(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 14 تموز/يوليو 2016 13:04

الحياة الذكريات

كتبه  الأستاذ محمد عماد نوفل
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحياة هي الذكريات، بل إنما الإنسان ذكريات؛ برهان ذلك - كما ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله -: أن أحدنا لو جُرِّد من ذكرياته، لأصبح و ما لحياته معنًى، و لا لوجوده اعتبار!

و حين أعود بذاكرتي إلى سِنِي عمري التي مضت - بخيرها و شرها، بفرحها و ترحها، بسرائها و ضرائها - أحسُّ و كأنني بنيان شيدتْه الليالي و الأيام، و كلُّ لَبِنة في هذا البنيان إنما هي لحظة أو موقف أو مشهد أو أي ذكرى من هذه الذكريات، التي عملت في نفوسنا و مشاعرنا عملها في وقتها، لكنها صارت من بعد شيئًا منا و فينا، نعود إليه فنذكره: نندم عليه آسفين، أو نَحِنُّ إليه ممتنِّين، أو يعود هو إلينا فيهيج علينا الأحزان، أو يبعث فينا المسرَّات، فنأسى أو نبتسم في هدوء!

و حين أفكر في هذا الأمر جليًّا، أخلُصُ إلى القول: بأن هذا الأمر داعٍ من أكبر الدواعي إلى إتقان العمل، و الصبر على الواجبات، و تحمل المسؤوليات؛ كي نستطيع بذلك تكثير صفحات النجاح و الفلاح و السعادة في كتاب حياتنا، و نقلل ما استطعنا - و لا مفرَّ- تلك الصفحات التي عنوانها الفشل و الحزن، و تفاصيلها التقصير و التفريط، أو الطيش و الغفلة، أو أي شأن نحن الملومون فيه، و التهمة ثابتةٌ!

ثم لو كانت فصول هذا الكتاب متناثرة لا يربط بينها رابط، و لا يؤثِّر في لاحق منها سابقٌ، إذًا لهان الأمر جدًّا و لقلَّ شأنُه، لكن الأمر ليس كذلك.

لننظر إلى الحزن مثلاً؛ فإن الإنسان - كما يقول الرافعي -: إذا حزن استدعى كلَّ أحزانه، و كأن حزنًا واحدًا لا يكفيه! لهذا صرتُ أعوذ بالله من حزن جديد يضاف إلى أحزاني و يأبى على النسيان، يزيد في وجعي مع كل حزن يأتيني، مع أني أعوذ بالله من كل حزن؛ لأنَّ أحب شيء إلى الشيطان - كما يقول ابن القيم -: أن يحزن العبد المؤمن؛ ليقطعه عن سيره، و يوقفه عن سلوكه، و الحزن يضعف القلب، و يوهن العزم، و يضر الإرادة.

ثم إني لا أظن أن الأمر مقتصر على هذه الذكريات؛ لأن الذاكرة - كما يقول العقاد -: ذاكرة مستبدة، تحفظ و تنسى على غير قانون ثابت؛ إذًا فتفاصيل حياتنا تغير فينا و تبدل من حيث أدركنا ذلك أم لم ندرك، و من ذا الذي يصفو له حال؟!

أخيرًا، و حتى يكون القول تامًّا لا مدخل لأحد عليه، و لا موضع غمز و لا همز - أقول: من الناس من لا يلتفت إلى ماضٍ و لا ينظر إلى وراء، تراه مشغولاً بحاضره و حاضره فقط! لا يقف طويلاً عند فشل و لا يعوِّلُ على نجاح، يقبل على كل أمر بنفس جديدة، لا تقلقه خيبة مضتْ، و لا تخوفه عثرة انقضت، كأنما هو متفائل كل حين و على كل حال.

و في تقديري: لعل هؤلاء في راحة و اطمئنان، و ربما كانوا هم أجدر و أقوى على السعي و العمل و المثابرة، و لعل هذا ما جعل ابن حزم يقول: "و إن حنيني إلى كل عهد لي ليغصني بالطعام و يشرقني بالماء (و قد استراح من لم تكن هذه صِفته)".

و مع ذلك أقول ما قال رب العزة سبحانه: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]؛ فهنيئًا لأناس الروحانية الفياضة التي تملأ عليهم نفوسهم فيحيون حياة غير الحياة، تملك عليهم أحاسيسهم بألوان و معانٍ، لكلٍّ عَبَقُه، و لكلٍّ لذَّتُه، و هنيئًا لأناس عزيمتهم و جَلَدُهم و ما يوفقهم الله إليه من إنجاز ربما عجز عنه سواهم و ما استطاعوا معه صبرًا.

لماذا أقول ذلك؟!

تسألني؟!

إذًا تسألني عن السعادة!

لأن السعادة هي جنة الرضا في قلب المؤمن، و لأن الناس جميعًا - و إن تفاوتت بهم الطبائع و الصفات - ساعون في طلب غرضٍ واحد و استحسانه - على رأي ابن حزم - و هو: طرد الهمِّ.

ثم أختم بقوله رحمه الله - و راجعه؛ فإنه نفيس، و فيه مزيد إيضاح -: "بحثتُ عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس... فلم أجدْها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة...، و وجدت العمل للآخرة سالـمًا من كل عيب، خالصًا من كل كدر، موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة".

قراءة 1747 مرات آخر تعديل على الجمعة, 15 تموز/يوليو 2016 07:39