قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Wednesday, 18 May 2016 10:26

التربية أولا، السياسة آخرا...

Written by  الدكتور طه كوزي
Rate this item
(0 votes)

منذ أمد و أنا أجول بناظري بين قصور السلطان، و غرف البرلمانات، و ديوان الممالك... في عالمنا العربي الإسلامي، أتحسس "نموذج السلطة" و"الحكم" الذي يهيمن على البَلاط هنا و هنالك، أتساءل عن "محرّكات السلطة"، و التحكم، و الهيمنة السياسية في هذا الزمن، و أجد نفسي في كل مرة: أقف على الورم ذاته و المرض نفسه: سرطان الـمـُـــلك، و هيجان التملُّك.
"نموذج الحكم" هو نفسه، في عالم اليوم، و إن تدثـــــــّر بتاج الملك، و تستّر بعباءة القبيلة، أو تزين بربطة العنق، و تجمّل بمساحيق السفور... إننا اليوم أمام ظاهرة فريدة من نوعها: إننا نجد الساسة متشاكسين متناطحين حول خياراتهم اللفظية، و مداعباتهم الخطابية: فهذا "جمهوري"، و الآخر "قومي"، وثالثهم "إسلامي"، و رابعهم "ليبيرالي"؟
إنهم خلف غشاوة الألفاظ، و تحت دِثار الأسماء و الخطابات: يمارسون اللّعبة نفْسها، و يُدمنون الآفة عينها، أما الرجل العامي، و المواطن البسيط: فيلهثون به من حُلُم إلى آخر، و يعبثون بأعصابه: بين "سوبرمان قومي" تارة، و"سوبرمان متدين" تارة أخرى...
إن هذا السجال اللفظي بين معسكر و آخر؛ جعل الناس يتخندقون، و يتفنْدقون، دون مراجعة أسباب التحزُّب و التخندق، لقد استُخِفت عقولنا و أفئدتنا فغدَوْنا نحكّم "الخطاب" و نهمّش "الواقع"، فأضْحى للكلمات و الشعارات رنينًا و موسيقى لا تُقاوم؛ فنموذج الحكم يشتغل بمنطق "حمار جحا": إنه يراهن على أن تصدّق كلمات السياسي، و تخطِّئ الواقع و تكذِّبه؛ تماما مثلما فعل "جحا" حين أقنع جاره في أن يُكذّب "نهيق الحمار" الصادق، و يصدّق "جحا الكاذب".
كيف تصبح حاكما في أربعين يوما؟
نموذج الحكم، شرق المعمورة و غربها، في هذا العصر ليس قائما ابتداء على نية المواطن، و أحلامه، و خياراته، و أصواته... كما يدّعون، بل يستند أساسا إلى محركات أخرى هي المحددة في أن يصبح فلان أو علان حاكما، و إن أعوز الإنسان هذه المحركات فقد الانطلاق، و حُرِم الوصول: و هذا الكلام صادق على الدول التي نطلق عليها سمة الديموقراطية أو تلك التي نعيبها بالديكتاتورية؛ أمريكية كانت أم غربية...؛ "فحسين أوباما" مثله مثل "الحسن وتارا" بلغ الحكم بنفس الوصفة، و نفس الخلطة السحرية:
1. "جماعة ضغط" تقرئك السلام:
"جماعات الضغط" في هذا العصر هي الحاكم الفعلي في كل الأوطان، تجوس خلال الديار، و تخنق الوطن بنسيجها العنكبوتي، و تحرّك أزلامها و بيادقها في الغرف المظلمة، و غرف التحرير بالجرائد (الخاصة و العامة)، و تسيّر رجالها في غرف البرلمان المغلقة، و تأخذ قراراتها في مقاهٍ رئاسية، و تقسِم كعكعة المصالح في الوطن بين المتكالبين على قصعتها بالتراضي، و كلما استقوت "جماعة الضغط" في سلطانها حِيزت لها أعِنّة الحكم بحذافيرها في: الموالاة و المعارضة، في البرلمان و النقابة، في البلاط و الشارع...
