(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 07 نيسان/أبريل 2016 06:31

ذكرى.. و نسيان

كتبه  الأستاذة أم وفاء قوادري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في غفلة من الزمن، احتبَس الشوقُ و جَال في القلب الوَهَن، مرَّت تتخطَّر كحمامة، زَفَّت النَّسَمات إليه ريحَها، فوَقَفَ ينتَظِر و نارُ الوَجْدِ تتأجَّج في الجَوَى، لمَحته من بعيد، و على نهر نظَراته الشاردة، سَكبَت ابتسامةً، ترامَتْ على وَجْنتَيْهَا خَفَرًا.

تعثَّرَتْ ثَمِلةً لِمَرْآهُ، و تعثَّر قدرُهما في الحُظْوة بالوصل الحلال.

شابَّةٌ باسمةٌ حالِمةٌ، خرجَتْ مِن خِدْرها، ترمُقُ بلابل الدَّوْح إذ غرَّدَت، و تَرنُو إلى سِرْبها النائي في الأفق البعيد.

هو ابن العائلة المُحافِظة، خَلوقٌ ذو استقامة، به مواصفات الشاب الذي تهفو إلى كَنَفه الأنثى، فارسُ الأحلام و لا رَيْبَ، قَصَدَ أهلَها فاستأنَس و سَلَّم، إلَّا أنَّ البابَ بقيَ مُوصدًا في وجهه، و إنْ دقَّه حينًا بعدَ حين.

و تَتوالى السِّنُون تَتلوها السِّنون، تَحضُن بدفئها ألمَ النَّوَى، و تمحو خَرِيرَ الذكريات، عشرون سنةً أو ما يزيد، و تَلْقاه مِن بعيد، تتساءلُ في قَرارة نفسها: "أذاك هو؟ إي و الله هو، بلحمه و شحمه و دمه!".

ما حَرَّك اللقاءُ فيها شيئًا، فهي بنتُ اللحظة الحاضرة، و في صمتٍ تقاطَعَا، و الطريقُ خالٍ إلَّا منهما، ما زال على أدبه و حيائه، ما نَبَسَ ببِنْتِ شَفَةٍ، فالحياء إِهابُ النَّفْس و حِصْنُها الحصين.

أتُراه لم يعرفْها؟ كلا، بل عرفها.

أتغيَّرت؟ أجَل تغيرت، هي الآن أكثرُ مِرَاسًا للحياة، و أكثرُ شبابًا و تألُّقًا.

تعرف جيدًا أنْ لا شيءَ يستحق الدموع، و أنَّ نسيان المواجع سِرُّ كل نجاح.

عرَفَتِ الرجل و كيف يصبح حَمَلًا وديعًا في لحظةٍ ما، و يستأسد في باقي الأوقات، يملؤه الكِبر و الأنا، فينسى قلبه عند خوضه معترك الحياة.

و عرفَتْه قلبًا كبيرًا يحتوي المواجع و الآهات، يَغُضُّ الطرْف عمَّن سواها متى ما أخلصَتْ، فيَخْمُدُ كبركان يَحْسُنُ الحذرُ من ثَوْرته، و الاستعدادُ لها ترقُّبًا و تيقُّظًا في كل حين.

• • •

و تصطفُّ الأحرفُ متجافيةً، تنأَى و قد سلاها العناد، تلتفت إلى بقاياه في خاطرها، تمحو الذكرى، و تَلِجُ عالَم النسيان.

كبُرْعُمَةٍ غَضَّةٍ، رَسَمَكَ القَدَرُ في خيالها، زرَعكَ في كِيانها مخلوقًا مثاليًّا، رأتْ في ابتسامتك أحلى نغْمة إعجاب، و في نظراتك زهْو الروح و إشراقَها، و في هَمْسِكَ الدافئ حنينًا للحضن و الاحتواء.

لم تتجاوَزَا حدود التخاطر و الإعجاب مِن بعيد، و ما حدثَتْكما النفْسُ بما سوى ذلك؛ فتقاليد البيئة صارمة، و حُسْن التربية كان لكما خيرَ وِجاءٍ.

ما أكثرَ ما ردَّدَتْ شريطَ الأحداث، مِن أولِ نظرة و أولِ لقاء، متسائلةً في حيرة و تعجب: "لِمَ و كيف وقَع ما وقع؟!".

لِتَجْزِيَ لها الحياة جوابًا مُحَيِّرًا يحتاجُ إلى ألْف جواب، كطلسمٍ مِن طَلاسِمِ الغيب و أسراره.

هي الأرواح تشف و تسمو في عوالِمِها، جنودٌ مجنَّدَة، تتعارف فتتآلف!

أمَّا نحن، فنلتقي و نَنْتَشي فرحًا، تَخْفُق القلوب واجفةً مزهُوَّةً بالانتماء.

يحل الربيع فجأةً، و ترحل المتاعب و الأحزان.

أمَّا نحن، فنَغرَق في أحاسيسِنا، نُنَمِّقُها، نُثْقِل كاهلها بألْف عنوان و عنوان.

لا.. لا عناوين و لا تنميق هناك، في عالم شف و انكَشَف، تتراءى فيه السرائر، مُعلِنةً دَيْمُومةَ الحب و أبدية اللقاء.

ثم ماذا؟

تلاشَى الوَهمُ الجميل، سَلَبَها القدَرُ بفِراقك هَدْأةَ الليل، و هَجْعة الأصيل، لكنَّها سَلَتْ بقدَرٍ جميل خبأه صبرُها و الرضا، لتترفق كبرياؤها بسذاجتها التي بكَتْك، حين تنبَّهَتْ أنْ لا شيءَ يدوم، سوى العِفَّة و صَوْن النفْس.

• • •

أنصتَتْ لصدى صوت تردَّد مِن تلك السنين:

أتَشِي بقلب أحبَّك، و تترُكُه للحنين؟

للتَّسكُّع في دروب الذكرى!

ينخره الوجعُ، و يَنْكَؤه الأنين!

• • •

أُخالِجُ رُوحي، ما الذي يُنجي؟

سوى أنْ ألوذَ ببابك لحظةَ صفاء.

لكسرِ جُمُوح النفس؛ تلك الرَّعْنَاء.

الرابط:http://www.alukah.net/literature_language/0/100948/

قراءة 1969 مرات آخر تعديل على الجمعة, 08 نيسان/أبريل 2016 05:48