(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 07 October 2015 12:22

"عندهم شباب؟!"

Written by  د.ديمة طهبوب
Rate this item
(0 votes)

"عندهم شباب؟" بهذا السؤال الغريب، كانت أمي تقابلني؛ عندما كنت أطلب منها زيارة إحدى صديقاتي في بيتها، و كنت أجيب دون أن أعرف المغزى من السؤال! فإذا أعجب أمي الجواب، و هو جواب وحيد بعدم وجود إخوة شباب لصديقتي، أكملت أمي بقية مراحل التعارف؛ التي ترضيها عن عائلة صديقتي و أمها حتى تتفضل و تتعطف بالموافقة على زيارة لم تتعدَ في أحسن الحالات ثلاث ساعات!! و أنا صغيرة كنت أظن أن أمي تصلح لتعمل مع الشرطة أو المخابرات، و كانت ستبدع في الأمر؛ فلم تفتها شاردة و لا واردة!

ما كنت أظنه تضييقا و تعسفا في الحرص من أمي، علمت عند الكبر أنه جزء من مهامها كأم في المتابعة الحثيثة، ليس عن عدم ثقة، و لكن عن زيادة تأمين، و إدراك لمخاطر الفترات العمرية المختلفة في حياة الإنسان، و ما تستفزه من نزعات و طيش أحيانا! أمي ذاتها -حفظها الله-، التي كانت تمرمرني و تزهق روحي على زيارة صديقة، كانت تسمح، و لا تسأل عندما كنت أخرج مبكرة، أو أعود متأخرة من الجامعة يوم كنت عضوا في مجلس الطلبة، للآن و أنا في كنفها و كنف والدي لا تسأل؛ أين أذهب إلا بقدر الاطمئنان علي! قاعدتها و قاعدة والدي البسيطة: ازرع رقابة الله، و ارم في البحر؛ فمن لم يخش الله، لن يخشاك و لو كنت في عبّه!

أخذت أمي يوما إلى المول، فعادت مغضبة من كم الفتيات الصغيرات اللواتي رأتهن؛ يسرحن و يمرحن لوحدهن في الطرقات و المحلات، و أطلقت ذلك السؤال المتعجب المستنكر: "وين أهلهم هدول"؟!

و لكن: أتنفع سياسة أمي و أمهاتنا، و قيم جيلنا من القرن الماضي في تربية هذا الجيل الذي انفتح على كل شيء مهما حاولنا إغلاق المنافذ عليه؟! هل ينفع الفصل التام الذي كنا نمارسه بين الذكور و الإناث، و نجح في زماننا بسلبيات قليلة؟! هل نستطيع التعامل مع الموضوعات الحساسة و الشخصية؛ التي تشكل محور حياة الشباب الآن بالتجاهل أو التحريم أو ثقافة العيب؟! هل ما زال كل من الأم و الأب و الأسرة هم مصادر التلقي الأهم؛ التي يعول عليها في إصلاح ما قد يفسده المجتمع الخارجي؟! لماذا أصبح أولاد "الملتزمين" أو "المتدينين" يختلفون تماما عن آبائهم، و يبدون انفصالا غريبا عن ثقافتهم و أخلاقهم تصل إلى درجة التحدي في المخالفة؟!

في تجربة عجيبة ذات دلالات موحية، تستحق الدراسة و البناء عليها قامت إحدى معلمات التربية الإسلامية بإعطاء دروس لمجموعة من الطالبات في سن المراهقة لا تتعلق بالقرآن، و لا بالسيرة، و لا بالفكر الاسلامي بشكل مباشر، و إنما بموضوعات كالحب و العلاقة بين الجنسين، و المسلسلات و الأغاني، و كل ما يشغل فكر الشباب و حياتهم الآن ضمن إطار مضبوط في النقاش؛ يسمح للفتيات بعرض كل ما يشغلهن دون خوف ليصار إلى نقاشه أدبيا و اجتماعيا و دينيا؛ لتخرج منه الفتيات بقناعة و استمتاع و إقبال متزايد على الحضور ! إحدى الفتيات التي كانت تحلف لوالدتها أنها ستخلع الحجاب و لو في آخر يوم في حياتها؛ احتفلت مع صديقاتها بارتدائها طواعية للجلباب، و هي أحد الأمثلة الناجحة في تغيير القناعات بلغة يفهمها و يقبلها جيل الشباب، لا يندرج تحت مصطلحاتها الواجب و الفرض، أو الخوف و العاقبة ! هذا جيل يريد أن يقتنع لينطلق و يتمسك و يبدع من بعد في تقديم ما يؤمن به.

و على المربين أن يتوصلوا إلى قناعة بالمزاوجة بين أصالة المعاني التي ورثوها، و بين فهم التحديات الحديثة التي تجعل من الشباب و الفتوة مرحلة خطيرة، لا يعبرون قنطرتها إلا بفضل الله أولا، و اجتهاد حقيقي من كل حلقات التربية أن تحتضنهم بحق، و تتعلم ما يريدون، و تنخل الخبيث منه، و تستثمر في المفيد، لا أن تنظر عليهم بما كان، و يجب أن يكون!!

لقد تعجب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- من الشاب لا صبوة له تعظيما و إدراكا لخطورة المرحلة في زمن كان أقسى انتهاكاته أن يرى أحدهم عورة امرأة عرضا، أو خطأ من وراء ستار، أو يقبلها فيقبل على النبي -صلى الله عليه و سلم-  و قد شعر بالذنب جبلا ينهد عليه يسأل الفتوى و التوبة و التكفير، فكيف بالأمر الآن و الصبوة و الشهوات تعرض لشبابنا في كل طريق و مرصد مزينة بأجمل زينة تخفي عن العين و القلب الفحشاء و المنكر؟!

أزعم أن تجربة أمي نجحت في زمانها، و لكنها الآن بحاجة إلى تعديل جذري؛ يأخذ بعين البصيرة أن أولادنا مختلفون عنا تماما، و الأخلاق لا تكتسب بالوراثة، و إنما بالتعليم و الممارسة.

بعض الأسر من الجهلة أصبحوا يوجهون بناتهن إلى استثمار وجود الشباب في مراحل كالجامعة و العمل؛ لعلهن يخرجن بصيد ثمين! فكثرت التجاوزات، و العلاقات، و المشكلات الاجتماعية و الأخلاقية إلى حد غير مسبوق!

ربما لن ينفع أن نسأل بناتنا "عندهم شباب" بل يجب أن نحاول أن نربي على وجود الجنسين في حياة الآخر، و التعامل مع ذلك بطهر و إيجابية و حدود؛ تجعل من فسحة المسموح و المباح مجالا للإبداع و العطاء، و تشكيل نفوس سوية لا تدور في فلك غرائزها، بل يسيرها عقل لا ينكر على المرء مشاعره، و إنما يوجهها في قنواتها الصحيحة.

اليوم نعرف أن الشباب و البنات موجودون في محيطات بعضهم بعضا في ساحات القلوب و ساحات واقع الحياة، و المنع الاستباقي لا ينفع.. و يبقى التحدي كيف نوجه هذا نحو قيم عليا من العمل و الفائدة؟!

http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-43-214678.htm

Read 1637 times Last modified on Thursday, 15 October 2015 20:31