"جماعة الضغط" لا يهمها الظهور بقدْر ما تهمها الفعالية و الحضور... فكل شيء بالنسبة إليها "قابل للتفاوض"، و كل إنسان "قابل للبيع و الشراء"، أما الأحزاب، و أجهزة الدولة... فليست، في أعين جماعة الضغط، إلا "دمى" ينبغي أن تتحرك وفق تطلعاتها و حسب مصالحها، أما مَنْ أبى و استنكف؛ فليس له إلا أن يتغمّده الله برحمته الواسعة: حيا أو ميتا... "جماعة الضغط" ليست "جماعة ظِلّ" بل أدوارها منقسمة بدهاء بين: رجال يجثمون في "الظل"، و رجال و نسوة آخرين: يشوّشون المشهد بحديثهم أو صمتهم أمام عدسات الكاميرا...: فالواحد من "جماعة الضغط" يقتحم المشهد باعتباره قانونيا حكَما، و الثاني يدخل المنصة بوصفه إعلاميا نزيها ليسأل السؤال المناسب في اللحظة المناسبة، و أخرى تسعُل في وسائل الإعلام باعتبارها معارِضة عفيفة، و الآخر يتدخل بوصفة نقابيا حرا، و الآخر يقرر بوصفه مسؤولا حاكما.... إنها سمفونية تتباين في صوتها المفرد، لكنها تتناغم في معزوفة المصلحة و الهيمنة.
2. لحظة الانتخابات و رحلة البحث عن "وجه ملائكي":
حين تُقرَع طبول الانتخابات، و تأزِف آزفة السباق و اللحاق للوصول إلى مقعد الحكم و السيادة، و تتحرك آلة البحث عند "جماعة الضغط" بحثا عن "عروس" يليق بالمناسبة؛ يبزُغ فجأة "فارس الأحلام "مرشحا بالقوة" للرئاسة، و في هذه اللحظة تتفنن "جماعة الضغط" في تجميل عروسها، و تبييض وجهه، و الحديث عن مناقبه، و تحرّك من أجل ذلك الألسُن المأجورة، و البطون المعمورة: ناهقة مبشرة بخليفة جديد، و وجه سياسي وليد.
في هذا العصر لم تعُد مهمة تبييض الأسود، و تسويد الأبيض: مهمة عسيرة صعبة المنال، بل أضحت وظيفة قابلة للتنفيذ؛ فقد أضحت مؤسسات و شبكات "العلاقات العامة" المتخصّصة في "الكذب الإعلامي"، و"التضليل الفكري" تراهن على وسيلتين أولاهما: فعالية وسائل الإعلام في يدها، من شبكات تواصل اجتماعية، و جرائد، و قنوات... أما ما تراهن عليه ثانيا: فهو حجم السفه المتزايد في "إنسان العصر"؛ و الذي لم يعُد يمتلك حصانة فكرية، و مناعة معرفية، فهو يتقبل بكل عفوية أن يُسام كالدواب، و أن يساس ضمن القطعان، فيستهلك المتناقضات بكل أريحية و عفوية.
بمجرد نجاح الحملة الإعلامية في تثبيت الوجه الملائكي مرشحا بالقوة؛ فقد نجحت مجموعة الضغط و نجت، أما إن فشلت فإن "جماعة الضغط" ستبحث عن مرشح بديل في الوقت بدل الضائع؛ عله يستدرك ما فاتها...
3. مستحضرات تجميل إيديولوجية، و عقاقير فلسفية:
حين يدخل هذا المرشح إلى خشبة مسرح السياسة، و تنجح "جماعة الضغط" في تنصيبه مرشحا فعليا كامل الحظوظ؛ فإن من الآداب التي عليه أن يتأدب بها: ألا يفصح عمَّن حوله، و لا مَن يقف خلفه، و لا مَن هو معه...، بل عليه أن يقدّم نفسه رجلا حرّا (و الرجال قليل)، في هذه اللحظة يطوّر "الخليفة القادم" خطابا إيديولوجيا يعوّم فيه أهدافه، و أفكاره، و يخفي خلف ألفاظه، و بياناته، و تغريداته: مصالح "جماعة الضغط" التي تقف وراءه؛ و يواري سوءة جماعة ضغطه، و حلفاءها، و أسيادها: خلف كومة من العبارات الرنانة، و الخيارات الإيديولوجية؛ فتضيع "الحقيقة" وراء مجموعة من "الحقائق الكاذبة"، كما تغيب الإبرة في كومة من القش.
