(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 06 أيار 2012 07:33

نحن...القيم...و العولمة

كتبه 

                                                                                                             

 

                                

مما لا شك فيه هو أن للعولمة تداعياتها السلبية و الإيجابية، و أول ما علينا التسليم به أن الهدف من العولمة ليس العدوان علي سائر الثقافات أو هدر السيادة الثقافية أو ضرب للهوية الوطنية للشعوب أو طمس خصوصيتها الحضارية كما يدعي البعض، فالعولمة تتعامل مع ثقافات و هويات قوية و إحدي أقوي الهويات في عالمنا اليوم هي الهوية الإسلامية، فإذا البعض يري بأن العولمة  تهدد هويتنا فهذا من جراء ضعفنا الحضاري و ليس قوتنا العقائدية.

فما ينبغي أن نفهمه بأن العولمة كإتجاه شامل للتطور الحضاري تستند أولا و أخيرا علي قيم روحية و أخلاقية و مثل هذه القيم هي التي من شأنها أن تحدد مسيرة هذه العولمة و ليس العكس. فأن نعادي العولمة، هذا موقف الضعفاء بل ما يتوجب علينا فعله و القيام به هو توظيف قيمنا الإسلامية في سبيل إلإعلاء من شأن الفكرة المولدة للحضارة.

العولمة نتاج فكر إنساني مبدع، أما أن نزعم بغلبة الطابع الغربي علي هذا التوجه العولمي فهذا قفز علي واقع الريادة الحضارية فيه، هي ريادة تتقاسمها آسيا، أمريكا الشمالية و الجنوبية و أوروبا و ألتحق بالركب مؤخرا دول العالم العربي و إفريقيا. و الإشكالية التي يجب أن نثيرها هي في كيفية تفعيل هويتنا المسلمة ليكتسي حضورنا في نظام العولمة طابع الإبداع الحضاري أكثر منه إستسلام المغلوب علي أمره. و هذا ما قاله المفكر المسلم طارق رمضان في كتابه و أترجم لكم هنا الجملة التي تدلل علي ذلك و التي جاءت في مقدمة كتابه من اللغة الإنجليزية إلي اللغة العربية :" تتضمن العولمة مفارقة، فهي في نفس الوقت التي تتسبب في إختفاء المراجع التقليدية القديمة، إنها تبعث من جديد أو لنقل تحي تأكيدات متحمسة للهوية التي أحيانا كثيرة تتجه إلي الإنسحاب و إلي عزل نفسها."[1]

فالتقدم العلمي و التكنولوجي لشعوب الغرب تم بفضل تفاعلها الإيجابي مع قيم روحية و أخلاقية إستمدوها من الدين المسيحي و هذا ما أكده الدكتور حيدر إبراهيم [2] عندما يقول "أن التطور العلمي يتطلب قدرا من الإنضباط و الصبر و المثابرة و التضحية و الصدق، كل هذه قيم روحية لا بد من توافرها في العالم أو المخترع، كذلك الحديث عند بعض المسلمين عن غياب الأخلاق في المجتمعات الغربية فيه الكثير من الشطط و المبالغة في تقليل الغير." فأن يصطبغ موقفنا من العولمة بالعداء و الرفض أو بالحذر الشديد، لنقيد تعاملنا معها برسم خط أحمر تجاوزه يعني السقوط في اللاإنتماء، هذه كلها ردود أفعال تنم عن خوف و عن قلة ثقة بمناعة روحية و أخلاقية و فكرية، منحنا إياها الإسلام.

ما يدعو للإستغراب أن منظومة القيم التي ندافع عنها لم نتفاعل معها بذلك الزخم الذي يؤدي بنا إلي النهضة الحضارية المنشودة، و العيب هنا ليس في القيم و إنما فينا نحن. فتشبثنا بخصوصيتنا و معتقداتنا لم يتجاوز التعامل الفولكلوري، و كما حلل الموقف بنجاح الدكتور حيدر إبراهيم بقوله[3] :" فالمسلمون حين يخشون إختراق العولمة لهويتهم حينئذ لن يكون الإختراق بسبب قوة العولمة الكاسحة، بل يعود ذلك في كثير إلي ضعف هوية المسلمين، او بالأصح ضعف في قدرتهم علي تسجيد محاسن الهوية المدعاة." و هذا الضعف مؤداه الإنفصام الرهيب الذي تشكوه الذهنية المسلمة، فالبراغماتية المنفعية تشوب علاقتنا بقيمنا، و هذه المنفعية المادية قضت علي حظوظنا في الإرتقاء حضاريا، فمفاهيم كالعدل و الحرية و المساواة و التسامح و طلب العلم نعتد بها و لا نترجمها إلي واقع. بينما لغة العولمة حولتها إلي واقع ملموس، فالنجاح الحقيقي في الدول المتقدمة يتمثل في بناءها للفرد المتوافق مع ذاته و صيرورته الحضارية.[4]

