(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 22 آب/أغسطس 2021 09:41

“بوركهارت” في جزيرة العرب

كتبه  الأستاذ ناصر أحمد سنه
قيم الموضوع
(0 أصوات)
حّالة فذّ، و مغامر جسور، و مُلاحظ دقيق، و مستشرق مُنصف. حياته قصيرة لكنها حفلت بالإنجازات الكبيرة. رحل إلي بلاد الشام، ثم بلاد النوبة، و كتب ملاحظاته عن البدو، و نشأة المملكة العربية السعودية، و انتهي برحلات في شبه جزيرة العرب. و عاد إلى مصر التي توفي فيها، و فتح “كنوزنا” الأثرية، فكان “رائداً” في وصف مدينة “البتراء” الأردنية، و معبد “أبي سمبل”. كما ترك وصفاً هاماً  ـ ضمن كثير مما وصف ـ  لكل ما له صلة بالخيل العربية الأصيلة، و الإبل النجيبة داخل جزيرة العرب و خارجها.

يُعتبر الرحالة السويسري الأصل “يوهان لودفيج بوركهارت” (Johann Ludwig Burckhardt  1784ـ 1817) من أوائل المُستكشفين لبلادنا العربية في عصر الإمبراطورية العثمانية، و لقد وصف التراكيب السكانية و القبلية، و العادات و التقاليد البدوية، و الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. كما وصف علاقات جزيرة العرب (بحجازها، ونجدها، و عسيرها) بشبه جزيرة سيناء، و مصر، و الشام. و ذلك عن طريق وصفه لطرق الحج (المصري و الشامي و اليمني)، و الطريق بين المدينة و القصيم. مما جعل كتاباته مراجعاً في بابها. هامة لكل من نبش في العلوم الأنثروبولوجية و السوسيولوجية لتلك الحقبة من حقب بلادنا العربية. و كان “بوركهارت” قد انتقل، عام 1806م، إلى لندن بعد احتلال “نابليون” لبلاده. و كان المناخ العام في “لندن” مهتماً بالعالم الإسلامي، لتنافس “باريس” هناك، و التحق “بوركهارت” بالجمعية الملكية المعنية بالاكتشافات الجغرافية في إفريقيا، إلا أن العالم الإسلامي كان أكثر إثارة له، فقرر ترك الجمعية و دراسة اللغة العربية في جامعة “كامبردج”، و وفر لحيته، و ارتدى زياً عربياً.

و غادر “بوركهارت”، في الثاني من مارس عام 1809، إنجلترا إلى “مالطة” و منها إلي “حلب” التي عاش فيها نحو عامين. و أتقن لهجات البدو، و بعد اعتناقه الإسلام أطلق على نفسه اسم الشيخ “إبراهيم بن عبد الله”. و أقام في دمشق نحو عام ، و زار “تدمر”، و توجه إلي “بعلبك” في لبنان، و مناطق بالعراق. و كان أول أوروبي يكتب عن آثار مدينة “البتراء” بالأردن: “إنها آثار مدينة مهيبة تقع في وادي موسى و يحتمل أن تكون البتراء، فيها نشاهد مدافن منحوتة في الصخر و بقايا معابد و قصور و مدرجات و قنوات مياه و غيرها من الغرائب و الروائع النادرة التي تجعل هذه المدينة أكثر إثارة للاهتمام من أي شيء آخر شاهدته في حياتي”.

و في انتظار سفره إلى “تشاد” عبر “ليبيا” نظم رحلة إلى صعيد مصر للتعرف عليه. فكانت فرصة دوّن فيها عادات أهل النوبة و معلومات عن معبد “أبي سمبل” الذي كان مدفونًا في الرمال. و يعتبر أول أوروبي يشاهده قبل اكتشافه كاملاً من قبل الرحالة الإيطالي “بلزوني” بعد أكثر من 30 عاماً. و في صيف عام 1814 قرر أن يقوم برحلة إلى “الحجاز”. حيث انضم إلى قافلة حج مع نوبيين و سودانيين و سار معها حتى وصل “سواكن”، و منها بحراً إلى “جدة” حيث وصلها بعد أسبوعين. و قام بأداء فريضة الحج. و تسبب مرضه بالبقاء بالحجاز و نجد حتى منتصف عام 1815. مما سمح له بتدوين الكثير عن المنطقة و عن عادات أهلها في نجد و الحجاز في مخطوطات كتبها باللغة العربية. كما كان أول من رسم خارطة حديثة لمدينة مكة.

