كثيرا ما تهمس لي النساء العاملات- خاصة - شكواهن عن مدى التعب و الإرهاق في محاولتهن التوفيق بين رسالتهن في البيت و عملهن خارجه. هذا التعب الذي يكون في أحيان كثيرة على حساب صحتهن و أعصابهن و من ثمّ يؤثّر تأثيرا سلبيا على تربيتهن لأولادهن.
و أنا لا أناقش في هذه اللمسة عمل المرأة خارج البيت، إنما أوردت هذه الديباجة لألفت الانتباه إلى الدور الرسالي المنوط بالمرأة أدائه بإتقان، و هو تربية الأولاد تربية إسلامية صالحة صحيحة و تكوين النشء تكوينا إسلاميا متزنا قويا، من أجل إمداد هذه الأمة بذخائر من الشباب المسلم القوي عقيدة و أخلاقا و سلوكا و عملا. و هذا الذي أراد ربما الشيخ الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس – رحمه الله – لفت الانتباه إليه حين قال مقولته الشهيرة ( لا نريد من المرأة أن تكون طيّارا بل نريد المرأة التي تلد لنا طيارا ) – أو كما قال.
و أنا أريد أن أبشر أخواتي المسلمات أنّه من تشريف الله عز و جل للمرأة و إكرامه لها أن أوكل إليها تربية النشء – و إن كان للرجل دور هام أيضا – و جعلها حضن البيت المسلم الذي يعد أولى و أهم لبنات المجتمع المسلم. كل هذا التشريف و حجم هذه المسؤولية يحتاج من المرأة المسلمة التي تحب دينها و تطيع ربها وتتبع سنة نبيها أن تعرف بدقة ما هي أولوياتها في هذه الحياة الدنيا .. و هذه المعرفة هي التي تحدد فيما بعد مستوى تحركاتها.
نعود لحالنا اليوم، و نأخذ كنماذج أكثر النساء تعقلا و أكثرهن معرفة لمسؤولياتها .. فنقول .. إذا سألنا المرأة ما هو دورك في هذه الحياة، ربما أجابتنا بسرعة و يقين، تربية الأولاد و رعاية البيت .. جواب جميل – و إن كنا نعترض عليه قليلا لأنّ فيه بخس لأدوار عظيمة تقوم بها المرأة فعليا من إصلاح المجتمع و بنائه و المساهمة الفعالة في الدعوة لدين الله بشتى الوسائل المناسبة - .. إلاّ أننا نقول : و برغم وعي المرأة بدورها الأساس إلاّ أنها في زحمة الحياة لا تكاد تذكره فضلا عن أن تؤديه بتفان و إتقان..كيف ؟
أنا أعتقد أنّ المرأة – عاملة داخل البيت كانت أو خارجه – ( و المرأة عندي عاملة في كل حين داخله أو خارجه و عيب أن نقول عنها خارج البيت عاملة و ننسف كل أعمالها إن كانت ماكثة داخله ) .. قلت أنا أعتقد أنها إذا لم تكن عنايتها بأولادها عناية بالغة في كل الجوانب الأخلاقية و النفسية و السلوكية، و كل ما يخصهم، فهي مقصرة في دورها و رسالتها، و لست أميل أبدا لمن تلد ليربي معها الشارع أو ترميه في حضن أيا كانت المهم أن تتحرر هي من ملازمته لتتفرغ لعملها أو لزينتها و سياحتها ..
ربما يكون الكلام قاس، لكنها الحقيقة المرة للأسف .. نجد الفتاة منا تحلم بالزواج لتنجب أولادا تربيهم أحسن تربية و توفر لهم أحسن رعاية من مأكل و ملبس و نزهات و لعب و غيرها .. ثمّ ما تلبث أن تنسى كل ذلك في متاهات الحياة المتسارعة .. فيكبر الأولاد و قد أرضعتهم القارورة و احتضنتهم الجارة و رباهم الشارع بعفنه .. و الأدهى من ذلك لا يلقى الولد من أمه المنهكة القوى من عمل البيت أو العمل خارجه – و الأمر يكاد يكون سيان و هو عند المرأة العاملة خارجه أصعب – قلت لا يجد منها غير الصراخ و الإهانة و الصد .. فتتعب المرأة و تشقى طوال اليوم و هي تظن أنها تشقى لأجلهم فإذا بها تضيّعهم بحرمانهم من حنانها و مراقبتها الدائمة لهم و متابعة نموهم الفكري و الجسدي بدقة و مدّهم برصيد أخلاقي وعقيدي متين.. أتدرون لماذا ؟ .. لأنها نسيت في زحمة الحياة أن تجعل أولوية لرسالتها الخالدة .. أعتقد أنه آن الأوان لتتذكر !