حطمت الحرب أحلام قادة اليابان القدماء، و بددت حوالي ربع الثروة الوطنية، لكنها لم تدمر العوامل الثقافية الأكثر الأهمية، و الكامنة في لب النجاح الياباني، و التي من بينها التصميم علي تطوير المهارات، و الحفاظ علي التجذر الثقافي، فاليابان حمل قيمه و أفكاره إلي معترك الحياة، و أستطاع أن يطور بفضل ذلك واقعه إنطلاقا من قناعة بسيطة:" يحق لي أن أخطأ، و لكن علي أن لا أكف من التعلم و التجريب و التفكير الإيجابي."

و الصيني مثله مثل الياباني، تمكن من الإلتحاق بركب الحضارة بثقة كبيرة في الذات و بتعبير"كو لانغ" و هو صناعي صيني من كاليفورنيا،"فقد كان من السهل علينا التعامل مع متطلبات الحضارة، فهويتنا لن تعيقنا، بل بلورت مجموعة المباديء التي مكنتنا من توظيف ذكاءنا و مهاراتنا من أجل إنبعاث حضاري جديد."

إذن بماذا نفسر سلبية الذات المسلمة ؟ تجد الذهنية المسلمة مكللة بالتخلف، ملفعة بالمثالية و التهويم، عاجزة عن التماس مع الواقع و قاصرة عن إدراك ما يجري علي المستوي العالمي...[5]

مصدر هذا العجز واضح، فعقل المسلم لم ينعتق بعد، و قد بقي أسير القمقم، و هذا الأسر الذي طال أمده بات يهدد الذات المسلمة بالإستلاب و اللافاعلية، فالمواطن ينشأ في المدارس و الجامعات علي الحفظ، يحفظ الموروث آنا و يحفظ الوافد من الغرب آنا آخر، أما أن يبدع و أن يبتكر و أن يشارك في موكب الحضارة فهذا لم يحدث[6] و لن يحدث ، لأن القرار السياسي لم ينضج بعد كي يتيح تغييرا يطيح لا محالة بإمتيازاته و سلطانه، و كما جاء علي لسان الأستاذ حسن حنفي:" السياسي يريد أن يترك الواقع كما هو، لا يغيره للدفاع عن كرسي الحكم،" فنجاح الدول المتقدمة في بناء الفرد قابله فشلنا الذريع في بناء الفرد المسلم المجسد لقيم الحق و الخير و الفضيلة و العدل و الصدق و الجد و العلم.

و المخاوف التي ترافق نظرتنا إلي العولمة سببها الرئيس إهمالنا لدراسة المتغيرات الذي أدي بنا إلي جهل القوانين المتحكمة في هاته المتغيرات. عقل الإنسان عاجز عن الإستنباط من الواقع رموز و مكونات و أدوات صيرورته الحضارية، و يعود سبب ذلك إلي عدم إلتزامه بالبعد الرسالي لقيمنا و تمسكنا الظاهري بها، لم نتعلم  كيف نكون عمليين في تعاملنا مع الواقع. فنحن لا نبحث في مشاكل الإنسان من حيث هو مشروع حضارة، بينما قيمة العولمة تفرض علينا فكرا لصيقا بوجود الإنسان، فكر يمسك دون مقدمات بالفكرة ليضعها موضع التجربة و الملاحظة. فكر لا يضيع وقته في الرد علي لماذا بل في البحث عن "كيف"، و الإنتقال مباشرة إلي التنفيذ، ففي العولمة محكوم علي الفرد بالفاعلية، فذلك التصور الذي يؤمن[7] بأن العولمة تحطم قدرات الإنسان و تجعله إنسانا مستهلكا غير منتج ينتظر ما يجود به الغرب و مراكز العالم من سلع جاهزة الصنع تصور قاصر، لأننا بالفعل، سنبقي إلي مدة طويلة أقرب إلي موقع المقتبس و الناقل و المقلد منا إلي موقع المبدع و المؤثر في مسيرة العلم الحديث،[8] إذا ما لم نبادر في وضع الإبداع شرطا لتصور المصير، بحسب توفيق باكر، و إذا لم يقترن هذا الإبداع بإحاطة واعية بمسببات الفاعلية الحضارية، فعلي مدي نصف قرن لم نحسن إلا الأخذ من الشرق و الغرب طرق و مناهج حياتية، لم تقدمنا خطوة واحدة نحو المصير السيد.

