(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 16:57

الشّيخ ابن باديس رائد تعليم البنات ونصير حق المرأة

كتبه  الأستاذ عبد المالك حداد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من حق رواد التربية و التعليم ذكر مآثرهم، و نشر محاسنهم، و الإفادة من إبداعاتهم. و من أولئك الرواد العلاّمة الشّيخ عبد الحميد بن باديس (1889-1940 م) واضع أساس النهضة الفكرية في الجزائر، و قد سلك لها مسلك التربية و التعليم، فقضي سحابة نهاره و شطرا من ليله في خدمة العلم الديني و اللساني و نشره في زمن كان فيه هذا القطر قريبا من الفناء بسبب الاستعمار الفرنسي، و هو يصف حالته التي كان يشاهدها قبل عقد من السنين بالقول: «ليست له مدارس تعلمه، و ليس له رجال يدافعون عنه، و يموتون عليه. بل كان في اضطراب دائم مستمر، و يا ليته كان في حالة هناء، و كان أبناؤه يومئذ لا يذهبون إلا للمدارس الأجنبية، التي لا تعطيهم غالباً من العلم إلا ذلك الفتات الذي يملأ أدمغتهم بالسفاسف، حتى إذا خرجوا منها خرجوا جاهلين دينهم و لغتهم و قوميتهم، و قد ينكرونها».

لقد أدرك الشّيخ ابن باديس ضرورة تغيير هذه الحالة، و هدته حكمته إلى أن التغيير لا يأتي إلا بالتعليم، و لأن المجتمع في فكره كما الطائر لا يمكنه الإقلاع و التحليق إلا بجناحين، فكذلك عند الشّيخ ابن باديس أن إقلاع المجتمع الجزائري نحو الحرية لا يمكن أن يكون إلا بتغيير حياة المرأة الجزائرية التي كانت إما محرومة نهائيا من التعليم، و إما متعلّمة تعليما فرنسيا يجعلها متنكّرة لأصلها و عروبتها و إسلامها. لذا فإنه كان شديد الحرص على تعليم المرأة كلَّ ما تحتاجُ إليه للقيام بوَظيفَتها، و تربيتها على الأخلاق النِّسوية التي تَكون بها المرأة امرأةً، لا نصفَ رجلٍ و نِصفَ امرأةٍ، فالتي تَلدُ رجُلاً يطيرُ خيرٌ من التي تَطيرُ بنفسهَا.

و منذ بداية دعوته الإصلاحية سنة 1914 م نجد المرأة محل اهتمامه من خلال دروسه و محاضراته و مقالاته الصحفية، فنبه في كتابته على حقها في التعليم و دورها في البناء الاجتماعي، و خصص ركنا في مجلته الشهاب سنة 1934 م ترجم فيه لبعض النساء من سلفنا الصالح، أبرز فيه نماذجٍ للمرأة : المجاهدة، الطبيبة و الممرّضة، الشّجاعة و الصّابرة، العالمة، الأديبة و الشّاعرة، فالرّجل كان يريد أن يُربّي المرأة في عصره وفق هذه النماذج لحاجة المجتمع الجزائري لامتهان هذا الصنف من المهن من طرف النساء.

كما أوجب تعليم المرأة و إنقاذها مما هي فيه من الجهل، و نصح بتكوينها على أساس العفّة و حُسن تدبير المنزل، و النّفقة و الشّفقة على الأولاد، و حُسن تربيتهم، كما أنهّ حمّل مسؤولية جهل المرأة لأوليائها و للعلماء الذين يقع عليهم واجب تعليم الأمّة بأبنائها و بناتها و نسائها و رجالها على أساس الدّين و القومية إلى أقصى مايُمكن أن نصل إليه من العلم الذي هو تراث البشرية جمعاء.

و مع قناعة الشّيخ ابن باديس التّامة بأنّ التعلّم حقّ للمرأة كما للرجل، أحدث دروسا للوعظ خاصة بالنساء بالجامع الأخضر، عرفت إقبالا كبيراً حتى اكتظ المسجد بهن، و كانت هذه الدروس تتناول واجبات المرأة المسلمة نحو بيتها و أولادها و زوجها، و نحو دينها و وطنها، و كثيرا ما كان يصطحب زوجته إلى هذا الدرس و يجلسها بقربه لأجل كسر باب الخجل أمام استفسارات و أسئلة النِّسوة.

