(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
السبت, 02 أيار 2020 08:07

الذكـــرى الـ 75 لـمذابـــــح 8 ماي 1945 / وقـــائـــع لا انســـانـيــة فــي يوم دمــوي عاشـــه الجزائريــــون

كتبه  الأستاذة فاطمة طاهي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يعد شهر ماي 1945م تاريخ كتبته فرنسا بدماء الشهداء، في حق شعب أعزل، و فصل من فصول الصراع المرير بين الشعب الجزائري الأبي التواق الى الحرية و الاستقلال بزعامة نخبة من الوطنيين، الذين أخذوا على عاتقهم النضال و الكفاح، و السهر على توعية الجماهير و تهيئتها لساعة الحسم، هذه الأحداث التي أكدت أن كل ما سلب بقوة لا يُسترجع الا بالقوة، كما أثبتت عن مدى فضاعة و همجية المخطط الاجرامي المنظم، الذي طبقته السلطات الاستعمارية على الشعب الجزائري، فلم تفرق بين الأطفال أو شيوخ و النساء، لتطبق عليهم برنامج الابادة بالتعذيب و القتل و التشريد، لا تزال هذه المجازر الرهيبة راسخة في أذهان الجزائريين يتذكرونها كل الثامن ماي، و ستبقى العديد من المناطق خير شاهد للتاريخ على حقد و همجية المحتل الغاصب سيما مضائق خراطة.

 خلفية أحداث 08 ماي 1945
و في الفاتح من شهر ماي 1945م بادر حزب الشعب الجزائري بتنظيم مظاهرات عبر التراب الوطني، و هو اليوم العالمي للعمال، و قد تم اعداد العلم الوطني و حضروا الشعارات التي يرفعها الجزائريون و من بين هذه الشعارات «استقلال الجزائر» «نهاية الاستعمار» «تحرير مصالي»، و قد أكدت هذه الشعارات أولا على النضج السياسي و الوعي المتزايد لدى الجماهير الشعبية و المناضلين، و ثانيا عبرت على امال معظم زعماء الأحزاب في ذلك الظرف العصيب و مطالب الحركة الوطنية و غيرها، شارك فيها عشرات الآلاف من الجزائريين في مختلف أنحاء الوطن: في الجزائر، وهران، بجاية، تلمسان، قسنطينة، مستغانم، قالمة، غليزان، سطيف، باتنة، بسكرة، عين البيضاء، خنشلة، سيدي بلعباس، سوق أهراس، شرشال، مليانة، سكيكدة، واد زناتي، سعيدة، عنابة، تبسة، سور الغزلان، و لم تتوقف المظاهرات ففي ولاية عنابة تظاهر حوالي 500 شخص، و ذلك يوم 3 ماي و في ولاية قالمة في الرابع ماي، و في ولاية سطيف مرة أخرى في السابع ماي.

وقائع المجازر في قالمة و سطيف و خراطة
خرج الجزائريون و رفعوا رايتهم عاليا و عبروا عن اهدافهم و المتمثلة في الحرية و الاستقلال، هذا الحق الذي قاتلو لأجله في صفوف بشجاعة و اقدام في الحرب العالمية الثانية، ففي ولاية سطيف اكتظت الشوارع و بالتحديد على الساعة الثامنة و النصف من هذا اليوم أخذت افواج من المناضلين و العمال و الفلاحين تتجمع في المسجد القريب من المحطة، و قد حضر فيه مناضلي حزب الشعب و كذا الكشافة الاسلامية، و انطلقوا و قد شارك فيها ما بين 7 الى 8 الاف شخص، و كانت الكشافة الاسلامية في مقدمة المظاهرات حتى وصلوا الى الشارع الرئيسي» جورج كليمونصو» و كان أحد أشبال الكشافة حاملا العلم الوطني و المتظاهرون يحملون باقة من الورد، و فجأة أطلق الرصاص على أول شباب و هو بوزيد سعال حامل العلم الوطني.
و في خراطة كان يوم الثامن من شهر ماي 1945 يوم السوق الأسبوعي لمدينة خراطة كما في مدينة سطيف و هو يوم عطلة أيضا بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج فيها الجزائريون و ما ان حلت الساعة 11.00 صباحا حتى قدمت القوات الفرنسية الى مدينة خراطة، و بواسطة رشاشاتها الثقيلة اطلقت النار على السكان فقتلت المئات، و قد شملت أعمال الابادة دون تمييز بين رضيع أو شيخ أو شاب و كان السكان يحفرون قبورهم بأيديهم.
و في ولاية قالمة و أين بدأت المظاهرات من خلال تجميع عدة آلاف من الجزائريين بمركز المدينة المسمى «الكرمات»، و رفعت خلالها الشعارات التي رفعت في خراطة و سطيف، و كان المستوطنون في نفس اليوم يقيمون حفلا في ساحة محمية بالرشاشات، و عند وصول المسيرة الى عين المكان، أقيم استجواب بين شخصين كانا في الحفل أحدهما قال للآخر: هل توجد فرنسا هنا أم لا؟ فأجابه الثاني بنعم، فأطلق مباشرة النار على أول شهيد.
مذابح 08 ماي في نظر الشيخ البشير الابراهيمي
يعتبر البشير الابراهيمي صاحب المقولة المشهورة « لو أن تاريخ فرنسا كتب بأقلام من نور ثم كتب في آخر فصل من هذه الفصول المخزية بعنوان مذابح سطيف و قالمة و خراطة، لطمس هذا الفصل ذلك التاريخ كله»، و هذه المقولة تبرهن ما ارتكبته فرنسا من جرائم وحشية تكفي لتلطيخ تاريخ فرنسا كله بالسواد، فقد قامت بإحراق الديار و اتلاف المحاصيل الزراعية و قتلت الجزائريين، و انتهكت الحرمات الانسانية، و بالتالي هذه المجازر في نظره هو عمل جبان من الفرنسيين، ففي الوقت الذي كانت الحرب منذ لغة اختفوا عن الساحة تاركين الجزائريين يحاربون النازية و الفاشية بكل شجاعة، و عندما توقفت الحرب ظهروا فقاموا بالقتل و الاعدام و لقد لخص ما جرى في الثامن ماي بأسلوب حزين و قال: يا يوم …. لله دماء بريئة فيك، و لله أعراض طاهرة انتهكت، و لله أموال محرمة استبيحت فيك، و لله يتامى فقدموا العائل الكافي فيك …. و لله أيام فقدت بعولتهن فيك ……»
كما أقسم البشير الابراهيمي بأن هذه المجازر ستبقى تلطخ جبين الحضارة الفرنسية إلى الأبد مهما حاول المدافعون عنها أو المعجبون تلميع صورتها، و عليه فإن هذا اليوم سيبقى محفوظا في ذاكرة الجزائريين مهما تعاقبت الأيام و السنين، حيث عبر عن ذلك بقوله «يا يوم لك في نفوسنا السمة التي ال تمحى و الذكرى التي ال تنسى فكن من أي سنة شئت فأنت الثامن ماي و كفى و كل ما علينا من دين أن نحيي ذكراك… لئن ال يمسحه النسيان من النفوس».

