(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 21 تشرين1/أكتوير 2020 15:08

نظرة عامة على حركات الإصلاح

كتبه  أ.د/ طه جابر العلواني
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إنّ المتتبع للتاريخ الإسلاميّ القديم منه و الحديث يجد ظاهرة عجيبة، خلاصتها: أنَّه على كثرة محاولات الإصلاح في المجالات المختلفة عبر العصور فإنَّه لم تحدث تراكمات قائمة على خبرات و تجارب تلك الحركات. بل نجد الحركات اللاحقة كثيرًا ما تتجاهل ما سبق، أو تنتقده و تستبعده و تبدأ من نقطة الصفر، لا من حيث انتهت إليه الحركات التي سبقتها، بحيث يبني اللّاحق على ما أسّس السابق لتحصل من الخبرات و التجارب ما يمكنها من بناء مشروع نهضويّ قادر على البقاء و الاستمرار و مجابهة التحديّات.

و في الوقت نفسه يمتلك الآليّات القادرة على منحه إمكانات التجدّد بحسب تنوّع المراحل التاريخيّة و بحسب ما تتطلبه من أدوات و وسائل، تمكن المشروع من النجاح. فقد جاء الأنبياء بمشاريع إصلاح فلم يكونوا قادة ثورات و لا رواد انقلابات و تغييرات بل كل منهم كان يؤكد للناس الذين أرسل إليهم أنه لا يريد إلا الإصلاح. و لا يدّعي لنفسه أنه سيحقق ذلك الإصلاح و يستكمل مشروعه بقواه الذاتية و قدراته الشخصية، بل يؤكد دائمًا أنه إذا وفق في مشروعه الإصلاحي فما توفيقه إلا بالله عليه توكله و إليه ينيب ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ مَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود:88).

و المجددون المصلحون لهم مرجعيَّة توضح لهم مناهج الإصلاح و شرائعه و وسائله و مقاصده و غاياته و مستوياته و سائر ما يتعلق به، فهو على بينة من أمره؛ و لذلك كان المجددون يتحرون سنن الأنبياء في الإصلاح و مناهجهم في التجديد، فالشيخان أبي بكر و عمر و من بعدهما عثمان و عليّ قد أقاموا خلافة على منهاج النبوة، و دعوا إليها و حملوا الناس عليها فما كان هناك مجال للزيغ عنها و لا للاختلاف، و ما اختلف الناس عليه كان المرجع الهادي كتاب الله كفيلًا بتبيين وجه الحق و الصواب فيه و القدرة على ردهم إليه ردًا جميلًا و حين وقعت بعض المخالفات من بعض حكام الأمويين قيض الله (تعالى شأنه) عمر بن عبد العزيز فهو على قصر خلافته، و قلة الفترة التي قضاها فيها استطاع أن يتقدم بمشروعه الإصلاحيّ التجديديّ الذي تألف في نظرنا من ثلاث. فعلى سبيل المثال: قام الخليفة الأمويّ عمر بن عبد العزيز بمجموعة كبيرة من الإصلاحات في مجالات كثيرة منها:

1. العمل على إعادة بناء ووحدة الأمَّة بالاحتكام إلى الحوار و الجدل بالتي هي أحسن للفئات التي كانت في عهود من سبقه من الخلفاء الأمويّين قد خرجت على الدولة، و حملت السلاح ضدها. و ذلك يعني أنّه حاول تنبيه الأمَّة إلى أنّ الخلافات الداخليّة بين فصائل الأمَّة لا يسمح بأي حال بالاحتكام فيها إلى القوة، بل إلى الحوار، و الجدل بالتي هي أحسن. لكن من جاء بعده من الخلفاء عادوا إلى الاحتكام إلى السيف داخليًّا و خارجيًّا.

2. لقد قام بعمليَّة رد المظالم، و استعادة المال العام من أولئك الذين استولوا عليه أو أقطعوه بطرق غير مشروعة. و أمر بأنّ تباع مقتنيات من سبقوه في مزادات علنيَّة، حتى إنّه رد إلى بيت المال العقود و الجواهر التي أهداها والد زوجته إليها. و أراد بذلك أن يؤسّس مبدأ «المحافظة على المال العام» و عدم إباحة شيء من التصرّف فيه بدون وجه شرعيّ، و إخضاع الحكام و الولاة لمحاسبة الأمَّة. و منذ ذلك التاريخ و العدل و إقامته بين الناس يعتبران أهم وسائل إعادة بناء السلم الأهليّ، و القضاء على منابع العنف في المجتمعات الداخلية، و إعدادها لمعالجة مشكلاتها سلميًا، و ما من أمَّة يختل فيها حبل الأمن و الاستقرار إلَّا و تبرز فيها الحاجة الماسة إلى العدل، فالعدل وحده في هذه الحالة هو الذي يعيد بناء اللحمة بين فصائل الناس، و يعطيها الإحساس بالأمان و الاطمئنان و الوصول إلى الحقوق من غير عنف و لا صراع.

3. حاول القيام بإصلاحات فقهيَّة بجمع السنن؛ لتكون هذه السنن فقهًا للأمَّة باعتبار السنن بيانًا للقرآن المجيد الذي هو المصدر المنشئ الوحيد للعقيدة و الشريعة، و السنن الثابتة الصحيحة بيانه الملزم التوحيد؛ و لكن سرعان ما انحرف الناس بعده عن هذا السبيل القديم ليجعلوا من آيات القرآن المجيد و سنن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم) شواهد معضّدة و مساندة لمذاهبهم الفقهيّة، و هذا خطأ في فهم المشروع الإصلاحيّ العمريّ الذي كان يريد أن يجعل من السُنَّة فقهًا بديلًا للكتاب الكريم تجتمع عليه كلمة الأمَّة.