  و عوض أن نستلهم من إنتماءنا الحضاري و من واقعنا أسالبينا الخاصة بنا لتحقيق وجود مبدع و خلاق، فضلنا علاقة التبعية البغيظة للغرب، فإذا ما لم نكف من النظر إلي الكون و الحياة و الإنسان و مهامه و قدراته و حدوده بتصور الإنسان المسلوب الإرادة و الفكر، فمن الطبيعي جدا أن يصطبغ موقفنا من العوملة بالسلبية و الجمود و اللافاعلية. فالقدرة علي المواجهة تستدعي إستنفار جميع مقومات المناعة الروحية و الأخلاقية، و هذا لن يتم ما لم نبطل التعامل النفعي مع قيمنا لنحصرها في حدود ضيقة، مغلقين أمامها جميع المنافذ التي من شأنها تخليص الإنسان من هامشيته و ركوده.

 ففي ظل العولمة، ستبقي الهوية الوطنية، بل ربما ستتعزز، و ربما ستترسخ، و إلي جانب الهوية الوطنية ستنمو الهوية الإنسانية و المواطنة العالمية، فيكون هناك إرتقاء في تخيل الأفراد لوجودهم علي الكرة الأرضية. حيث ستشعر البشرية و كأنها وحدة سكانية و ما سيتهددها من مخاطر حياتية داخلية و خارجية يستوجب عليها مواجهتها بخطة واحدة[9]. فالعولمة تعني أن الأقدام ستظل ثابتة في أرض الوطن، بيد أن الهامات ستزداد طولا و الرؤية ستمتد إلي مساقات بعيدة ببعد الأفق، و لن تتمكن الشجرة المحلية بعد اليوم من أن تحجب رؤية الغابة، العالمية[10]  و ليكون وجودنا ذا مغزي، علي النخب و الشعوب أن تقلع عن التمسك العاطفي بالقيم و الإنتقال إلي طور تجسيدها الفعلي الذي يدفع السلوك الإنساني مفضيا به إلي واقع متطور منسجم مع مكونات و خصائص هويته الأصيلة، فحالة التخلف الإقتصادي و السياسي و الإعلامي التي يشكوها العالم الإسلامي مع عدم قدرته علي مجاراة المستجدات العالمية مرتبطة بقدر كبير، بموقفه من قيمه و إنتماءه الحضاري، فموقفه ذاك يتسم بالريبة و التحفظ إذا لم أقل بالنفور، فقيمنا المستمدة من مثل و مباديء الإسلام تلزم الفرد و الجماعة بإنضباط أخلاقي و فكري صارمين .

تبني قيم ديننا معالم الإنسان الكامل و مسؤولية البناء، تعود بالأساس إلي الفرد، و الخيار الحضاري يقتضي بأن يرتقي الفرد بالجوانب الأخلاقية لشخصيته و في إرتقاءه ذاك يؤمن علي وجوده داخل نظام العولمة، ليغادر دائرة الإنهزامية، ملتحقا بدائرة الفعالية القصوي.

 فقيم العولمة تضعنا أمام تحد كبير، أن نسارع في الحسم بين إنتماءنا الحضاري و بين خطر الذوبان و التلاشي، الذي سيحصل من جراء الإنفتاح المذهل الذي هو نتيجة العولمة الإعلامية علي ثقافات العالم، فالدول التي تشهد تقدما إقتصاديا و تكنولوحيا مطردا تملك ثقافاتها قدرة رهيبة في التأثير و في الإختراق، و هذا التهديد نلامسه في سيطرة المذهب العلماني و إنتشار قيمه التي تتمتع بنفوذ قوي داخل الأنظمة و النخب. بينما لسان حال "جويل كوتكن" يقول :"إن المشاعر الدينية مازالت، و نحن علي أعتاب القرن الحادي و العشرين، قابلة للتكيف في إطار الفروع الإنسانية المختلفة، بدل أن تخبو بسبب التقدم العلمي العالمي."[11]

و كما ذكر الدكتور سلميان العسكري" للعولمة تناقضاتها التي لا يجب أن نغفلها، لكن ليس أمامنا من طريق لتحقيق أية نهضة منشودة سوي التفاعل مع هذا العام، لأن حركة التاريخ هي علي الدوام حركة إلي الأمام، لا تعترف بالكسالي المتخاذلين و المتقوقعين علي ذاتهم."[12]