بوركهارت و الخيل العربية

تمثل رحلة “بوركهارت” مسحاً “معرفياً، و معلوماتياَ” شاملاًً لجزيرة العرب. و رصداً عاماً لأشعار و عادات و تقاليد و فنون و حرف أهلها، حتي رعاية وتربية الخيل و الإبل!. و في حديثه عن الخيل و الإبل العربية (في كتابه: “ملاحظات عن البدو و الوهابيين”، المنشور في لندن عام 1931) إيضاح، للمهتم، بكل ما كان له صلة بالخيل الأصيلة، و الإبل النجيبة، داخل جزيرته العربية و خارجها. و تناول مقارنتها بالخيل و الإبل غير العربية لتزداد ملامح صورتها وضوحاً. فلقد وصف الخيل في بادية سورية بحديث لطيف يستوعب كثيراً من أساليب رعايتها، و أغراض استثمارها. فضلاً عن صفاتها، و أسمائها، و أدوائها، و أثمانها. فذكر أن فيها ثلاث سلالات من الخيل: العربية الأصيلة، و التركمانية، و الكردية (خليط من السلالتين الأوليين). فالخيل العربية، غالباً، صغيرة الحجم، يندر ان يزيد طولها عن أربعة عشر شبراً. و لها صفات جمالية خاصة تميزها عن غيرها من السلالات. و يعدّ البدو خمس سلالات أصيلة من الخيل تنحدر ـ كما يقولون من أفراس النبي، صلي الله عليه و سلم، المُفضلةـ و هي: طويسة، و معنكية، و الكحيلاء، و الصقلاوية،  و الجلفة.

و لكل من هذه السلالات الخمس شعب كثيرة، و عادة ما يجتمع عدد من الشهود عند ولادة مهر أصيل فتكتب “حجة أو شهادة” توضح اسم أبيه و أمه، و صفاته المميزة. و غالبا ما كتبت شهادة النسب في قطعة جلد صغيرة و غُطيت بقماش مشمّع و عُلقت في رقبة الحصان أو الفرس. و يتابع ” بوركهارت” مراحل نمو المهر، و طرق إعاشته و تربيته حتي يكبر. فضلاً عن كيفية تحديد عمر الحصان، والحيل التي يتبعها بائع الخيل الأوربي للتدليس علي من يشتري منه. والتي لا يعرفها البدو من العرب فهم عند قولهم.. صدقاً و مصداقية. كما يشير إلي عدم وسم العرب لخيلهم بأية علامات، لكن كيّهم (الكي أكثر علاج عام) الخيل لها أحيانا، معالجة لبعض الامراض، يترك اثراً على جلودها فيبدو كأنه علامة وضعت قصداً. و  يشير لبعض أمراض الخيل (و طرق علاجهم) لدي البادية و التي منها: المغص، و السراجة،  و السقاوة، و المحمور، و المصفور، و الجرب، و الحتوت، و الباش، و عقر السرة، و عقر الصفحة، و مقطوع القلب الخ.

و يقتني كل البدو، تقريباً، إناث خيلهم بينما يبيعون ذكورها، و يتراوح سعر الحصان ما بين 10- 120 جنيهاً. و لقد بلغ من عناية العرب بخيلهم أن أطلقوا على كل ما يتصل بها اسماً، و لم تقاربهم في ذلك أي لغة أخرى. فثمة أسماء تشمل أطوار حياتها، و مشِّيها، و عَدْوها، و أصواتها، و عتقاها، و أنواعها، و ألوانها، و أوصافها، و حدوها الخ. فوليد الفرس أول ولادته”مُهراً”، ثم”فُلْواً”، و بعد سنة واحدة “حَوْلي”، و في الثانية “جَذْعاً”، و الثالثة”ثِنْيِاً”، فإذا دخل الرابعة “رَباعاً”، و في الخامسة “قادحاً”، حتى يبلغ الثامنة، فإن تجاوز إلى نهاية عمره سمى”مُذَكّى”.

و ذكر أن في “نجد”، نسلاً جيداً (و إن كان قليلاُ نسبياً مقارنة بغيرها من الجهات التي زارها) من الجياد المُميزة (كبنت الكحيل). و يطلق على أجودها و أكثرها أصالة “خيل نجادي”. و يغذي النجديون خيلهم بالتمر بانتظام. و يخلط التمر في الدرعية و الأحساء بالبرسيم اليابس فيطعم إياها. لكن لا يوجد في منطقة نجد، و جبل شمّر، و القصيم حتي المدينة أكثر من عشرة آلاف رأس من الخيل. بيد أن قبيلتي شمّر و الظفير غنيتان نسبياً بالخيل الأصيلة. كذلك يعرج علي الخيل المصري و صفاتها، و يشير إلي أن بدو الحجاز اعتادوا شراء المهار من قافلة الحجاج المصريين ثم يبيعوا ما تلده بعد ذلك من ذكور جيدة إلي أهل اليمن. و لم ير أبدا أي حصان مخصّي في داخل الصحراء.

