قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Monday, 02 June 2014 20:37

في ظلال البيت العتيق

Written by  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
Rate this item
(0 votes)

السماء تتضاحك نجومها و تتألق جذلا، و بدرها يرسل أشعته الفضية تباعا ترسم على مساحات الكون المتباينة ظلالا من النور البهيج و مكة الليلة ترتدي ثوب فرح، طرّزت ثناياه بالفخر و المجد، و التوقعات الجميلة، و هنا في أقدس بقعة من رحاب الأرض المعمورة بالخلائق، يرتفع فوق الأرض بيت الله المعمور، و حوله تطوف قلوب و أرواح تعلقت به و قدّسته، و إن كانت تعتنق الشرك عقيدة و منهجا، إلا أنها تعترف لرب هذا البيت بأنه بيته المحرّم و أن مئات الأصنام حوله ماهي إلاّ الزلفى و القربات إليه، و ظلمة الفكر و ظلام الجاهلية، يوشك أن ينتهي زمنهما و القمر المشرق هذه الليلة يزداد ألقا، أو ليس هذا أوان قدوم الرحمة والهدى أو ليست هذه الليلة هي إشارة البشرى لأهل الأرض ان قد آذن ليل الظلمات بالرحيل.

 

إيه مكة يا رمالا من الطهر، و يا جبالا من النور، و يافخرا تحدّث به الزمان على مر الزمان، إيه يا زمزم يا ريّا طهورا و يا معينا ساريا لا ينضب و لا يغيض، موعدنا الليلة حين يهلّ خير مولود أهلّ على البسيطة الممتدة من مشرق الأرض إلى مغربها، و امتدت المناجاة بين القمر و النجوم و بين الصحراء و الليل و بين النخيل و الظلال، كل يهنيء صاحبه بولادة النور البهيّ و الخير الجلي و الرحمة المرجوة فالليلة يا أهل مكة سيولد فيكم خير مولود و غدا يا أهل مكة يحمل إليكم وليدكم بإذن ربّه رسالة الحق و النور.

و ارتقب يا عبد المطلب فالليلة ستقف على بابك آلاف الأحلام المعذبة، تنتظر أن تصير حقائق مشرقة، العيون التي حرمت النظر إلى الشمس لأنها في الأعلى، و هم في حضيض المكان و التصنيف و الإعتبار، سترفّ اهدابهابالرجاء، أن الشمس ستصبح مرتادا لأحداقها، و لن يكون محرما عليها أن تكتحل بدفئها متى شاءت، فالأرض إكتفت مما ساد فيها من الظلم، و البر و البحر و الفضاء اختنقت مما ظهر فيها من الفساد، و الإنسانية تكاد تطمس معالمها في ظلمات بعضها فوق بعض، ركاما يعلو ركاما، فمتى ينجلي كل هذا؟ متى ترتدي الأرض ثوب الحنوّ متى تغدو مكانا صالحا للحياة، متى يولد البشير النذير.

 

و ها هو عبدالمطلب يحمل الوليد المبارك، و يطوف به حول الكعبة المشرفة، حامدا شاكرا لربه و قد أناله المراد، و رزقه بمحمد و لم يدر عبد المطلب أن حفيده سيكون {شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا}، لم يدر أن الخير الذي استقبلته الأرض الليلة و أشرقت به السماء و بشرت به الملائك بعضها بعضا، و تغنت به كل القيم النقية التي نحيت عن موقعها الطبيعي في الحكم بين الناس، و ترقبته طويلا النفوس التي أرهقتها ربقة الجاهلية و الأيدي التي قيدتها سلاسل العبودية، و القلوب التي حرمت حتى من الهمس توقا إلى الحرية، لم يدر عبد المطلب أنّ تلك الاصنام التي أقيمت رغما عنها حول بيت الله، هي أيضا تنتظر محمدا و شرعته، لكي لا تعبد من دون ربها، فبشراك أيتها الأرض فقد ولد النبي الرؤوف الرحيم، و ارتقبي بضع سنين، لتري كيف يصير الظلام نورا، و كيف تغرد في جنبات الكون المآذن، معلنة شرع محمد و دين محمد {أن لا إله الله}

 

أقبلي يا {أم أيمن}، أيتها الموعودة بالخير المقبل، و إحتضني المولود الحبيب، و تذكري هذه اللحظات الجميلة، حين تتحررين غدا من ربقة الشرك، و ربقة العبودية، و أرضعيه {ياثويبة} لحظة مولده، فغدا ستذكرين هذه اللحظات الندية، حين تصلك صلاته و عطاياه من المدينة إلى مكة، و حين يبحث عنك يوم الفتح ليعلّم الدنيا سرّ الوفاء و المعروف.