إلا أن هذا التفاعل مشروط بتفاعل آخر، و هو التفاعل الإيجابي مع قيمنا الذي يمكن الفرد و الجماعة من الإنفتاح علي ثقافات بقية العالم دون خشية الوقوع ضحية عملية غسل دماغ، و هكذا يبقي الإندماج في النسق القيمي الجديد مقيدا بتوظيفنا الناجع لمقومات هويتنا الحضارية. فالمسلم علي أعتاب الألفية الميلادية الثالثة مفروض عليه الإنبعاث، و لكي يتحقق ذلك، فعليه تجاوز موقع المتلقي المستورد لأنماط حياة من صنع و إبداع عقول و أفهام أبناء الشمال و أمام بلوغ [13] البشرية مرحلة الحرية الكاملة لإنتقال الأفكار و الإتجاهات و المعلومات و البيانات و الأذواق و إنتشارها فيما بين الثقافات، و بأقل قدر من القيود السياسية و الجغرافية التقليدية، نحن مطالبون بالتعامل مع العولمة بواقعية شديدة، فيجب أن نحيط بإمكاناتنا و قدراتنا، لنبلور فلسفة حياة، قوامها العمل و الإبتكار، مجسدين نموذج الشخصية الواثقة من نفسها، المتوافقة مع قيمها، المتجاوبة مع الآخرين، المقبلة علي الحياة من موقع الإقتدار.

بقلم عفاف عنيبة

ربيع عام 2000

 

ربيع عام 1421.

 

 

[1] « Globalization contains the paradox that at the same time that it causes the old traditional points of reference to disappear, it reawekens passionate affirmations of identity that often verge on withdrawal and self-exclusion.” Tarik Ramadan author of Western Muslims and The future of Islam.” أرجو من القراء الكرام المتمكنين من اللغتين العربية و الإنجليزية ان يصححوا لي في حالة ما أخطأت في الترجمة..

[2] الفقرة مأخوذة من مقالة "العولمة و جدل الهوية الثقافية" الدكتور حيدر إبراهيم، مجلة عالم الفكر المجلد 23 العدد2، اكتوبر/ديسمبر 1998.

[3] الفقرة مأخوذة من المقالة السابقة الذكر للدكتور حيدر إبراهيم.

[4][4] "القبائل" دور العرق و الدين و الهوية في نجاح الإقتصاد العالمي، جويل كوتكن، دار البشير طبعة 1995.

[5] فقرة مأخوذة من مقالة" أي افق للثقافة العربية و ادبها في عصر الإتصال و العوملة" للدكتور حسام الخطيب، مجلة عالم الفكر العدد2 عام 1999.

[6] المصدر السابق.

[7] الفقرة مأخوذة بتصرف من مقالة" العولمة و تهميش الثقافة الوطنية للدكتور احمد مجدي الحجازي، مجلة عالم الفكر، المجلد 28 العدد 2عام 1999.

[8] فقرة مأخوذوة عن مقالة أي افق للثقافة العربية و أدبها في عصر الإتصال و العولمة، دكتور حسام الخطيب، مجلة عالم الفكر، العدد 2، عام 1999.

[9] الفقرة مأخوذة من مقالة بعنوان " العولمة جذورها و فروعها و كيفية التعامل معها الدكتور عبد الخالق عبد الله، مجلة عالم الفكر العدد 2، عام 1999.

[10] فقرة مأخوذة عن مقالة " العولمة، جذورها و فروعها، و كيفية التعامل معا" الدكتور عبد الخالق عبد الله، مجلة عالم الفكر.

[11] فقرة مأخوذة من كتاب "القبائل دور العرق و الدين و الهوية في نجاح الإقتصاد العالمي" جويل كوتكن المترجم مازن حامد دار البشير، طبعة 1995م.

[12] فقرة مأخوذة من إفتتاحية المجلة الثقافية العالمية للدكتور سليمان العسكري، العدد 85، نوفمبر/دسيمبر 1997م.

 الفقرة مأخوذة من مقالة " العولمة، جذورها و فروعها و كيفية التعامل معها" الدكتور عبد الخالق عبد، مجلة عالم الفكر.[13]

قراءة 3922 مرات آخر تعديل على الإثنين, 05 تشرين2/نوفمبر 2018 15:06
عفــــاف عنيبـــــة

أديبة روائية إسلامية أحرر ركنا قارا في الصحافة المستقلة منذ 1994 في الصحف التالية: أسبوعية الوجه الآخر، الحقيقة، العالم السياسي، كواليس و أخيرا البصائر لسان "حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين."