(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الثلاثاء, 22 شباط/فبراير 2022 12:03

الطّالـب الجـامعي بين جيــل الأمــــس و جيــل اليــــوم

كتبه  د . بوزيد شتوح
قيم الموضوع
(1 تصويت)

تحيي الجزائر كلّ سنة مناسبة «عيد الطالب» الموافق لـــ: 19 ماي 1956 و التي سجلتها أقلام التاريخ بأحرف من ذهب، حيث برهن فيها الشعب الجزائري بكلّ أطيافه التفافَه مع قضيته المتعلقة بتحرير الوطن و استعادة الجزائر من براثن الاستعمار المستبدّ، و يظهر ذلك جليّا في انخراط طلبة الجامعات و الثانويات – على وجه الخصوص – في مسيرة الكفاح المسلّح، مُضحّين بمُستقبلهم الدّراسي و تفوّقهم العلمي، و محوّلين أقلامهم و دفاترهم و محافظهم إلى مدافع و رشّاشات و رصاص ضد الاستعمار الغاشم، و لسان حالهم يقول: إنّ نسمات الحرّية أولى من كلّ مستوى علمي، و إنّ الوطن الجزائري أغلى من كلّ مقعد بيداغوجي في ظلّ الاحتلال..
نعم، إنها لذكرى جليلة تستحق التأمّل و تكشف عن الاعتزاز الوطني الذي كان يملأ قلوب الطلبة و جوارحَهم، و بالنّخوة الشامخة التي كانوا يتميّزون بها تُجاهه، ممّا جعلهم يتخلّون عن مسيرتهم العلمية تضحيةً للوطن الـمُفدَّى، و يلتحقون بإخوانهم الـمُجاهدين الأبطال اقتداءً ببطولاتهم، و سندًا قويّا نحو الـمُضيّ قُدُما إلى تحقيق الحرّية و الاستقلال..
هذا عن طلبة الأمس، أمّا طلبة اليوم: فيُصنّفون – في تقديري – إلى ثلاثة أصناف و هي:
1/ صنف نافع: يتميّز هذا الصّنف من الطلبة بجدّه و اجتهاده الحثيث في طلب العلم، و وعيه العميق و إدراكه الدقيق بكلّ ما يحيط بوطنه و أمّته و احتكاكه المستمرّ مع أهل العلم و الفكر، كما أنّه يحمل مسؤولية و أمانة على عاتقه تكلّفه عملية البحث لجواب عن سؤال يراوده آناء اللّيل و أطراف النّهار: ماذا أقدّم لوطني و أمتي أثناء و بعد مسيرتي العلمية؟
و لكن هذا الصّنف من الطلبة هو عُملة نادرة في الـمُحيط التربوي؛ لأنها تحتاج من صاحبها إلى شدّة تحمّل و صبر و ثبات على أسسٍ و مبادئَ استلهمها من الأبطال السّابقين من جهة، و تحتاج إلى مواجهةٍ لهذا الواقع الذي يُكرّس – في أغلبه – الإقصاء و التّهميش للنّخب و الكفاءات من جهة أخرى، فهذا الصّنف ينبغي أن يُهَّمَّ به في الجانبيْن المادّي و المعنوي، حتى يواصل في دربه النّافع و يسعى دوما لتحقيق طموحاته و تلبية رغباته التي تعود عليه و على وطنه بالخير و المنفعة.
2/ صنف ضائع: هذا الصنف من الطلبة مُضيّعٌ لواجباته، غافلٌ عن تحقيق أولوياته، جاهلٌ بكلّ من يحيط به و ما يُنتظَر منه، فهو ينظر في مساره الدّراسي بمنظور اللّعب و اللّهو و اللامبالاة، همّه الوحيد الخروج بتسريحة شَعْرٍ جديدة تجلب الأنظار، و بلباسٍ فاضحٍ مُمزّقٍ يهتك الحياء، و مِشيةٍ مُـمِيلة تُنبِئ عن تخنّث مقيت. و من مميزات هذا الصّنف أنّه يتلاعب بالكلمات المعسولة و الأساليب المؤثّرة حتى يتصيّد بها نُقطةً من أستاذ، أو يقيم بها علاقة مُحرّمة تفتح أمامه أبواب الشيطان و تُؤدّي به إلى طريق الخسران. هذا هو همّه وَ تِلْكُمْ هي طموحاته الرّديئة التي يسعى إلى تحقيقها، فإذا حدّثته عن الوطنية قليلا أعرض و نأى بجانبه لأنه بعيد كلّ البُعد عن الشّعور بالانتماء لوطنه، و موقعٌ بنفسه في أَوْحَالِ التّفكير من قِبَلِ أصدقائه و خلاّنه و من يحيطون به و يشجّعونه دوما نحو المواصلة في هذا الطريق الـمُضلّ.
3/ صنف مائع: و هذا الصّنف يحمل شخصيةً مُذبذَبةً لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء، تارة يجالس الطبة الجادّين فتحسبه كذلك، و لكن سُرعان ما يزيغ عن ذلك بمجالسته أيضا مع الطلبة الضائعين، هو صنف تائه الفكر، لم يحدّد بالضبط بَوْصَلَةَ حياته التي يسير وفقها، لا يُفكّر كثيرا في قضايا وطنه و أمّته، و لا يدرك جيّدا ما هو الواجب منه تُجاه ذلك، فهو جادٌّ مع الطلبة الجادّين، و ضائع مع الطّلبة الضائعين.
هذا – باختصار شديد – عن وصف حال الطلبة اليوم.
و لذلك: فالواجب من كلّ المربّين و الـمُرشدين و المعلّمين و الباحثين و الأولياء و أهل الرأي و ولاّة الأمور أن يلتفّوا حول هذا الصّنف من الشّباب بعين الرّقابة و التوجيه و الإصلاح و التّشجيع؛ لأنّ هذا المشروع التربوي يُشكّل في مضمونه أبعادًا حضارية تتطلّع نحو التقدّم و الازدهار، و يجعل هذه النّخبةَ مؤهّلةً في تسيير شؤون الوطن و الأمة حاضرِها و مستقبلِها، فما يتمّ زرعه في هذه النخبة مما ذُكر سابقا سيعود بالخير حتى في أحلك الظروف كما فعل ذلك الجيل الذهبي إبّان الاحتلال الفرنسي؛ لأنّ واقع طلبتنا – للأسف الشديد – يتخبّط في غياهب الإقصاء و التّهميش، فلم يجد الرّفقة الصّالحة – من كلّ شرائح المجتمع- التي تُوجّهه و تُرشده و تنصحه و تُعلي من قدره و تُنبّهه إلى ما يُحاك ضدّ وطنه من مؤامرات حتى يستفيق من سباته و يبني تخطيطا علميا عمليّا جماعيّا عميقًا مستفيدا ممّا تعلّمه و آخذا ممّا نقله من تجارب أساتذته. فكما أعلن الطالب الجزائري من جيل الأمس عن تأييده للثّورة الجزائرية، فكذلك ينبغي على طلبة جيل اليوم أن يسعَوا لنُصرة دينهم و وطنهم و قضايا أمّتهم ليرفعوا من شأنها نحو العُلاَ و التميّز.
فهذا هو الهدف المنشود الذي ينبغي أن يُجسِّده طلبة اليوم لكي يكونوا بذلك خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ. و الله الموفق لذلك.

الرابط : https://elbassair.dz/18174/

قراءة 813 مرات آخر تعديل على الخميس, 24 شباط/فبراير 2022 09:39