(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الخميس, 04 آب/أغسطس 2016 09:57

سلام عليك يا "ازنينة"

كتبه  الأستاذة أم وفاء خناثة قوادري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مهداة مع التحية إلى الأستاذ الكريم "ابن سليمان عبد الهادي" إمام العربية و ناطقها البذاخ... الذي قاد أجيالًا من طلَّاب العلم النبلاء الشرفاء.. في مسيرة حافلة بالعطاء؛ خدمة للسان العربي، و صونًا للغة الضاد عندنا، مع الدعاء له بالشفاء.

فاح عَبق "ازنينة" و أريج بوحها، و تضوَّعَت ساحاتها سمو العلم، و رقي المعرفة.

و ها هي ذي كبجعة رابضة بين التلال، قلعة رومانيَّة ضاربة في القدم، بها مرَّت جحافل الفتح الإسلامي فقدَّسَت ثراها، و انضوى إلى كنفها الأمير عبدالقادر[2]، فواسَته و ضمدَت منه الجراح، مهوى مَن كانوا لأرواحنا زادًا، و لقلوبنا عدة و عتادًا، لها و لهم في الأفئدة سكن و وكن.

امتدَّت يدي بهدوء، فاستلمتُ الوريقة التي كتب عليها رقم هاتفه، عدتُ إلى البيت و لم أمهِل وقتي و أنتظر؛ بل سارعت أخط الأرقامَ على هاتفي كوَشْي من الحناء، و أخشى عليها التفلُّت من بين أصابع يدي!

يا ألله، أهي أرقام أم جواهر؟!

قفز قلبي من مكانه، كان يلف و يدور مرحًا، زدتُ في تكلفة الأماني، فصحت في خاطري:

 هب والدي عاد إلى الحياة ! ترى كيف ستعلن يا قلب فَرحتي ؟

امتزجتْ في الجوى صورتاهما، و لم أعد أفرِّق بين مَن أنجبني و ربَّاني، و مَن علَّمني عشق لغة القرآن.

و تقفز من عالم الذِّكرى صور شتَّى، تتجاذبني و يسرقني الحنين.

والدي يدخل البيت بهدوئه و وقاره، بإحدى يديه عكَّازته، و بالأخرى وريقة يشير بها إليَّ:

 لقد أكَّد لي على حضورك المسابقة، و اطمأنَّت نفسي إلى سفرك مع المجموعة، هي رفقة آمِنة لا ريب.

مسحة من رضا و حبور على محيَّاك يا والدي، و كأنِّي بابتسامتك المشرقة تبارك هذا التفويض ! و أنعِم به من تفويض، أسداه إليك مربٍّ نحرير، ذو علم و أدب، فزاد من حرصك على نبتَتِك التي نذرتَ أن ترعاها.

في بيئة تُجرِّم تعليم البنات، و تَزدري الاهتمام المبالَغ فيه بالأنثى، وقف الوالِد المشفِق العطوف خجلًا، يقدِّم رِجلًا و يؤخِّر أخرى، يعزم أحيانًا على الثبات في مواجهة هذا المدِّ الجارف، و السيل العرمرم من الاعتراضات، و يستسلم أخرى.

و لا حيلة أمامي إلَّا الإصرار و الدأب على مواصلة الصَّبر على شوك هذا الطَّريق، لا.. لا انكفاء و لا انثناء، مهما كانت العوائق، فللمعرفة عِشق جارف متدفق بين الضلوع.

هناك في مدينتي، فوق هضبتها و بين روابيها، يولَد الحلم صغيرًا، يترعرع بين أفنانها، ثمَّ ينمو و يكتمل.

و في مدينتي الابتسامة غذاء و دواء.

أمَّا الكلمة عندنا، فلا تعرف المستحيل، تسكن قلوبنا، فتعطينا الدِّفء في شتاء أيامنا، و نستروحها صيفًا نسائم عليلة.

هناك في مدينتي، كانت بدايتي مع عالم المعرفة و الكتاب، رعاها أساتِذة فضلاء، كان الجد و المثابرة دأبهم، و النَّجاحُ و التفوق حلمَهم، زرعوه فينا، فتشبَّثنا به عبر السنين.

كانوا يسمُّوننا جيل الاستقلال، و جيل النَّصر، و جيل الحرية.

