نحن يوميا نقف علي عجز القائمين علي الأسرة المسلمة من آباء و امهات علي تخريج جيل في مستوي الرسالة الحضارية المنوطة إليه من قبل دينه الإسلام.
يوميا، تطالعنا أخبار عن إنتحار و هروب و إنحراف نحو المخدرات و الحبوب المهلوسة وتمرد الأبناء علي أولياء أمورهم و الوضع إن إستمر علي ما هو عليه، فأي نهضة حضارية نحو مستقبل سيد و مزدهر مستحيلة.
فالوعي الحضاري ينشأ أول ما ينشأ بين جدران بيت أسرة. فشبابنا اليوم يعيش لنفسه و لقضاء حوائج دنيوية تزول بزوال حاجته إليها و لا أفق له سوي أن يحصل علي رقي مادي بأقل التضحيات و أقل ثمن. فهموم مثل الإنبعاث الحضاري لأمة الإسلام أسقطها من أجندته المزدحمة بمطالب مادية بحتة.
من المظاهر الدخيلة علي الأسرة المسلمة، تحول بيت العائلة إلي صحراء قاحلة يتغيب فيه الأب و الأم علي السواء طوال اليوم، أصبح الزواج لغرض منفعي مادي، هذا و قد قلت نسبة الزواج و إرتفعت نسبة العزوبية لدي الذكور و الإناث و ما يترتب عن ذلك من إنحراف. بإنحسار مساحة وجود الأبوين في حياة الأطفال، كيف سيتلقون منهم التربية السليمة التي تحثهم علي الصدق و العفة و الإستقامة الأخلاقية و العمل علي تكوين أنفسهم ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمع مسلم معافي ؟
فقد إخترقت أسوار الأسرة المسلمة مفاهيم كحرية التعبير و المعتقد، فنري مراهقينا و شبابنا من جراء تعليم مختلط، لا ينمي فيهم حس الإنتماء الحضاري لأمة الإسلام، أفراد فاقدي الهوية، تلك الهوية الدينية و الروحية التي تميزهم عن بقية شباب العالم. هذا و المسلم اليوم لا يقيم عائلة ليزرع فيها بذور الصلاح و التقوي، فاقد الشيء لا يعطيه و هذا هو الحاصل مع أزواج هذا العصر.
هذا و فقدان المرجعية الدينية لدي الزوجين، أتي لنا بأفراد يقدسون نموذج الفردانية الأنانية، فحدود عالمهم تنحصر في شخصهم و في رغباتهم و إحتياجاتهم و طموحاتهم و أما معني التكافل و التآزر و التراحم بين أعضاء الأسرة في الدائرتين الضيقة و الواسعة فقد إختفت، فأيننا من الآية 36 من سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيم :
( و أعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و بذي القربي و اليتامي و المساكين و الجار ذي القربي و الجار الجنب و الصاحب بالجنب و إبن السبيل...)
كيف تصح أحوال مجتمع مسلم و الفرد فيه ينظر لدنياه من منظار الظفر المادي و فقط ؟
و هذا الفرد خلاصة نظام و نمط حياة، فالنخبة الدينية المخلصة لله مقصرة غاية التقصير، و كل أحد يفتي بغير علم و بغير قراءة متأنية و منصفة للواقع. فالمجتمع الذي تتراجع فيه معاني العبودية لله و تقوي الله سيؤول به الأمر لامحالة إلي الإندثار.
فتلك المصلحة الذاتية التي تطغي علي مسؤوليات الفرد ناحية أسرته و مجتمعه و دينه ككل كرست ذهنية "أنا و بعدي الطوفان". فهل من خلاص ؟
لا بد من تفعيل المرجعية الدينية بحيث لا تقتصر علي وعظ و خطب الجمعة و دروس تربية إسلامية في المنظومات التربوية فلا تأثير لكل هذا أمام طغيان الغزو اللاديني لشعوبنا عبر الأنترنت و شبكات التواصل الإجتماعي، نحن في حاجة إلي وضع إستراتيجية شاملة تضع مفاهيم و قيم ديننا الحنيف في صلب إهتماماتنا و قلب مشاريع النهضة.