عندما تنظرين يمينا أو يسارا إلى خريطة الوطن العربي و الإسلامي، سيملأ الأسف قلبك أن لا ترين اليوم في أي بقعة منها إلا القتل البشع و الدمار المهلك، للحرث و النسل، من كان يظن في يوم من الأيام يا أختاه أن فلسطين تضيع من أيدي بنيها و يبتلعها بني صهيون برمتها، و أنهم يستولون على القدس الشريف و يمنعون بنيه من الصلاة فيه، و أن سوريا التي يحكمها نظام البعث بيد من حديد يتمرد شعبها و يشعلها ثورة عارمة امتد أوارها حتى لبنان لتكتسي بعد ذلك صبغة طائفية بغيضة، و أن مصر المحروسة بعد تخلصها من حكم العسكر ترتد إليه من جديد، و تقع فريسة للفتن التي قسمت شعبها إلى معسكرين متحاربين، أو أن العراق تصطدم بالكويت و يكون ذلك الاصطدام سببا لغزوه، و مدعاة لتفككه، و قيام دولة للكرد فيه، ليفضي الأمر إلى تمزق نسيجه الاجتماعي في النهاية بسبب الفتن الطائفية التي اندلعت فيه، و من كان يزعم أن السودان ينتهي به الأمر إلى التشظي و الانقسام، و تقوم فيه دولة للنصارى في الجنوب، و هو لايزال عرضة لانقسامات جديدة مرة أخرى، و من كان يتخيل أن ثوار ليبيا الذين أطاحوا بحكم القذافي، يعجزون حتى الآن عن تحقيق الاستقرار، و ينقسمون على أنفسهم، و يحتكمون إلى الروح العشائرية، و يحبسون أنفسهم في المصالح الضيقة، بدل تغليب العقل و اعتبار المصالح العليا للوطن، مما يهدد لا بفشل الثورة فحسب، بل ينذر بتفكك الوطن ذاته.
إن هذه الحروب و الفتن التي اشتعلت في الوطن العربي اكتوت بها قبل ذلك الدول الإسلامية، و هي لاتزال إلى اليوم تصلاها كما هو الحال في أفغانستان و باكستان و بانغلاداش، و حيث ما يوجد المسلمين تعصف بهم الفتن و تشتعل فيهم الحروب.
إن ذلك الذي يحدث في الوطن العربي خصوصا و الإسلامي عموما ليس من قبيل الصدفة، و إنما هو نتيجة المخطط الأمريكي الذي أفصحت عنه إدارة بوش، و الذي وضعت أسسه الإدارات السابقة له، و الذي اصطلح على تسميته بالشرق الأوسط الكبير، و الذي اقتضى إثارة الفتن و الحروب في هذه المناطق من العالم حتى تسهل عليهم تجزئته و تقسيمه إلى كيانات صغيرة يمكن السيطرة عليها.
فما اصطلحنا على تسميته بالربيع العربي إن هو إلا عنوان مبهرج و منمق يقصد منه صرف نظرنا عن حقيقته الفعلية، التي إن هي إلا فتن و حروب تحت مسميات مختلفة اصطنعت لدفعنا للاقتتال فيما بيننا في حروب نتولاها بالوكالة عن غيرنا، تفضي في النهاية إلى إبادة الإنسان و شرذمة الأوطان، خدمة لمصالح الغرب و في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
نعم إن الاستبداد المحلي لعب دورا هاما في الحراك السياسي الذي أفضى إلى انفجار بركان الربيع العربي، و لكن لا ينبغي أن نغفل عن أن النظام الغربي كان هو الراعي لذلك الاستبداد و هو الذي وفر له الغطاء السياسي و الدعم العسكري، و هو نفسه الذي يوفر هذا و ذاك لطرفي الصراع في هذا الجزء من العالم اليوم، و لو سألنا أنفسنا لم يفعل ذلك...؟ لكان الجواب هو: يريد لنا أن نستنفد قوانا كل قوانا في هذه الحروب فنعجز عن الدفاع عن أوطاننا فتغدو لقمة سائغة له يسهل عليه ازدرادها، فما هو دوري و دورك يا أختاه في هذه الحروب التي تستهدف أوطاننا هل نكتفي بالعويل و البكاء و رفع الأيدي بالدعاء، إنه من الغباء الفظيع أن نقبل بهذا الوضع، و إن نحن قبلنا به فماذا سيكتب التاريخ عنا غدا يا أختاه..؟