في هذه اللحظة يولد "الخطاب"، و تتفتَّق كلمات المرشّح السياسي، و خُطَبه العصماء، و يطوّر حقيبة من الكلمات يطوف بها: النوادي و الجمعيات، و الزوايا و التكايا، و جمعيات حريات "المرأة" و"أشباه الرجال"... و لا يهم "جماعة الضغط" في هذه اللحظة إن كان مرشحها يحمل خطابا باسم اليمين، أو باسم اليسار، باسم القومية أو باسم الليبرالية، و لا يهمها إن كان من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال؛ فكل ما يهمُّها أن يكون خطابها خبزا يمكن علفه للجماهير التواقة لغد أفضل، و المتشوّفة لمستقبل أجمل...
اللعبة السياسية قصيرة النفَس...
منذ مطلع القرن العشرين، و قوافل السياسيّين تمر بحيِّنا متتالية متواترة؛ فقد شبعت الآذان من كلماتهم، و طنينهم، و مدنهم الفاضلة، أما العيون فجائعة عطشانة متلهفة لترصد ما يتحقق فعلا و عملا...؛ لقد مر بحيّنا القوميُّ، و الليبراليُّ، و الحرُّ، و الإسلاميُّ، و العلمانيُّ...، لكننا لم نجن منهم إلا حصيد الكلمات و العبارات؛ لقد خلّفوا وراءهم وعودا، و واقعا كئيبا...
لستُ أنسج هذه الكلمات لبث التشاؤم، و إذاعة اليأس و القنوط، و لستُ أحيا اليوم مفرغا من أملٍ يحدوني، و ثقة في الله تغمرني، بل إنني اليوم أكتب هذه الكلمات لأبوح لكل ناشئ، و أصارح كل طمّاع، و أشُدّ يد كل عامل: قائلا: إن اللعبة السياسية في أفغانستان و الجزائر، في موسكو أو نيوميكسيكو: نموذج مغلق، و لعبة مملة، و متاهة موصدة...: لأنها تعيد إنتاج ذاتها، و ليست مستعدة لتغيير ما بنفسها، إن الآلة السياسية تعيد إنتاج المقدَّرات التي تحيط بها؛ فإن كانت البيئة خصبة؛ كان النموذج السياسي غنيا مثمرا، أما إن كانت التربة قحلة محلة: أعادت اللعبة السياسية إنتاج الرداءة، و إفراز الصلافة و الفساد...
نموذج الحكم السياسي انعكاس و أثر لصورة الإنسان على صفحة مدرجات البرلمانات، و انعكاس لقامة الإنسان على صفحة الأحزاب، و النقابات، و التشكيلات المدنية...، فإن كان الإنسان قزما: تقزّمت خلفه خياراته و هياكله السياسية و تكلّست، و إن سمق الإنسان بعلمه و حلمه، بقلبه و عقله: لم تكن السياسة إلا بمستوى هامة الإنسان و همّته.
السياسة آخر ما يتغير في الأمم، و آخر ما يتحول و يتبدل، أما ما ينبغي أن يكون الأول في التفكير، و الأول في التخطيط، و الأول في العمل: تربية النشء و بناء الإنسان، فإما أن تغير الإنسان فيتغير كل شيء، و إما أن تلاحق سراب التحزّب و السياسة؛ فتصير إلى اللاشيء...

بتصرف عن موقع فيكوس

الرابط:http://www.veecos.net/2.0/

Read 1549 times Last modified on Monday, 12 November 2018 16:52

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab