قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Wednesday, 03 February 2016 05:22

مقدمات في نظرية الوعي الحضاري

Written by  الدكتور محمد بابا عمي
Rate this item
(1 Vote)

حين يولد المرء تكون جملة من المحدِّدات قد رسمت معالم شخصيته، غير أنـَّه في هذه السن المبكِّرة يتميَّز باستقلالية عالية و تحرُّرٍ فريد؛ ثم يكبُر الولد و تكبر معه "النمطية"، و"المألوف"، و"العادة"، و"التقليد"؛ و كلَّما توغَّل في "الدرس الرسمي" من خلال مدارس حكومية، و برامج إعلامية وطنية، و خطابات محلية، ترسّخت تلك الصفات أكثر فأكثر، و لا ينجو من قيدها في الأخير إلاَّ النزر القليل.

لكنَّ النجاة لا تعني التحرُّر بالضرورة، بل قد تعني تبنِّي الرأي و الموقف النقيض، فإذا كان النمط هو "أ" مثلا، كان النقيض "- أ " (ناقص أ)؛ و من ثمَّ فحتى مَن كانت هذه حاله كان كالسمك، لم يغادر مسبحه البتة، ذلك أنَّه يسبح ضدَّ التيار و فقط.

و تحتدُّ النمطية في المجتمعات المحليَّة التقليدية، بينما تخِفُّ في المدن و التجمعات الكبرى، لكنها مع ذلك لا تذوب كلية، ذلك أنَّ لها طرقا مختلفة و وسائل متكاثرة تثبِّتها، منها: السياسة، و الحزبية، و الإعلام، و العلم، و الاقتصاد، و السوق، و المصلحة... الخ. حتى إنَّ كثيرا من المجتمعات التي يبدو – ظاهريا – أنها متحرِّرة، هي في الحقيقة "قوالب جاهزة"، و"شخصيات اصطناعية"، و"أفراد على المقاس"؛ و ليس أدلَّ على ذلك من المجتمع الأمريكي المفبرَك ثقافيا مِن قِبل جماعات الضغط المتحكِّمة، و مجموعات المصالح المسيِّرة للدواليب(1).

إذا كان الفكر هو "فصل الأشياء، و محنة الفصل"، أي أنه "قلق العلاقة" عند هيغل، فإنَّ الإنسان حين تفكُّره في العلاقات التي بينه و بين ذاته، و بينه و بين غيره، و بينه و بين موجِده، و محيطه، و بيئته... يتحوَّل -من خلال هذا التفكُّر في العلاقات بمنهج و جدِّية- إلى مرحلة "القلق المعرفي"، التي لا يبلغها إلا القلَّة من الناس، و الذين يلِجونها قلَّ منهم مَن ينجو منها بسلام.

في هذا المستوى الرفيع من التفكير، غالبا ما يحدث الخلط بين "المعتقَد" و"العقيدة"، و كذا بين "العلم" و"شبه العلم"؛ فالمرء إذا وقَف على أرض صلبة من العقيدة، يقلق معرفيا و لا يتخلَّى عن عقيدته، و هو مع ذلك حريص على أن لا يقع في "المعتقد" (dogm)، و هو كذلك يجتهد أن يكون علميا، و يحذر من الوقوف في هشاشة اللاَّعلم، أو فيما يشبه العلم.

بناء على هذه الحيثيات – و غيرِها – وُلدت "نظرية الوعاء الحضاري"، باعتبار أنَّ العلم في حقيقته يبدأ من المسائل و ليس من المشاهدات، و أنَّ المسائل محمَّلة بالنظرية سلفا، و قد وفِّق كارل بوبر في قوله: "إنَّ عمل رجل العلم هو اقتراح النظريات، و اختبارها" (انظر- منطق الكشف العلمي).

فَها أنذا أقترح نظرية، و أسعى لاختبارها، مستعينًا بجملة من المعطيات، ضمن "نموذج الرشد"(2)، و بخاصة منها ما كان من علاقة حلزونية بين الفكر و الفعل، و بين العلم و العمل.

