" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
- المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله -
لنكتب أحرفا من النور، لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار
نشر هذا الموقع المفضال مقالا في الأسبوع المنصرم للأستاذة كريمة عمراوي تحت عنوان "هل العقل إلا في النص" و أوافق الكاتبة في رؤيتها و لي على الموضوع تعليق:
1- العقل دوما تابع للشرع و متى وجدت من يطبق الشرع و النص فهو العاقل، بمعنى آخر مقياس العقل و وجوده و عمله الجيّد هو اتباع الشخص للشرع و انقياده للنص و طأطأته أمام الكتاب و السنة، و لو نظرنا غير ذلك لقلنا أن الكافر بدين الله تعالى هو ذو العقل الجبار لأنه يخترع و يبدع و يبتكر، و هذا مجانب للصواب لأن الله قد حكى عمّن كفر به و نقل كلامهم " و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير". اعترفوا أنهم كانوا لا يعقلون بل كانوا من صنف العجماوات أو هم أضل منهم سبيلا، فمتى وجدت الشرع متبَّعا فاعلم أن صاحب الاتباع من أعقل الناس.
2- من المستحيلات التي رواها العلماء و أكدها المحققون و الخبراء، أن تجد في دين الله تعارضا بين عقل صريح و نقل صحيح، و إذا التبس الأمر على أي أحد فإما أن النص فيه علة و هو غير صحيح أو أن العقل فيه لبس و هو غير صريح، و هذا من عظمة ديننا الحنيف فلا وجود عندنا لقاعدة : اعتقد و لا تنتقد، و إنما كل ديننا إبراز للحجج و توضيح للبراهين و مقارعة للدليل بالدليل و لسان حالنا يقول: " قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا". و من أجل هذا ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الماتع درء تعارض العقل و النقل يفصل هذه القضية، و إذا تكلم ابن تيمية قلنا: قطعت جهيزة قول كل خطيب.
3- للعقل في ديننا دوره العظيم فبه نثبت أمرين من أخطر الأمور و أقواها و هما: وجود الله تعالى و إثبات النبوة، فلا يتخيل أن تبرهن لملحد على وجود الله بالقرآن الكريم الذي لا يؤمن أصلا بإنزاله و لا بمُنزله، و لا أن تثبت لكافر برسالة الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم بالبخاري و مسلم و رياض الصالحين، فإذا ثبت بالعقل نبوّة الأنبياء و وجود و وحدانية رب الأرض و السماء، تنحى العقل جانبا – كما يقول حجة الإسلام الغزالي – و قال للشرع الحنيف سمعنا و أطعنا.
4- حرص الدين الإسلامي الحنيف حرصا شديدا على تنمية عقول أتباعه و معتنقيه، فتجد القرآن و الحديث يحضان على التفكر في خلق الله و التدبر في نعمه و آلائه، و محاولة معرفة كنه الخلق و أصل الخليقة، فتجد مئات الآيات تختتم ب " يعقلون، يتدبرون، يتفكرون، يبصرون " ، و قد مدح القرآن الكريم " أهل النهى و أولوا الألباب "، و بعد أن ذكر مخلوقاته من الجبال و الناس و الدواب و الأنعام و إبداع خلقهم و كريم صنيعهم قال جل من قائل " كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ".
و بعد هذا التطواف البسيط نعود لنقول أن كلامنا هذا يثبت أن دين الله تعالى لا يلغي العقل و يمسخه و إنما يعليه و يكرمه، و ليس معنى هذا أن الشرع مقيّد بالعقل، لا و ألف لا، إنما العقل يمشي وفق الشرع و تحت غطائه و لا يتجاوز حدوده، فهو للجدال و البرهنة و فهم النصوص وفق قواعد الشرع و اللغة، و كتلخيص لكل هذا المقال ما أجمل هذه الأبيات المعبرات:
علم العليم و عقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما أحرز الشرفــا
العلم قال أنا أحرزت غـــــايته و العقل قال أنا الرحمـن بي عُرفا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له بأيّنا الله في قــــــــــــــرآنه اتصفا
فأدرك العقل أن العلـــــم سيده فقبّل العقل رأس العلم وانصرفا
هذا و إني شاكر لكم جميعا... و لنا مع الموضوع بسط تأصيلي شرعي في مواعيد لاحقة إن شاء الله تعالى.
اللهم الإعانة الإعانة، و التوفيق التوفيق و السداد السداد و اهدنا ربّنا في الأمر الرشاد...آمين...
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.">عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.