سحبت الستائر جانبا، شق قبة السحاب الكثيف خط أزرق من السماء، ففهمت أن العاصفة إنتهت و بدأ الغيث يهدأ لتسمع موسيقي زخات المطر تتساقط علي ممرات الحديقة، بيدها الأخري، الهاتف النقال يرن من دون رد.
وضعت الجوال، و سرحت لحظات. ها أنها بعد عشرة أيام من إجراء عملية دقيقة لقريبتها. زارتها و سألت عنها بإنتظام لكن عودة ميساء المبكر للعمل أقلقها. فهي لم ترتاح، غادرت المستشفي يوم بعد العملية و صاحبة العمل ألزمتها بالرجوع إلي منصبها و هي التي في حاجة إلي راتبها، مسؤولة عن إخوانها و زوجها و إبنيها في عمر الجامعة، ماذا تفعل ؟ قبلت علي مضض و طوال الأسبوع أغلقت هاتفها و ها هي في يوم راحتها، لا ترد.
فجأة رن الجوال، رفعته مسرعة. جاءها صوت بنتها البكر، ردت بصوت رتيب :
-كأنك مشغولة البال أمي.
لم ترد أن تزعج إبنتها بتخمينات لا مدلول لها.
بعد ما أنهت المكالمة، عاودت الإتصال و أخيرا أجابتها ميساء :
-يا إلهي صوتك منهك للغاية يا أختي، لاحظت بقلق لم تنجح في إخفاءه.
-أما صوتك أنت يا عبلة فهاديء و آت من عالم كل شيء فيه مرتب.
-ميساء ما بك ؟ متي ينبغي أن تعودي للمراقبة ؟
-بعد أسبوعين، من الطبيعي أن أكون متعبة، عملية، و مسؤوليات و...
قاطعتها عبلة:
-و هل يعقل هذا ؟ أنت تغامرين بصحتك .
-بالفعل أتلاعب بالشيء الوحيد الذي تبقي لدي، صحتي... ثم إستطردت ميساء :
-ماذا أفعل ؟
-سأقوله لك، ضعي كل أحد أمام مسؤوليته و أنتبهي لنفسك و لصحتك، أجابتها بعصبية عبلة.
-و هل أقدر علي ذلك ؟ راتب زوجي لا يكفي و متطلبات الحياة تزداد يوما بعد يوم و أختي الكبري في حاجة إلي مالي و...
-طيب، ميساء صحتك مسؤوليتك في الأول و الآخر و ما دخلي أنا ؟ لا أطيل عليك، نهاية أسبوع مريحة و طهور إن شاء الله.
ساد صمت قصير في السماعة ثم جاء صوت المريضة خافتا :
- شكرا، في أمان الله...
جلست عبلة و رمت بنظرها إلي ما وراء باب النافذة أمامها :
"إغتسلت الحديقة و هكذا أراحني الله من تنظيفها، لا بد لي من إختيار زهور جديدة لمقدم الربيع."
صوت النقال المتدحرج أيقظها، نظرت مليا في إتجاهه ثم تمتمت : "أحيانا من الأفضل لنا و للآخرين الصمت و الدعاء و أنتهي..."
24-03-2017