فما هي نظرية الوعاء الحضاري؟

تجيبنا العديد من الأحداث و الوقائع، حين نلاحظها، من ذلك:

*أنني التقيتُ بشاب في تركيا، و قد ألَّف كتابا في السيرة النبوية العطرة، مكوَّن من جزأين، و طَبع منه في السنَة الأولى مائة ألف نسخة، و في السنة الثانية أربعمائة ألف نسخة. فسألت مَن حولي: هل لو طُبع نفسُ الكتاب، بنفس المحتوى، من عالِم ذائع الصيت، و بنفس المواصفات... في بيئة أخرى، و في محيط آخر، و ليكن هو "العالم العربي، مثلا"... هل سيلقى نفس الإقبال، و هل سيطبع بنفس الكميات؟

و هل يكمن الفرق فقط في جودة العمل –و لا ننكرها– أم في اعتبارات أخرى، فنية و حضارية؟

هنا أجد الجواب في "الوعاء الحضاري".

*باحث نشأ و ترعرع في تخصُّص علميٍّ إنساني، غير أنه عوض أن ينصبَّ جهدُه في النتاج المعرفي، و في "العلم العام"، و في المسار البشري، ضمن خطِّه المكاني و الزمني، أي "الآنَ" و"اليومَ"... عوض ذلك كلِّه، راح يعالج قضايا و مسائل علمية أملاها عليه محيطُه الضاغط... ذلك أنَّ هذه القضايا و المسائل مِن زمن غابر، غير زمانه؛ و من بيئة أخرى، غير بيئته... و مِن سياق، و في سياق آخر، غير السياق الذي خُلق فيه، و خلق له.

ما الجواب إلاَّ في نظرية "الوعاء الحضاري".

*قطبُ الأيمة الشيخ اطفيش، موضوع ملتقانا هذا (3) (1)–رحمه الله– عالِم وُجِد ضمن بيئة جغرافية مغربية، داخل ساحة سياسية هي الجزائر المستعمَرة مِن فرنسا، و تحت إطار عرقي سابق هو انتماؤه البربري، و مذهب، و بلدة، و عشيرة، و عائلة... ليست في الحقيقة من اختياره.

لو حلَّلنا القُدرات العلمية لهذا العالِم لصنَّفناه في رتبة مرموقة بين عقول العالَم الإسلامي في القرن العشرين، غير أننا لو بحثنا عنه اليومَ في الدوائر العالمية، و قارناه بمحمد عبده –مثلا–، لوجدناه غائبا كلية عن الذكر، و عن الاعتبار... و لو طالعنا مؤلفاته لبهرنا بسعتها، لكنها ليست كلها في خطِّ الزمن الذي خلق فيه، و خلق له. أي أنها لم تعالج قضايا و إشكالات القرن العشرين، بروح و لغة ذلك العصر.

نقول إذن، إنَّ مجالات اهتمامات الرجل، و مبلغ أثره، و نسبة قرَّائه... كلُّ ذلك كان رهينة "وعائه الحضاري"، فلو كان من وعاء حضاري آخرَ لكان له شأن أكبر من هذا الشأن الذي نعرفه له اليوم.

مِن هنا نقول إنَّ الوعاء الحضاري هو كلُّ ما يؤثِّر في مسير الإنسان و مصيره –الدنيوي– أكيدا، و الأخروي غالبا؛ فهو: جغرافيتُه، و تاريخُه، و محيطُه، و بيئتُه، و خصائصُه الموروثة، و أحداثُ عصره، و المؤثرات في فكره، و المحرّكات لمشاعره... و هو –بلغة فن الرسم– الخلفيةُ التي يضع عليها الرسام لوحته، حجمُها، و نوعُها، و شكلُها... و هو الحال النفسية التي يكون عليها ذلك الرسام، و الطبيعة التي تحيط به، و الأفكار التي تعتلج في خاطره... كلُّ ذلك ليس هو الرسم نفسه، و لكنه محدِّد و مؤثِّر فيما سيصدر من أشكال و ألوان و رسوم.

يُبرز مالك بن نبي –في مشكلة الأفكار– العلاقة بين الفرد و مؤثرات محيطه الاجتماعي، بكل أبعاده، فيقول: "و هكذا فالفرد يدفع ضريبة عن اندماجه الاجتماعيِّ إلى الطبيعة و إلى المجتمع. و كلَّما كان المجتمع مختلاًّ في نموِّه ارتفعت قيمة الضريبة"، و كأنَّ ابن نبي هنا يشير إلى الوعاء الحضاري، لكن دون أن يسمِّيه و يضبط حيثياته كلية.

الرابط : https://www.facebook.com/notes/%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%89-%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D8%A5%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A8%D9%83%D8%A7%D8%B1/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%85%D9%8A/286543094726540/

Read 1443 times Last modified on Tuesday, 09 February 2016 20:39

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab