمحاولة بث الحياة و تدفقها في المسيرة الفلسفية. مثلاً محاولات طه عبد الرحمن بتبني التجديد و الرؤية الفلسفية في منظومة القيم الإسلامية، و التفاعل مع التراث لاستخراج مكنوناته التي تتفق مع عصرنا، و يحاول ألا يحدث قطيعة معرفية مع التراث، و محاولة أن نعيش مع ما يتفق مع بيئتنا و عاداتنا الإسلامية و قيم ديننا.. أيضًا محمد عابد الجابري و حسن حنفي و محمد أركون، في محاولة تأسيس ما يسمى الإسلاميات التطبيقية و هو علم محاولة تجاوز الإسلاميات الكلاسيكية، و تطبيق مناهج حديثة في قراءة التراث.

و من وجهة نظري فشلت معظم تلك المشاريع التجديدية في الفلسفة في عصرنا الحديث، لأن أصحابها انعزلوا عن واقع و مشاكل و أزمات مجتمعاتهم.. كانت هناك فجوة بين التنظير و الواقع العملي.. ثانيًا من وجهة نظري أن هذه المشاريع حاول أصحابها أن يطبقوا مناهج غربية معاصرة كالماركسية و التفكيكية و البنيوية و علوم اللسان، على تراثنا الإسلامي و العربي.. و هنا كأنك تزرع في غير تربتك، فلم تأت الثمرة.

لكم اهتمام أكاديمي بموضوع القيم.. كيف ترون القيم في عالمٍ إحدى صفاته الأساسية التغير؟

القيم ضرورية في حياة الأفراد و المجتمعات، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل مجتمع و لكل عصر قيمه الخاصة به، التي قد تختلف عن المجتمعات الأخرى لظروف ثقافية و اجتماعية و سياسية، و اختلاف العادات و التقاليد. فالقيم في عالم متغير تكون فاعلة و منفعلة، فهي توجه السلوك و تقود التغيير، و تتأثر في الوقت نفسه بالتغير فتنمو أو تضعف. فالعلاقة بين القيم و التغير علاقة متبادلة. و التغير يمكن أن يكون سريعًا أو بطيئًا، صاخبًا أو هادئًا.. و هذا يعتمد على القيم الاجتماعية التي تحكم المجتمع، و يتم التفاعل الاجتماعي في ضوئها.

و في هذا السياق نشير إلى أن فهم التفاعل الثقافي و ضبط مسارات التغيير الاجتماعي مرتبط بمعرفة القيم التي يتم التفاعل في ضوئها. فالقيم هي التي تمنح الشرعية لفعل ما فيكون مقبولاً في المجتمع أو مرفوضًا، و هي بهذا تيسر التغيير الاجتماعي أو تعوقه. فالقيم- باعتبارها مبادئ و معايير للسلوك- تمثل مرجعية لهذا السلوك.

هل “القيم” في حياة الإنسان ضرورة أم ترف أم خيار مباح؟ و لماذا؟

كما أشرنا، فالقيم ضرورة حياتية لا غني للأفراد أو المجتمعات عنها، و هي ليست ترفًا على الإطلاق بل أساسية. لأنها حصن للإنسان من الانحراف، و هي بوصلة لضبط و توجيه السلوك البشري الوجهة السوية و الصحيحة. كما أن على أساسها تقوم الحضارات، إذ لا يوجد حضارة من الحضارات بدون قيم، أيا كان نوع هذه القيم. فهي تشكل الجانب المعنوي في السلوك، و تعمل على إصلاح الفرد نفسيا و خلقيا، و ضبط دوافعه و مطامعه و شهواته و غرائزه. فهي قوة دافعة للعمل، كما أنها تمثل البناء التربوي للأفراد و المجتمعات. و هي إحدى الركائز لضمان فاعلية النشاط الإنساني، فهي تقي المجتمع من الأنانية المفرطة و النزعات الطائشة.

ما أوجه التشابه و التمايز بين “القيم” في الفكر الإسلامي و الغربي؟

هذا موضوع مهم و كبير ويحتاج لكتب كثيرة لرصده.. لكن نشير سريعًا إلى أوجه الاختلاف أولا بين القيم في الفكر الإسلامي و القيم في الفكر الغربي:

1- المفهوم الإسلامي للقيم مستمد من شرع الله القويم، و توزن عناصره بميزان الكتاب و السنة؛ أما القيم الغربية فتوزن بميزان الفكر البشري القاصر، أو التفاعل مع البيئة الاجتماعية.

2- المفهوم الإسلامي للقيم يتميز بالوضوح و الجلاء و الاعتدال، بخلاف المفهوم الغربي للقيم فيتميز بالغموض و الإبهام و التخبط. القيم في الفكر الإسلامي قيم روحانية، أما القيم في الفكر الغربي فهي قيم مادية بحتة.

و لعل أبرز التشابه بين القيم الإسلامية و الغربية هي الاهتمام بالإنسان، و محاولة تطبيق تلك القيم في الواقع الاجتماعي، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل منهما وسيلته الخاصة و طريقته المختلفة.

كشفت أزمة “كورونا” عن الحاجة لإعادة ترتيب أولويات الحضارة المعاصرة، لصالح تقدم البحث العلمي المتصل بحياة الإنسان، و تراجع سباقات التسلح.. هل تتفقون مع هذا الطرح؟ و ما صلة ذلك بالقيم: ما يجب أن يتراجع منها، و ما يجب أن يُستدعَى؟

نعم أتفق تمامًا، فأزمة فيروس كورونا (كوفيد 19) أفرزت قيمًا لصالح البحث العلمي و الطبي، و جعلتنا نرى بوضوح أهمية دور العلم و الطب في هذه الأزمة. آن الأوان للاهتمام و بسرعة بالبحث العلمي و الطبي و رصد ميزانيات كبيرة لحل تلك الأزمات، بدلاً من الاهتمام بصرف الميزانيات الضخمة على أمور أقل أهمية.. و أنتهز تلك الفرصة لكي أشيد بدور الأطباء و الممرضات الذين يقفون على الخط الأمامي في المواجهة مع هذا الفيروس القاتل و يضحون بأنفسهم من أجل الآخرين.

من هنا استدعت تلك الأزمة ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي و تشجيع العلماء و إنشاء المعامل، و رصد الميزانيات الضخمة من أجل العلم و العلماء، لأنه لا توجد نهضة لأي أمة أو مجتمع بدون العلم و العلماء، فالعلم هو قاطرة التنمية.

أيضًا اكتشفنا أن من القيم التي يجب استبعادها قيم التواكل على الآخرين، و قيم التكاسل في انتظار أن يقوم الآخرين في الغرب في اكتشاف اللقاح أو المصل العلاجي، و هذه كارثة لماذا لا نعمل و نجتهد؟.. عندنا علماء كثيرون و مجتهدون و عباقرة، لكن توفير الإمكانيات المادة و التكنولوجية سوف يساعدهم على الاكتشافات و الابتكارات و الإبداع.. بدليل أنه عندما يتوفر لهم هذا في الغرب، فإنهم يبدعون.

الرابط : https://islamonline.net/34991

قراءة 832 مرات آخر تعديل على الأحد, 03 أيار 2020 04:52