(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 16 September 2015 08:20

مائدة الأسرة .. ساحة فريدة للتواصل

Written by  د.خالد سعد النجار
Rate this item
(0 votes)

من أشد الغبن أن نقصر تربية أبنائنا و تعليمهم على تصفح بطون الكتب فقط، فالعلم بحره واسع و التربية ساحة مترامية الأطراف، من الحيف أن نركن لزاوية واحدة منها دون الأخذ بباقي معالمها و أبعادها خاصة في عصرنا الذي تنوعت فيه روافد الثقافة و تعددت فيه أشكال المعرفة، هذا مع تزاحم أحداثه و تقارب زمانه حتى صارت المهمات أكثر بكثير من الأوقات.

و إن قصرنا المعرفة و التربية على بطون الكتب وحدها - مع أهميتها- فأين يقع تعليم «القدوة الصالحة» و متى نستفيد من «الوسائل الالكترونية» الحديثة المرئية و المسموعة، خاصة و أن التعليم بالرؤية أثبت في الذهن و أرسخ في السلوك إذا قورن بالتصفح البحت للمعلومات المجردة على صفحات الكتاب، و يبقى للتعليم بالممارسة و التطبيق الباع الأوفر من حيث الإيجابية، و لذلك كثرت في السلف الصالح رحلات السفر العلمية حيث كانوا ينتفعون برؤية العلماء و يتعلمون من سمتهم و دلهم كما ينتفعون بعلمهم، و رحم الله أم الإمام مالك التي أوصت ابنها لما أرسلته إلى «ربيعة» عالم زمانه، فقالت له موصية: «تعلم من أدبه قبل علمه».

و مع تشعب أحداث العصر و تنوع وسائله تشتت أفراد الأسر، فالأب غارق في ضغوط الحياة، و الأم منهمكة مع الأولاد و مسئولياتهم، أما الأبناء فحدث عن المدرسة و الواجبات المنزلية و النوادي الرياضية و الكمبيوتر و الإنترنت .. و غيرها من الظواهر التي اختطفت أبنائنا اختطافا و هم بين أحضاننا، و الضحية الوحيدة في كل هذه المعمعة هو «التواصل الأسري» الذي بات عزيزا في كثير من المجتمعات رغم أهميته التربوية و عظم روعته التعليمية.
و رغم كل هذا التشتت تبقى «مائدة الطعام» أحد المجالات الصامدة أمام عاصفة التشرذم الأسري، حيث يجتمع كل أفراد الأسرة ليس للأكل فقط و إنما لتواصل حميمي فريد في كينونته عظيم في أهميته و فائدته بالنسبة للجميع.
على مائدة الأسرة نتبادل الحوارات مع أبنائنا عن شواغلهم و التزاماتهم العلمية و العائلية و عن معاناتهم و أحلامهم و طريقة تعاملهم مع الحياة .. لكن يبقى المحور الأعظم و الهدف الأكبر هو التوجيه الأبوي و التعليم الهادف عبر مناقشة تصرفات و أفكار فلذات الأكباد حيث نتناولها بالتعزيز أو النقد و التعديل و التوجيه للأصوب من منطلق خبرتنا العملية و عمق تجاربنا الحياتية.

و تتجلى على مائدة الأسرة التربية بالقدوة العملية الحسنة، من منطلق التزام الأبوين بهدي السنة النبوية في آداب الطعام و هدي الإسلام في الصحة و الغذاء، حيث يرى الأبناء تطبيقا فريدا للعديد من الآداب و التوجيهات الإسلامية الراقية:
-
كم هو رائع أن يحرص الزوج عند أول دخوله المنزل و بعد إلقاء السلام أن يبدأ بسؤال الأولاد عن تواجد الوالدة و يذهب إليها ملقيا السلام و مقبلا رأسها تطيبا لخاطرها و إعلانا عن مشاعر الود و الرحمة، فالزوجات عموما يعشقن الاهتمام الخاص من الزوج، و يثمنّ الإشارات و اللفتات اللطيفة المفعمة بمشاعر الألفة و التقدير.

-
ينبغي أن لا تقع مراسم تجهيز المائدة على عاتق الزوجة المنهكة في المطبخ وحدها، بل يتشارك كل الأفراد في حمل الأطباق و سائر الأغراض في جو مرح لطيف، و هذه المشاركة و إن كانت رمزية بالنسبة للزوجة إلا أنها تنطوي على معاني العرفان و المعونة بالقدر المستطاع، كما أنها تفتح شهية الصغار الذين يختارون لون طبقهم المفضل و كمية و نوعية الطعام المناسبة لديهم حسب الرغبة.