 الشاذلي المكي عن الثامن ماي 1945
يقول الشاذلي المكي عن الثامن ماي: «ففي هذا اليوم يوم الثامن ماي 1945، خرجت جموع الشبان و الفتيان و الكهول و الشيوخ متظاهرون في مدن سطيف و خراطة و قالمة ….. و ينشدون أغاني الحرية و الاستقلال، و ما كانوا يظنون أن الكثير منهم سوف لا يرجع إلى أهله و ذويه، و أن الرد منهم بالمرصاد، ذلك أنه لم تمض ساعات قلائل من خروجهم من دواويرهم حتى تبدل الحال من مظاهرات سليمة إلى معارك دامية دارت رحاها في نواحي كثيرة في القطر الجزائري»، و يضيف: « و أما في مقبرة قالمة فلقد رأينا عربات نقل يملكها الجيش الفرنسي، ترمي على الأرض بأكياس كبيرة و لقد هالنا أن لا تحدث هذه الأكياس ساعة إلقاءها على الأرض أي صدى، فاقتربنا من العربات فاذا بالداخل جثث ممزقة منهوشة مزقها الرصاص و أحراب نهشها الغراب».
حصيلة مجازر 08 ماي 1945
صرحت جريدة ” البصائر” لسان حال جمعية العلماء المسلمين أن عدد ضحايا مجازر 08 ماي 1945 هو ـ 85 ألف، و اختلفت التقارير عن عدد القتلى و الجرحى نتيجة أحداث الثامن ماي، فوزير الداخلية الفرنسي ، ذكر في تقريره أن عدد الجزائريين الذين شاركوا في الحوادث قد بلغ 50 ألف شخص، و نتج عن ذلك مقتل 88 فرنسيا و 150 جريحا. أما من الجانب الجزائري فمن 1200 إلى 1500 قتيل ( و لم يذكر الجرحى). أما التقديرات الجزائرية فقد حددت بين 45 ألف إلى 100 ألف قتيل أما الأجنبية فتختلف أيضا، و هي في الغالب من 50 ألف إلى 70 ألف، تضاف إلى حوالي 200 ألف بين قتيل و جريح و مختل عقليا من المجندين أثناء الحرب العالمية الثانية لإنقاذ فرنسا من سيطرة النازية.
أما جريدة ” البصائر” لسان حال جمعية العلماء المسلمين فقد قدرت عدد القتلى بـ 85 ألف، و ذكرت الكاتبة “فرانسيس ديساني” في كتابها ” La Paix Pour Dix Ans”: أن السفير الأمــريكي في القاهرة “بانكنـي توك” (Pinkney Tuck ) أخبر رئيس الجامعة العربية “عزام باشا” بأن هناك 45 ألف جزائري قتلهم الفرنسيون في مظاهرات 8 ماي 45، مما أغضب الجنرال ديغول من هذا التصريح بإعتبارها «قضية داخلية».
هذه المجازر جعلت الجزائريين يدركون بأن الاستعمار الفرنسي لا يفقه لغة الحوار و التفاوض، و ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة و عليه ينبغي التحضير للعمل العسكري، و بحق كان الثامن من ماي المنعطف الحاسم في مسار الحركة الوطنية و بداية العدّ التنازلي لاندلاع الثورة المسلّحة التي اندلعت شرارتها في الفاتح من نوفمبر 1954 و لم تخبو إلا بعد افتكاك الاستقلال كاملا غير منقوص من قبضة المستعمر الفرنسي.
قراءة 1374 مرات آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 04:15