يا ربوع بني سعد تجملي بالإخضرار بعد اليباس، فها هي حليمة السعدية تحتضن بين يديها مولود مكة المبارك، و ها هي تنكر لبنها، و تنكر أتانها، و تتعجب من البركة التي حلّت بها و بركبها، و زوجها يؤكد لها أنها بركة {محمد}، اليتيم القرشي الذي زهدت فيه المراضع ليتمه و فقره، و رغبتي فيه أنت، ليكون لك ولدا و هاديا، و نورا و بركة إلى يوم القيامة.

و يظل المصطفى صلى الله عليه و سلم في مرابع بني سعد، و في كل يوم تظهر لهم بركة جديدة، و حادثة فريدة فمن لعبه إلى نموّه إلى عزّة نفسه، و لطفه، كلها تنبيء بالتميز و الشأن العظيم، و يأتيه ملكان و هو مع إخوته في مراعي بني سعد، فيشقان صدره و يستخرجا حظّ الشيطان منه لكي يحمل الرسالة و ما في قلبه من الشيطان نصيب، و لا للهوى حظ، و لا للزيغ مكان

و حليمة و زوجها يرتعدان خوفا على الغلام المبارك، و يخشيا تبعة الأمر، فيحملانه إلى أمه، فتعجب غاية العجب، إي حليمة السعدية، ألم تكوني أحرص ما تكونين على أن أرده معك قبل شهرين؟ فلم أعدتيه إليّ إذن؟ و لم تجد المرضعة الطيبة مفرا من ان تنبئها النبأ اليقين، لقد خفنا عليه من الشيطان، فقالت آمنة بنت وهب، و هي مطمئنة ساكنة: فتخوفتما عليه؟ كلاّ و الله إن لإبني هذا لشأنا، ألا أخبركما عنه، إني حملت به، فلم أر قط حملا كان أخفّ و لا أعظم بركة منه، ثمّ رأيت نورا خرج من حين ولدته، أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعا يده بالارض، رافعا رأسه إلى السماء فدعاه و ألحقا بشأنكما.

و تستعيد مكة ولدها، و تتلقاه امّه {آمنة بنت وهب}، و تمكث معه زمنا قصيرا، و سرعان ما تلحق بأبيه ليغدو يتيم الأبوين، في فصل آخر من مدرسة إعداد الأنبياء، و صياغة الشخصية القادرة على حمل الرسالة الثقيلة، ثم يموت الجد عبدالمطلب، و هو الصدر الحاني، المليء بالعطف و الود و الحنوّ، و من فراق إلى فراق، و من صدر حنون إلى آخر، ينتقل الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم، و هو يكبر و تكبر معه أخلاقه العظيمة، و مآثره الجميلة، تزداد نفسه الطاهرة كرها لذلك الرجس المسمى آلهة، مسنّدة إلى جدران البيت العتيق، حجارة صنعتها يد البشر و عبدتها، دون إدراك و لا تمييز بين الحق و الباطل، بين المعقول و اللا معقول، حجارة اتخذها القوم المشركون قربة إلى الله، و سنّوا باسمها من القوانين الظالمة مالم ينزل الله به سلطانا، و ما لا يصبّ الا في مصلحة الأقوياء، أما الضعفاء المستعبدون المقهورون فقد زادتهم رهقا و عنتا و اضطهادا، ألا بعدا لتلك القيم الجاهلية، و أبشري أيتها النفوس الظامئة للغد المشرق بالود و الحرية و النقاء و التوحيد، فقريبا ستشرق شمس العدل، و قريبا ستنطلق أول كلمة في كتاب الهدى و الرحمة و الكرامة و التحرير و الوحدانية {إقرا}.

المصدر:

http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-22-29/41215-%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AA%D9%8A%D9%82.html

Read 2076 times Last modified on Saturday, 04 July 2015 21:13

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab