العـيد هو يوم عظيم من أيام السنة و يتضمن حدثًا بارزًا أو مناسبة هامة، كما أنه اسم لكل ما يُعتاد و يعود و يتكرر، و قد أمرنا الله عز و جل بواسطة نبيه صلى الله عليه و سلم بإحيائه بالعبادة و التقرب إلى الله بالطاعات و الأعمال الصالحة، و قد شرح أئمتنا و علماؤنا قاطبة في الكثير من الروايات الواردة عنه صلى الله عليه و سلم في بيان فضل يوم العيد على سائر أيام السنة التي لا تحمل محطات و مناسبات ذات شأن عظيم.
كمـا أن العيد في الإسلام هو شعيرة من الشعائر و له طابعه الديني و الاجتماعي الخاص به و المميز له، و الذي يكون في إحيائه ترسيخ للإيمان في النفوس و القلوب الممزوج بالفرح والبهجة و السرور، و قد قال تعالى: (وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج 32) و قوله أيضا (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمّـــَا يَجْمَعُونَ) (يونس 58).
والأعـياد الإسلامية المعتبرة عندنا و التي وردت فيها الروايات الصحيحة و الصريحة عن النبي صلى الله عليه و سلم، يوم الفطر، يوم الأضحى، و يوم الجمعة، و إن كان هناك على مدار العام أيام مهمة إلا أن الإسلام لم يعتبرها من الأعياد مع ما لها من المعاني و الدلالات كيوم عرفة و ليلة القدر و غيرهما من الأيام التي تحمل في طياها معاني و دلالات و لم تعتبر عيدا. و تأتي هذه الكلمات اليسيرات ضمن هذا الطرح إظهارا لحقيقة فلسفة العيد و بعض دلالاته التي أضحت تندثر في وقتنا الحالي و خاصة بعد أن اختل توازن العلاقات الاجتماعية في عصرنا، إذ باعدت تكاليف الحياة و شؤونها بين الأب و ابنه و بين الزوج و زوجته، و بين الفرد و أقاربه ، إذ يمكن إجمالها فيما يلي:
– العيد في الإسلام له فلسفة سامية و دلالات راقية، تتمثل في كون فرحة المسلمين به تنطلق من شعورهم بتوفيق الله تعالى لهم لأداء ما فرضه الله تعالى عليهم و استبشارهم بقبول الرحمن لأعمالهم و رضاه عنها، فإذا ما وفق المسلم لأداء فريضة الصوم كان من حقه أن يفرح يوم عيد العيد المبارك حق له.
– العيد نداء للمسلمين أجل اغتنام هذه المناسبة العظيمة بالصلاة و الدعاء و التضرع، و تلاوة القرآن و التكبير و التهليل و التحميد و كثرة الذكر و الشكر لله رب العالمين في الطرقات و في المساجد و البيوت و خاصة لما ورد في ذلك من فضل، كما يعد ذلك إظهارًا و إعلان لشعار العيد و قوة المسلمين وحدة ترابطهم.
– العـيد تربية المسلم على مبدأ عظيم و هو مبدأ التوحيد الذي يربط المسلم بينه و بين إخوانه المسلمين في كل مكان حينما يعيشون هذه المناسبة المباركة في زمان واحد و شعور واحد و فرحة واحدة.
– العيـد هو تعليم للأمة كيف تتسـع روح الجوار و تمتدُّ بين ذويها، حتى يرجع البلد العظيم و كأنه أهل بيت واحد، و يعلوا فيه مبدأ الأخوة الإيمانية بمفهومه الحسي و المعنوي، و تظهر فضيلة الإخلاص علنًا للجميع دون رياء أو سمعة، كما يُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة و المحبة، و كأنَّما العيد هو إطلاق لروح الأسرة الواحدة في الأمة كلِّها.
– العيد تآزر أفراد المجتمعات الإسلامية كبيرهم و صغيرهم، فقيرهم و غنيهم، الأمر الذي يربي أفراد هذا المجتمع على التعاون و التراحم، و يقوي شعور الفرد بالفخر و الاعتزاز بالانتماء لهذه الأمة المباركة و الانطواء تحت لوائها لما يشترك فيه أبناء الإسلام في كل مكان في سرائهم كما يشتركون في ضرائهم.
– و مـن دلالات العيد الأساسية: التذكير بحق الضعفاء و العاجزين من -ذوي الاحتياجات-، و مواساة أهل الفاقة و المحتاجين، و إغناؤهم عن ذل السؤال في هذا اليوم، حتى تشمل الفرحةُ و البهجة و السرور كلَّ بيتٍ، و تعمَّ كل أسرة، صدقة الفطر.
– و من دلالات العيد إظهار الكتلة الاجتماعية للأمة متميزة بطابعها الديني، بعيدة كل البعد عما يراد بها من تلبس بطابع غيرها، لابسة من عمل أيديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها و صناعتها، ظاهرة بقوتين في إيمانها و طبيعتها، مبتهجة بفرحين في دورها و أسواقها، فكأنَّ العيد يوم يفرح الشعب كلُّه بخصائصه.