-
من الهدي النبوي أن لا نعيب طعاما قط، فالنقد لنعمة الله تعالى نوعا من الجحود لفضل الكريم الوهاب، حتى و إن كانت تلك النعمة بسيطة في محتواها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "ما عاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، و إن كرهه تركه". قال أهل العلم: و أما حديث تركه –صلى الله عليه و سلم- أكل الضب فليس هو من عيب الطعام، إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص كان –صلى الله عليه و سلم- لا يشتهيه.

-
من الأدب أن لا يبدأ أحد الصغار بالأكل قبل أن يبدأ رب الأسرة أولا، و ما أجمل أن يجهر الوالد بالتسمية عند بدأ الأكل تعليما للجاهل و تذكيرا للناسي .. «بسم الله» أو «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإن نسي ذكر الله تعالى أثناء الطعام «بسم الله أوله و آخره»، فإنها تطرد الشيطان و تحل البركة في الطعام. و في هذا الأدب قصة ما أجمل أن نرويها لأطفالنا أثناء الأكل لتكون أوقع في نفوسهم، بدلا من أن نستفرغ الحديث فيما لا طائل منه، فعن حذيفة –رضي الله عنه- قال: "كنا إذا حضرنا مع النبي -صلى الله عليه و سلم طعاما- لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فيضع يده، و إنا حضرنا معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه و سلم- بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، و إنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، و الذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها ثم ذكر اسم الله و أكل». [رواه مسلم]

-
من سنن و آداب الطعام العملية: الأكل و الشرب باليمين، و الأكل مما يلي المرء، و أن لا يأكل من وسط الطبق لأن البركة تتنزل فيه، و الاجتماع على الأكل و أن لا ينفرد كل واحد بطبق خاص قدر المستطاع، و أن لا يقرن المرء بين حبتين من الأكل مما يؤكل أفرادا كالتمر و حب الفواكه كالعنب و المشمش و غيرها، و يجوز الإقران في حال استئذان الجلوس، أما الشرب فعلى ثلاث مرات، و أن لا يتنفس في الكوب.
فعن عمر بن أبي سلمة –رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله -صلى الله عليه و سلم- و كانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: «يا غلام، سم الله، و كل بيمينك، و كل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد [متفق عليه] ، و عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه و سلم- قال: «البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، و لا تأكلوا من وسطه». [رواه الترمذي وصححه] ، و عن وحشي بن حرب أَنَّ رجلًا قال: يا رسول اللَّه، إِنَّا نأكُلُ و لا نَشْبَعُ؟! قَالَ –صلى الله عليه و سلم-: «فَلَعَلَّكُم تَفْتَرِقُونَ عن طِعَامِكُم، فاجْتَمِعُوا علَيْه، و اذكُرُوا اللَّه عزَّ و جل يُبَارِك لكم». [أبو داود]

-
من التوجيه النبوي الذي يهمله كثير من الناس، قوله – صلى الله عليه و سلم-: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها. فليمط ما كان بها من أذى و ليأكلها. و لا يدعها للشيطان. و لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه. فإنه لا يدري في أي طعامه البركة».[مسلم]

-
من شكر نعمة الأمل حمد لله تعالى بعد الفراغ منه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه و سلم- إذا رفعت المائدة قال: «الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، و لا مودع، و لا مستغني عنه ربنا» [البخاري] .. (غير مكفي) من الكفاية، و الضمير راجع إلى الله تعالى، فيكون المعنى: أنه تعالى هو المطعم لعباده و الكافي لهم، يستغني عن غيره، و غيره لا يستغني عنه، و ذلك مثل قوله تعالى: {وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لاَ يُطْعَمُ} [الأنعام:14] .. (و لا مودع) أي: غير متروك، لأنه لا يستغنى عن الله عز وجل طرفة عين .. (و لا مستغني عنه) أي: غير مطروح و لا معرض عنه بل محتاج إليه فهو سبحانه لا يستغنى عنه طرفة عين و لا أقل من ذلك، و هو غني عن الخلق، و الخلق مفتقرون إليه.

-
شكر الزوجة على الطعام، و ذكر وتعداد محاسنه، فمقولة الجالسين للأم «جزاك الله عنا خيرا» تطيب نفس الزوجة المكدودة، و من لا يشكر الناس لا يشكر الله.

-
ما أجمل أن نتشارك في رفع المائدة كما تشاركنا في تكوينها، و يا حبذا لو تشاركنا في غسيل الأطباق و ترتيب الأواني كل في موضعه، فعن الأسود قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه و سلم- يصنع في أهله؟ قالت: "كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة". [البخاري] و في رواية: قالت: "يخيط ثوبه، و يخصف نعله، و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم". و في رواية أخرى: "ما كان إلا بشرا من البشر، كان يفلي ثوبه، و يحلب شاته، و يخدم نفسه".
 

http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=202363

Read 1692 times Last modified on Tuesday, 13 November 2018 16:59