و هنا نجد في مشروع عمر بن عبد العزيز نوعا من التكامل: ففيه إصلاح فكريّ، و معرفيّ، و منهجيّ، و قضائيّ، و سياسيّ. و حين نتجاوز هذه المحاولة بحثًا عن نموذج إصلاحيّ آخر في العصر العباسيّ، نجد المأمون نموذجًا لمن قام بعمليَّة مثاقفة انفتح فيها التراث الإنسانيّ كله؛ و لكن صحب ذلك نوع من المصادرة لحريّة الرأي، و حرمان المخالفين بالقوة من التعبير عن آرائهم المخالفة لرأي الخليفة و مشايعيه، و استمرت عمليات اضطهاد المخالفين ثمانية عشر عامًا، شملت ما بقي من فترة خلافته، و خلافة أخيه المعتصم و جزءًا من خلافة المتوكل الذي استطاع أن يدرك أهم جوانب الخلل في مشروع أخويه المأمون و المعتصم ألا و هو: فقدان المشروعين لخاصية التكامل و حرية التعبير، و أبطل ما أسس له سابقاه من بدعة القول “بخلق القرآن”.

و تعد خطوته إصلاحيَّة من هذه الناحية، و إن لم تخل من الانتقام من بعض عناصر الاعتزال التي شايعت أخويه و أغرتهما باضطهاد المخالفين. و هو الذي أسّس لمذهب “أهل السنّة و الجماعة”. فإذا غضضنا الطرف عن بعض المخالفات، فإنَّ الرجل يمكن اعتباره إصلاحيًّا في إطار “القول بحريّة المخالف في إبداء رأيه” و حمايته من خصوم ذلك الرأي و مخالفيه، و كان عمله في إطار الرد إلى الأمر الأول الذي أسس القرآن المجيد له و التزم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) طيلة حياته. والتزم به خلفاؤه الراشدون من بعده. و الآثار في ذلك كثيرة. ثم جاء من بعده أبو شامة المقدسي، و هو مؤرخ و فقيه و عالم لم تسلط عليه الأضواء كما سلطت على ابن خلدون و مشروعه، فأبو شامة المقدسي قادته ثقافته الواسعة و تأثره بالتاريخ و علومه إلى وضع مشروعه الذي عنونه بـ “الرد إلى الأمر الأول” كما جاء في عنوان كتابه الذي يحمل ملامح مشروعه، فهو مشروع معرفي منهجي يرى ضرورة الرجوع إلى المرجعية الأولى و الأساس و رد الأمر إلى القرآن المجيد و الاستنارة بمنهجية السُنَّة النبوية المطهرة و قد قتل الرجل في محرابه قبل أن يتبلور مشروعه و يرى النور، و تتابعت المشاريع الإصلاحية فقدم الجوزي و عبدالقادر الجيلاني و لفيف آخر كبير من العلماء و المتصوفة مشروع الإصلاح التربوي. و هناك محاولات اصلاح أخرى لم نقف عندها طويلا بل تركناها للباحثين ينظرون نظرة متعمقة في تلك المشاريع منها: و هؤلاء كلهم لم يتوقف الناس عندهم بعدها حركات إصلاح لطغيان الجانب الفقهي.

و يمكن الاسترسال في ذكر كثير من المحاولات الإصلاحيَّة، و منها ما قام به آل زنكي و صلاح الدين الأيوبي، و بعض سلاطين آل عثمان. هذا على مستوى المحاولات الإصلاحيّة التي بادر بها أئمة و علماء كبار عرفوا بالمجددين، فالأئمة مالك و أبي حنيفة و الشافعي و البخاري و مسلم و أحمد بن حنبل، و أسد بن الفرات و الغزالي و شيخه إمام الحرمين و أبو الحسن الأشعريّ و غيرهم مرورًا بالإصلاحيين الذين عرفهم تاريخنا؛ أمثال عبد القادر الجيلاني، و ابن تيمية و مدرسته حتى القرن التاسع عشر الذي شهد محاولات بعض مشايخ الأزهر، و بعض كبار العلماء في العالم الإسلاميّ مرورًا بالأفغاني و الكواكب و محمد عبده و رشيد رضا، وا لنائيتي و الدهلوي و الشوكاني و سواهم.

إن بين يدي الراغبين في الإصلاح في عصورنا هذه تجارب و تراث إصلاحي يستطيع ان يمدنا بكثير من الخبرات و التجارب التي يمكن الاستفادة من بعضها و تحويلها إلى رصيد فكري و منهجي يثري خبرات الأجيال الطالعة و يقودها بعيدا عن اتجاهات العنف و ثقافة التوحش المستوردة و ما إليها، و قد يكون أساتذة التاريخ و العلماء القادرين على إبراز تلك الإضاءات و تعميق الاحساس بها و إيضاح ما فعله رجال الفكر و الدعوة و قادة اتجاهات الإصلاح من آثار طيبة حققت كثيرا من الانجازات. فلعل المتخصصين يوجهون شيئا من طاقاتهم لبحث هذه الجوانب و إبراز النماذج المعرفية الكامنة وراءها فذلك من أكثر الأمور إعانة على إثراء خبرات الشباب المسلم و حسن توجيههم و انقاذهم من ثقافة التوحش و التمرد و ما إليها.

الرابط : http://feker.net/ar/2015/12/21/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad/

قراءة 858 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 21 تشرين1/أكتوير 2020 18:42