كما أعطى روحاً جديدة للتّعليم في الجزائر لم تكن معهودة فيها من قبل عندما فتح أبواب مدرسة جمعيّة التّربية و التّعليم لتعليم البنات بعد تأسيسها في شهر فيفري سنة 1931 م، و دعا أولياء الأمور إلى المبادرة ببناتهم إلى مكتب الجمعية يتعلمن كلهن مجانا، و كان الهدف هو استقطاب أكبر عدد من البنات للتعلم، فلم تمر إلا أشهر قليلة حتى ضمّت إلى أحضانها نحو ثمانين فتاة، و وصل عدد التلاميذ و التلميذات نحو الثمانمائة سنة 1939 م. و قد نص قانون جمعيّة التّربية و التّعليم على تربيتهن تربية إسلامية بالمحافظة على دينهن و لغتهن و شخصيتهن و تعليمهن بتثقيف أفكارهن بالعلم و باللسانين العربي و الفرنسي، و تعلمهن الصنائع ضمن ورشات يتدرّبن فيها على مختلف الحرف. و لتشجيع تعليم البنات رغب رفاقه العلماء أن يقوموا بمثل ذلك في مدنهم و قراهم، خاصة بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ماي سنة 1931 م، فساروا على نهجه.

و حتى يتسنى للبنات اللواتي أتممن مرحلة التعليم الابتدائي، مواصلة التعليم الثانوي و العالي، شرع الشّيخ ابن باديس سنة 1938 م في التخطيط و الإعداد لإرسال المتفوّقات منهن إلى الكليات و المعامل الكبرى، فطلب من الشّيخ الفضيل الورتلاني (1900-1959 م) مندوب جمعية العلماء في فرنسا، بأن يحقق التحصيل على إذن سفر بعثة للأزهر، و أن يعرفه بما يلزم من نفقة كل تلميذ. و في نفس الفترة علم عن طريق مجلة الرابطة العربية بوجود مدرسة خاصة لتعليم البنات في دمشق تشرف عليها جمعية دوحة الأدب، فراسل رئيستها السيدة عادلة بيهم الجزائري (1900-1975 م)، يعرض فيها إمكان استقبال بعض البنات لتعلمهن في مدرسة الجمعيّة و كيف السبيل إلى ذلك.

و أما البعثة الأزهرية فقد تمكن الشّيخ الورتلاني بفضل تدخل شخصي للأمير شكيب أرسلان (1869-1946 م) من الحصول على موافقة الحكومة المصرية لتمويلها و دعمها، و على أثر ذلك اتصل الشّيخ ابن باديس بأولياء التلاميذ، و شرح لهم أن الحكومة المصرية ستتكفل بمصاريف أطفالهم من السفر و الإقامة في القاهرة و أخذ موافقتهم، و اختير حوالي 30 من الأولاد منهم عشر بنات، ينقلونإلى القاهرة عبر تونس، و في حالة وجود صعوبات ينقلون عبر مرسيليا. و كان من أعضاء البعثة المشايخ : الفضيل الورتلاني، و إسماعيل آعراب، و مُحَمَّد الغسيري، و أحمد حماني، و مصعب ابن سعد الجيجلي.

و أما أعضاء البعثة الشامية فقد اختار الشّيخ ابن باديس أن تكون من جمعية التربية و التعليم بقسنطينة، على أن يرسل ستة أو ثمانية من تلاميذها و تلميذاتها. إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية حَالَ دون إتمام إرسال البعثتين.

لقد كان الشيخ ابن باديس يرى في تعليم المرأة أهم شروط تكوين الرجال الصالحين القادرين على تحمل المسؤوليات فيقول: «إذا أردنا أن نكوِّن رجالاً فعلينا أن نكوِّن أمهات دينيات، و لا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليمًا دينيًا، و تربيّتهنّ تربية إسلامية، و إذا تركناهنّ على ما هنّ عليه من الجهل بالدّين؛ فمحال أن نرجو منهن أن تُكَوِّنَّ لنا عظماء الرجال».

المصادر: البصائر – الشّهاب - رسالة الشيخ ابن باديس إلى الفضيل الورتيلاني بتاريخ 05 أوت 1938 م - رسالة الشيخ ابن باديس إلى رئيس جمعية دوحة الأدب بتاريخ 20 أوت 1938 م -تقرير سري بخصوص إرسال طلبة جزائريين إلى مصر من الأرشيف الفرنسي بتاريخ 23 جانفي 1939 م - آثار الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي - مُحَمَّد الصالح بن عتيق: أحداث و مواقف في مجال الدعوة الإصلاحية و الحركة الوطنية الجزائرية - نشرة جمعية التربية و التعليم الإسلامية بقسنطينة.

قراءة 3776 مرات آخر تعديل على الجمعة, 09 كانون1/ديسمبر 2016 08:14