بوركهارت و الإبل العربية

و في وصفه “الإبل” العربية لم يخص الإبل في سورية و بادية الشام بحديث كما كان شأنه في حديثه عن الخيل. بل تحدث عنها بصفة عامة على نحو من حديثه عن الخيل في بلاد العرب. و تنقل في وصفه من الشرق إلى الغرب و من الشمال إلى الجنوب و العكس في الأمرين. و أشار إلي أن إبل الصحراء السورية أصغر حجماً من الإبل الأناضولية، و التركمانية، و الكردية. و هي تتحمل الحرارة و الظمأ أكثر من الأنواع الأخيرة. لكنها تتضرر أكثر بالبرد. و يشير إلي ما ينتج من التزاوج بين الإبل العربية و تلك السلالات الأخري.

كما يقول يذكر أنه لا يوجد لدي العرب إبل ذات سنامين. و لم ير واحداً منها أو سمع به في سوريه. و يتابع مراحل نمو و تربية الإبل منذ ولادتها، و حتي عمر قد يصل لأربعين عاماً. فضلا عن وسمها، و أنواع أمراضها و أهمها: “المطيور” (تصلب الرقبة نحو جانب من جوانب الحيوان)، و”المهمور” (الإسهال الشديد لمن له من العمر سنتان)، و” المجعوم” (ابتلاع الإبل الكاملة النمو شيئاً من دمن الضأن أو الماعز اليابسة)

و لقد كال “بوركهارت” الثناء على الإبل النجدية، فهي في “نجد” أوفر وأجود، و تسمى “أم الإبل”. كونها تمدّ سورية، و الحجاز، و اليمن بها. و هي غنية بمراعيها الممتازة التي تكثر حتى في صحاريها بعد الأمطار. و يرتاد سهولها عدد لا يحصى من البدو الذين يبقون معظم السنة و يشترون الحنطة و الشعير من السكان. و خلال موسم الأمطار، يذهب هؤلاء البدو باتجاه قلب الصحراء فيمكثون حتي تستهلك مواشيهم مياه الأمطار التي تجمعت في الأراضي المجوفة.

و قد انتجت مراعي “نجد” نسلا وفيراً و أصيلاً من الإبل. لذا يُؤتي إليها من كل حدب و صوب لتزويد قطعان كافة المناطق. و هي لا تزود الحجاز فقط بل سوريا و اليمن أيضاً. و في “نجد” يباع الجمل العادي بنحو عشرة دولارات. و يشير للإبل العُمانية أنا أحسن أبل الجزيرة العربية سرعة و أسهلها سيراً. فالذلول العُمانية مشهورة في القصائد العربية. كما يري أن الإبل المصرية أقل تحملاً للتعب، و غير معتادة علي رحلات الصحراء الطويلة. كونها منذ ولادتها تأكل و تشرب علي ضفاف النيل الخصبة. لكن أبل “دارفور” اكثر الإبل صبرا علي تحمل العطش. و يقص” بوركهارت” كثيراً من القصص التي سمعها عن السفر في أقسي ظروف الحاجة للماء.

مؤلفاته و وفاته

رغم قصر عمره.. ترك “بوركهارات” عدة مؤلفات منها: رحلات في بلاد النوبة والسودان 1819م، و”رحلة للشام و الأراضي المقدسة” (1822)، و”رحلات في بلاد العرب”(1829م)، و”ملاحظات عن البدو والوهابيين”(1830)، و”الأمثال العربية” (1830) (ألفها بالعربية و ترجمها إلى الإنجليزية).

و كان قد بدأ في القاهرة تدوين رحلاته حتى أجهد نفسه و انهارت صحته. و رغم ذلك انتظر قدوم قافلة الحجاج الإفريقين إلى القاهرة ليسافر معها إلى “تمبكتو” ليبدأ رحلة استكشافية جديدة و فجأة توفى في القاهرة يوم 15 أكتوبر سنة 1817م، و حال الأجل بينه و بين تحقيق هذا الهدف. و دفن في مدافن “باب النصر” الملاصق للقاهرة الفاطمية، و كتب على شاهد قبره” “هذا قبر المرحوم إلى رحمة الله تعالى الشيخ حاج إبراهيم المهدى بن عبد الله بركهرت اللوزاني تاريخ ولادته 10 محرم 1199هـ، و تاريخ وفاته إلى رحمة الله بمصر المحروسة 16 ذي الحجة سنة 1232هـ”.

صفوة القول: كانت، و مازالت، الخيل و الإبل محل افتخار العرب، و موضع احترامهم، و موئل إكرامهم. و لعل مكانهما، و مكانتهما، أعظم لدي أبناء الجزيرة العربية مقارنة بغيرها من أقطارنا العربية. و هذا ما أشار إليه الرحّالة الفذّ، و المغامر الجسور، و المُلاحظ الدقيق، و المستشرق المُنصف: “بوركهارت اللوزاني”.

الرابط : https://hiragate.com/24569/

قراءة 772 مرات آخر تعديل على الخميس, 26 آب/أغسطس 2021 09:46