استقلال لم يأتِ بالسَّهل، و نصر على عدوٍّ متغطرس مكابِر، و حريَّة افتكت من براثن القَهر و الإذلال.

هناك في مدينتي، طَرقتُ بابَ الخير، و رجوتُ مفاتيحه، يوم أحببتُ العلمَ، و عشقت القلم.

أحببت العلم؛ فهو نَهج الكبار، و ميراث الأنبياء، و زاد الدنيا و الآخرة.

و عشقتُ القلم؛ فقد رفَع المولى قدرَه، و أعلى شأنَه، فابتدأ بخلقه، و أقسم به لشرفه و عظيمِ فضله.

و في مدينتي، كان الكل على نَهج الملائكة، يتواضع إجلالًا للعلم و للقلم.

فحيثما التفت يطالعك النور الربَّاني يشعُّ من "المحضرة"[3]، ليلامس قلبك، و يسمو بفكرك.

و كان للوِرد القرآني - بيننا - حضور يليق به المكان صباح مساء.

و في مدينتي، تطالعك الوجوه بقسمات و ألوان شتَّى، لكنها تنتظم - جميعها - تحت مسمَّى (و إنْ ضنُّوا عليَّ كرام!).

فيا مدينتي، ها هي ذي أشواق قلبي نديَّة، أبثُّك إياها، فعليك و على الكرام سلام.

هو ذا صوتك - بعد أزيد من ثلاثين سنة - قوي متهدج، يلِج منافذ قلبي، يبحث له عن صدى سكَن الأعماق، ربَّيت فينا الأخلاقَ و هذَّبت الرُّؤى، علمتنا حبَّ العروبة، و حب اللغة الشاعرة[4] لغة الضاد.

تفانيت في شرح قواعدها، و سَبكِ المفردات، و كانت أصواتنا تَمتزج رغبة و رهبة، تبغي مشاكلتك في كيفيَّة السرد و طريقة الإلقاء.

و الحذر كل الحذَر أن نخطئ في حَضرتك، فننصب مرفوعًا أو نجر المنصوب.

سج يا قلب و اسبح في الخيال، ارسم ذِكرى مقاعد الدِّراسة، و أيامنا جذلى تتباهى بلغة هي "الهوية الواقية"[5]، هي لغة القرآن.

مجد قواعدها، و لملم شتاتَ ما ضاع منها بيننا، بجفوة منَّا و غمط انتساب.

لغة رعاها الآباء، امتزجَت بالحليب فرضعناها صغارًا، و تلوَّنَت بالدم فسَرَت في العروق، رفرفت ببلاغتها فوق روابينا، و تدفَّقَت سحرًا و بيانًا في أوديتنا، فكانت لظمئنا كالماء الزُّلال.

صدح بها من هاهنا الإبراهيمي[6]، و حمل رايتَها ابنُ باديس[7].

فيا خادِم لغة القرآن، رعت قلوبنا ما زرعت فيها، فلك منَّا خالص الشُّكر، و كل الاحترام.

رافلة في زينتك.

تلتحفين شمسَ الهجير.

تتلألأ ذِكراك في أوردتي.

و تسري نسيماتك في شراييني.

يا مدينتي يا أنا.

يا ظمأ التبتل.

يا كل الحنين.



[1] مدينة قديمة تقع شمال صحراء الجزائر؛ حيث "العرب الأمازيغ"، كانت تمثِّل خط عبور قوافل الحج و طلَّاب العلم من بلاد المغرب و الأندلس إلى المشرق العربي... سمِّيَت بعد الاستقلال و التعريب بالإدريسية.

[2] هو الأمير عبدالقادر الجزائري؛ رمز المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.

[3] المحضرة: تعني في لهجتنا المحلية: كتَّابًا، مفرد كتاتيب: أماكن تحفيظ القرآن الكريم للناشئة.

[4] وصف للأديب الكبير "العقاد"؛ يقصد به اللغة العربية.

[5] وصف الأديب الكبير "العقاد" اللغة العربية بأنها: "الهوية الواقية".

[6] البشير الإبراهيمي: نائب و خليفة الإمام ابن باديس و رفيق نضاله.

[7] هو الإمام "عبد الحميد بن باديس" مؤسِّس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

الرابط:http://www.alukah.net/literature_language/0/106058/

قراءة 2404 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 09 آب/أغسطس 2016 10:14