– و من دلالاته العيد، تغيير نمط الحياة المعتادة، و كسر رتابتها الثابتة، ذلك أن من طبيعة النفس البشرية حبها و تطلعها إلى تغيير ما اعتادت عليه من أعمال، فكان العيد مناسبة للتغيير، و فرصة للترويح، لتستريح بعد التعب، و تفرح بعد الجد و النصب، و تأخذ حظها من الاستجمام و ما أباح الله، فتعود أكثر عملاً و نشاطاً، و لهذا -و الله أعلم- جاء النهي عن صيام يوم العيد.
– العيد هو إشعار لهذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأنَّ الأيام تتغيَّر، و ليس العيد للأُمَّة إلا يومًا تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، و الكلمة الواحدة في ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب.. كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يومًا في شعبها الحربي.
– العيد وقت لمباسطة الأهل و مداعبتهم و التوسعة عليهم، و خاصة بعد أن اختل توازن العلاقات الاجتماعية في عصرنا الحالي، إذ باعدت تكاليف و شؤونها بين الأب و ابنه و بين الزوج و زوجته، و بين الفرد و أقاربه، فيأتي العيد ليعيد شيئا من هذا التوازن المسلوب.
– العيد إلا التقاء الكبار و الصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها، و ترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي في حماسة الفرح و البهجة، و يعلِّمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فرغت عندهم من معانيها، و يبصرونهم كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه، لا عمل المنابذ لمنابذه، فالعيد يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب.
– و مـن دلالات العيد التكافل الاجتماعي و السخاء و المودة في القربى و البشاشة و الفرح في وجه من نلقاه من المسلمين و ذلك بذل الصدقات و تبادل الهدايا، و التوسعة على الأهل و الأولاد و الجيران، و بث الوئام، و البدء بالصلح، و نبذ الخلافات، و تنقية القلوب من الضغائن و الأحقاد، و العفو عن المسيء، و إفشاء السلام على مَن نعرف و مَن لا نعرف، و إطعام الطعام.
– العـيد هو تربية على نشر القيم السامية و الأخلاق الراقية كالمودة و المحبة و التسامح و الإخاء بين أفراد المجتمع الإسلامي، و ذلك بصلة الأرحام و تجديد أواصر المحبة و التواد بينهم.
– العيد هو تذكير لجمع لصف الأمة، و مكافحة لشتاتها، و تذكير بوحدتها و تماسكها، و قوتها، و ذلك من خلال المظاهر الجماهيريَّة العامّة للاحتفال به، في الأماكن و الساحات العامَّة، حيث يلتقي معظم أفراد المجتمع.
– العـيد تربية على الجمالية الإسلامية التي تتمثل في الزينة و لبس أحسن الثياب، و التطيب بأجود الطيب و التجمل لله سبحانه، و هذا التزين المشروع في إظهار و شكر لنعم الله سبحانه، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه”.
– العـيد وقفة مع ضمير النفس لتتفكر و تتأمل في مصيرها المحتوم، و ذلك لما يستحضره المسلم صبيحة يوم العيد فيمن صلى معه الأعياد الماضية من الآباء و الأجداد و الأصحاب و الإخوان، و أنهم قدموا على الله تعالى، و قد أفضو إلى ما قدموا فمنهم شقي و منهم سعيد. و هذا فيه تربية ذاتية للإنسان المسلم لمحاسبة النفس بين الحين و الآخر فتكون النتيجة أن يحمد الله سبحانه على ما قدم من خير و إحسان و يستغفره لما كان من غفلة و نسيان.
– و من المقاصد و التي ترتبط بعيد الأضحى، التربية على الإحسان في كل شيء و تتجلى في طريقة ذبح الأضحية و معاملتها برفق و رحمة، كما علمنا رسولنا صلى الله عليه و سلم، بأن نحد شفرتنا، و نُرِيح ذبيحتنا، و لا نُرِيها المُدْيَة أي السكين حيث قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحسان عَلَى كُلِّ شيء، فإذا قَتَلْتُمْ فأحسنوا الْقِتْلَةَ، و إذا ذَبَحْتُمْ فأحسنوا الذِّبْحَةَ، وَ لْيُحِدَّ أحدكم شَفْرَتَهُ، وَ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).
و ختامًا
هذه بعض مقاصد العيد و دلالاته التربوية، و التي من أجلها فرض العيد و جُعل ميراثًا مستمرا يبن أجيال المسلمين؛ ليستخرج أهل كلِّ عصر من دلالات و معاني زمنهم، فيضيفوا إلى بيان ما يوحد الأمة، و يحققه عزها، و يقوي وحدتها، و تقتضيه مصالحها. كما أنه حقيقة لنشكر المنعم سبحانه على توفيقه للعبادة و إعانته على تمامها.
و تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال، و أعاده علينا و عليكم باليمن و الخير و البركات.
الرابط : https://hiragate.com/25248/