(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأربعاء, 03 أيلول/سبتمبر 2014 15:05

وطني ولو كان شجرةً أو كومةَ حجارة

كتبه  الدكتور مصطفي يوسف اللداوي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

على جذعِ شجرةٍ قديمةٍ قويةٍ متينةٍ اتكأت،

هي صديقتها منذ زمنٍ بعيدٍ، تحبها و تحكي معها،

تزين بيتها، و تُعَّلم مكانه، و تُجمِّل أيامها، و تقيها حر الصيف، و تحميها من أشعة الشمس،

بينهما عِشْرة عمر، قد عرفتها و هي صبية، و رعتها عندما كبرت،

ترويها إذا عطشت، و تقلمها إذا شذت أغصانها، و نأت عن الأصل فروعها،

تُسر إليها و تسمع نجواها، فهي الصديق القديم الباقي الذي لم يتغير،

تحن عليها و تكاد نسمع أنينها، و تحس بحزنها إن حزنت، فهي الكائن الحي الجميل الندي الخالص الطاهر،

تعرف الصغار و تحب الكبار، و تحنو على الجميع، و تراهم يحيونها حباً  كلما مروا تحتها،

يرفعون رؤوسهم لينظروا إليها، و تشخص عيونهم نحوها إذا تأملوا فيها،

يهتمون بها، و يخافون عليها، و تحت ظلالها يستريحون،

تأوهت، و قالت يا الله، لك الحمد،

جذورنا في الأرض كما الشجرة،

عميقةٌ ممتدة، تستمد من الأرض الحياة، و تتسامى بأغصانها قبلة السماء،

تلمستها بيديها المعروقتين المرتعشين،  

قد أشقاهما الزمن، و أضناهما التعب، و نالت من نضارتهما الحياة،

إنها شجرةُ كافورٍ كان قد زرعها زوجها، و تعهدها في حياته، و أورثها من بعده أولاده،

تكاد تعانقها و قد أحاطتها بذراعيها، ففيها الماضي كله، و الذكريات الجميلة التي مضت،

قبلتها بحبٍ و شغف، و شوقٍ و حنين، فهي رفيقة العمر، و أنيسة الزمن، و كاتمة الأسرار،

حدثتها و خاطبتها، الحمد لله قالت، أنك هنا باقية، جذعٌ في عمق الأرض صامدة،

أنت أصلٌ و منك كان الفرع أصيلٌ كالأصل، من ماء الأرض يرتوي، و قبلة السماء يتجه،

ما بال أوراقك قد تساقطت، أهو الخريف الذي يزورك كل عام،

و ما بال أغصانك قد تكسرت، أهي الرياح و العواصف،

أم هي يدٌ عابثةٌ مخربة، هوجاء مدمرة، غاظها وقوفك، و أغضبها ثباتك، و استفزها في عمق الأرض وجودك،

فاستهدفك العدو الغادر كما البشر، و قصفوك كما الحجر، و أنت خير الشجر،

ظنوك ستركعين، و لهم ستخضعين، و تحت وابل نيرانهم ستحترقين،

ظنوا أنك ستصبحين رماداً يتطاير، و بقايا حطبٍ يتبعثر، و جذعاً في الأرض قد ماتت جذوره،

كانت هامتك المرفوعة تحزنهم، و قامتك المنتصبة تخيفهم، و فروعك المتنامية ترعبهم،

خافوا من نسلك، و أقلقهم خلفك، و ما تفرع منك، و البذور المتساقطة من زهرك، تزرع الحياة و تبقي الأمل،

قصفوك بلا رحمة، و حرقوا أغصانك بلا شفقة، و أطلقوا النار غزيراً على ساقك المنتصبة،

لكن قد خاب ظنهم، و طاش سهمهم، و انقلبت حساباتهم،

لم تنحنِ لك قامة، و لم ينكسر ساقك، و لم تضعف كل أغصانك، و لم تسقط كل أوراقك،

بل بقيت تقاومين الموت، و ترفضين الاستسلام، و تصنعين بشموخك الحياة،

و كأنك تقولين أننا ها هنا باقون، نورث الحياة لمن بعدنا، ما بقيت الأرض و السماء،

ستعودين يا شجرة الحياة وارفةً كما كنت، كبيرةً كما عرفتك، نستظل تحت فيئك كما عهدنا،

و ستعود إلى أغصانك و دوحك العالية عصافير الصباح و بلابله المغردة، بألوانها الزاهية، و أصواتها الطربة،

تزقزق و تشقشق، و تبعث في الدنيا الحياة، و تبشر بصباحٍ آخر، و غدٍ جديد،

كل شئٍ حولها مبعثرٌ مهشمٌ مدمرٌ محطم،

الجدران منهارة، و السقوف ساقطة، و أواني المطبخ مبعثرة، و كراريس الأطفال ممزقة، و ألعابهم الصغيرة محطمة،

لكن الحياة من حولها باقية، الشجر و البشر ما زالوا هنا، رغم عصف القصف ما زالوا باقين،

نادت على أولادها و أحفادها أحمد و محمد و حسين و علي، و فاطمة و مريم و خديجة،

قالت لهم بصوتٍ لا يعرف التردد، ول ا تعوزه القوة، و لا ينقصه اليقين، و منه يشع الأمل،

هاكم شجرتنا، ما زالت باسقة الأفنان عالية، تعاند بكبرٍ، و تتحدى بصلابة،

تساقطت بعض أوراقها، و تكسرت بعض أغصانها، و احترقت أطرافها في أكثر من مكان،

لكنها أبت أن تركع، و بقيت واقفةً لم تنحنِ، و لم تخضع،

ستبقى شجرتنا و سنبقى، و سنبقى واقفين كما الأشجار و لن نخضع،

ستخضر يا أولادي أرضنا، و ستورق أشجارنا، و ستنبت تربتنا من جديد،

احفظوها عهداً كما حفظناها، و اجعلوها إرثاً كما تسلمناها،

هي يا ابنائي العهد و الوفاء، و هي البقاء و النماء، و هي العطاء و للصبر خير الجزاء،

أما عدونا فسيبور جهده، و سيفشل سعيه، و سيفل عزمه.

سيرحل عن أرضنا، و سيحل عليه بأيديكم الفناء،

كونوا واثقين يا أولادي أن الغد لنا، و أن النصر حليفنا، و أن هذه الأرض ستعود لنا.

هذه هي صورة عن الأم الفلسطينية، الصابرة المعطاءة، الصادقة المضحية، المخلصة الوفية، التي تعطي بصدق، و تربي بأمل، و تنشئ على عقيدةٍ و بصيرة، فلا يموت عندها الأمل، و لا يخبو في صدرها الرجاء، و لا تنطفئ في قلبها جذوة الحنين إلى الوطن، و الشوق إلى الديار، و ستبقى تحفظه و لو كان شجرةً باقية، أو كومة حجارةٍ مدمرة.

الرابط:

http://www.odabasham.net/show.php?sid=77456

قراءة 1989 مرات آخر تعديل على الإثنين, 13 تموز/يوليو 2015 09:34